الثلاثاء، 17 يناير 2012

قراءة خطاب الأسد (2-2)

جريدة الرؤية- الاربعاء 18/1/2012

أشار الرئيس في خطابه إلى " أن الدستور الجديد سيركز على أن الشعب هو مصدر السلطات وخاصة من خلال الانتخابات وتكريس دور المؤسسات وحريات المواطن وغيرها من الأمور والمبادئ الأساسية"،وهو كلام جميل من حيث المبدأ، ولكنه واقعياً يبقى مجرد شعارات رنانة، فالانتخابات تتطلب تعددية حزبية (حقيقية) قائمة على مبدأ إتاحة الفرصة للشعب للتعبير عن فكره السياسي مهما اختلف مع توجهات الحاكم وحزبه، لا مجرد أحزاب ورقية عبارة عن (ديكور)لاستكمال منظومة الديمقراطية (المزيفة)، وحريات المواطن تتناقض وسياسة الأجهزة الأمنية (التعسفية) المتبعة تجاههم، وتكريس دور المؤسسات يتطلب استقلاليتها وعدم ربطها بالمحاذير الأمنية، ثم إن من يريد القيام بكل ذلك، عليه أن يثبت ذلك على أرض الواقع، لا أن ينتظر  انتهاء (ترزية) القوانين من وضع الدستور الذي سيتم تفصيله حسب ما يريده النظام.


ووصف الرئيس الدولة " بالأم التي تفتح المجال دائماً لأبنائها لكي يكونوا في كل يوم أفضل حفاظا على الاستقرار وحقنا للدماء لذلك في هذا الإطار كنا نصدر من وقت لآخر العفو تلو الآخر"، ونحن نتساءل هنا: من يملك حق العفو؟ الرئيس أم الأطفال والشيوخ الذي يقتلون كل يوم بدم بارد؟وإذا كان هؤلاء إرهابيون وقطاع طرق وعصابات مسلحة فلماذا يتم العفو عنهم؟ وإذا لم تتلطخ أيادي هؤلاء بدم الشعب السوري كما يزعم الإعلام الحكومي كل يوم، فلم تم اعتقالهم من الأساس؟أسئلة قد لا نجد إجابة لها.


قال الرئيس كذلك "لقد قمنا بالحوار مع كل القوى ما عدا المجرم الذي يرتكب الخطأ"، والسؤال هنا:من هم هؤلاء الذي حاورهم الرئيس، وهو يتهم كافة القوى المعارضة بالعصابات المسلحة؟ هل هي المعارضة الورقية التي اخترعتها أجهزته، أم الضحايا الذين يجبرون  أمام وسائل الإعلام على الاعتراف بجرائم مختلقة؟


كما أكد الرئيس في خطابه على اتجاه سوريا نحو الشرق، تاركة الغرب الاستعماري، متناسياً أن الصين وروسيا الحليفتان اللتان يعتمد عليهما، ويستمد منهما قوته لديهما علاقات اقتصادية واستثمارات ضخمة في أمريكا والدول الغربية، برغم اختلاف الإيديولوجية، وذلك لأن المصالح لا تتجزأ في عرف علم العلاقات الدولية.


وفي وصف الثورة قال: " إن هذه ليست ثورة .. لو كان لدينا فعلا ثوار حقيقيون بالصورة التي نعرفها لكنت أنا وأنتم وكل الشعب الآن نسير معهم وهذه حقيقة"، ونحن هنا نطلب من (فخامته) أن يشرح لنا معنى الثورة التي يريدها إذا لم تكن ثورة ضد الظلم والعدوان والاستبداد والقهر.


وتحدث الرئيس السوري عن زهده في الحكم، وأن بقاءه في السلطة هو بناء على رغبة الشعب، وهو نفس الكلام الذي قاله من سبقه من الحكام العرب المخلوعين، ولعل السؤال المهم هنا: كيف أتى الرئيس السوري إلى سدة الحكم؟ وأي شعب انتخبه؟ هل هو الشعب السوري بمختلف مكوناته وطوائفه، ووفق انتخابات برلمانية نزيهة، أم هم شبيحة النظام وأتباعه، والمواطنون الذين يساقون قسراً لكي يقولوا (نعم) في الاستفتاء الخاص بالرئيس؟ وإذا كان الشعب قد أجمع على اختيار الرئيس (الزاهد في المنصب) بنسبة 99.99%، فمن أين أتى ملايين المحتجين في أنحاء المدن السورية؟ هل هبطوا فجأة من كواكب أخرى؟


ولن أنسى المشهد الأخير في الخطاب، عندما حاول كثير من الحضور الاقتراب (بلهفة) من الرئيس لتحيته، وهو مشهد يجسد كثيراً من الواقع السياسي في سوريا، فمنظر الشخصيات (المحترمة) وهي تتدافع لتقبيل يد ووجنة الرئيس، ومحاولة التمسح به والحصول على بركاته، هو تجسيد لما يحدث في هذا البلد العربي  من سلطة لا حدود لها للرئيس، ومن تنفذ كبير للأجهزة الأمنية، ومن غياب واضح لدور البرلمان وأجهزة الإعلام في انتقاد أية تصرفات  سياسية خاطئة، أو أية أوضاع محلية تمس بسلطة الرئيس والحزب.


كان يمكن للرئيس أن يختصر خطابه في دقائق معدودة، يفتح فيها صفحة جديدة مع شعبه، و يعترف فيها بأخطاء حقيقية حدثت على مدى سنوات حكمه، ويعتذر لهم عن كثير من الممارسات التي وقعت ضدهم، ويصارحهم بأنه كان مجرد أداة في (لوبي) يدير دفة الحكم في البلد، ويستخدمه كواجهة، ويبشرهم باتخاذ إجراءات (حقيقية) يشعرون من خلالها بصدق نيته تجاه شعب يعلم النظام يقيناً أنه لم يخرج سوى لطلب شيء من حقوقه، بعد أن مل الصمت،وتساوت لديه مفاهيم الموت والحياة، وبعد أن شعر بالغيرة من شعوب أخرى ناضلت كي تسترد حقوقها.


قد يقول البعض إن سوريا دولة مواجهة،وإنها شوكة في حلق المخطط الصهيوني، وأنها قدمت العون لكثير من فصائل المقاومة العربية والإسلامية المختلفة، ولكن ذلك كله لا يبرر للنظام السوري القيام بكل ما يفعله تجاه شعبه، ولا أن  يتحكم في مجريات الأمور  بيد من حديد تحت دعوى المقاومة والمواجهة ، ولقد تحمل الشعب السوري هذا العذر طويلا، وهذا الشعب لا يهمه أمريكا أو إسرائيل بقدر ما يتمنى أن يجد بلداً يستطيع أن يعيش فيه بحرية وكرامه، كما أن على هؤلاء أن (يعوا) أنه لا يوجد شعب يتحول بين عشية وضحاها إلى عصابات مسلحة يتجاوز أعدادها الملايين،فأين هي تلك الأجهزة الأمنية التي لم يكن من عمل لها سوى عد أنفاس المواطنين، وهي التي يتجاوز عددها أصابع اليدين، وإذا تحجج (بعض) هؤلاء بالأعداد الغفيرة التي تساند الرئيس، فهذا المشهد تكرر مراراً في دول أخرى ما لبثت أنظمتها المستبدة  أن سقطت، ثم إن من يسلب الحرية من شعبه، لا يستطع أن يمنحها للآخرين.


لا أجد ختاماً لهذا المقال أفضل من تعليق وجدته على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي: "القذافي قال من أنتم، والأسد يقول خسئتم، المدرسة واحدة. ونحن نشهد الجزء الرابع من مسلسل بعنوان (المؤامرة مستمرة)".

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.