جريدة الرؤية - الثلاثاء 17/1/2012
في هذا المقال سأحاول أن أحلل جانباً من النقاط التي تضمنها الخطاب (الطويل) الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد مؤخرا، وهو خطابه الرابع منذ بدء الحركة الاحتجاجية في البلاد قبل نحو 10 أشهر، والذي استغرق نحو (99) دقيقة، والذي استغرب البعض فيه عدم وقوف الرئيس السوري دقيقة صمت على أرواح الشهداء الذين يسقطون يوميا في سوريا، حتى لو كان الحديث فقط عن شهداء الجيش والأجهزة الأمنية.
حاول الرئيس في خطابه أن يبدو واثقاً ومتماسكاً بعكس خطاباته السابقة التي غلب عليها الارتباك، كما حاول أن يبدو وكأنه مطلع وملم بالأوضاع الداخلية، فأرهقنا في كثير من التفاصيل التي لم يكن لها داع، وبدا (كمنظر) سياسي، فتحدث عن العروبة، والدستور، والانتخابات، والعمالة، والإصلاح، وتناول (الزيتون) ودوره الاقتصادي، وهو الأمر الذي جعله عرضة لاستهزاء البعض، بل إن بعض الناشطين قد أنشأ صفحات خاصة تتناول حديث الرئيس عن هذا المحصول المهم في الاقتصاد السوري.
كما أنه لم يخرج من إطار خطاباته السابقة، واتضح أنه يقدم خطابه لفئة واحدة هم أنصاره، دون الالتفات إلى فصيل آخر يفترض أنه مسئول عنهم، ومهتم بشأنهم، وكالعادة تكررت بعض المصطلحات التي سمعناها مراراً وتكراراً، كالمؤامرة الخارجية، والعصابات المسلحة، والضرب بيد من حديد، وجماعة (العربان)، والفضائيات المضللة، والممانعة، وكأنه هنا يؤكد صحة معالجة النظام للأزمة منذ اندلاعها، وبالتالي لا لزوم لسياسة جديدة.
ويبدو أن المعالجة من وجهة نظر الرئيس هي "استعادة الأمن الذي تميزنا به لعقود حتى على المستوى العالمي، وهذا لا يتحقق إلا بضرب الإرهابيين والقتلة، ومن يحمل السلاح الآثم بيد من حديد"، ومن جديد يؤكد الرئيس على أن المتظاهرين هم مجرد إرهابيين وقتلة، حتى لو كانوا صغاراً في سن حمزة الخطيب، أو نساء وشيوخاً، كما أن الرئيس تجاهل أن يوضح لنا أن هذا الأمن الذي تميزت به سوريا لم يكن نتيجة تحقيق عدالة اجتماعية، أو توزيع متساو للثروة، وإنما نتيجة بطش وقهر مارسته أجهزة الأمن المختلفة على مدى عقود أربعة هي مدة حكم النظام حتى الآن، كما أن الحديث عن (ضربة من حديد)، يجعل خطاب الرئيس يبدو وكأنه يتحدث عن صراع مع عدو محتل، وليس مع شعب أعزل كل همه بعض الإصلاحات التي تعيد له شيئاً من كرامته وإنسانيته.
هاجم الرئيس السوري الجامعة العربية في خطابه، ووصفها (بالمستعربة)، وأكد أن الجامعة هي الخاسرة بتجميد عضوية سوريا، فسوريا هي (قلب العروبة النابض)، ولا يمكن للجامعة أن تعيش بدون قلب، ويبدو أنه أهمل الإشارة إلى أن هذا (القلب) العربي، قد انحاز منذ عقود لنظام غير عربي، وسانده في كثير من المواقف ضد بعض القضايا العربية، والحديث هنا عن النظام الإيراني، ولعلي أتوجه بالسؤال هنا للرئيس السوري حول موقفه من قضية (الجزر الإماراتية)، أو الموقف السوري من حرب العراق وإيران على سبيل المثال، أو الموافقة السورية الفورية على المشاركة في الحرب ضد العراق عام 1990.
كما تفاخر الرئيس السوري في خطابه بأن برلمانه السوري قد أنشأ قبل أن يكون لبعض الدول العربية وجود، في إشارة إلى دول المجلس، وتناسى أن تاريخ الشعوب لا يقاس بالسنوات، وإنما بالانجازات، وأن هذه الشعوب بالرغم من حداثة التكوين السياسي لبعضها، إلا أنها قد سبقته في مجال الحريات، وأن برلماناتها المحلية (برغم كثير من الملاحظات) أكثر جدوى من برلمانه الذي يتكون غالبية أعضاؤه من حزب واحد، في دولة (جمهورية) الطابع السياسي، ينبغي على أعضاء برلمانها أن يكونوا مراقبين للحكومة، منتقدين لسياساتها، لا مطبلين لها، وهو ذات البرلمان الذي سمح بتعديل مواد الدستور في دقائق كي يأتي هو رئيساً مدى الحياة، بصلاحيات لا حدود لها، وكأن نساء سوريا قد عدمت إنجاب شخصيات تستطيع إدارة أمور البلاد.
وأسهب الرئيس كثيراً في الحديث عن الإصلاح، ولم يوضح لنا إن كان هذا الإصلاح سيؤدي مستقبلاً إلى ابتعاده عن سدة الحكم نتيجة انتهاء مدة رئاسته، أو أن هذا الإصلاح سيقوض قليلاً من سلطاته (الإلهية) الواسعة، أو أنه سيقلل بعض الشيء من تحكم واستفراد نظام سياسي واحد (حزب البعث) بكافة مفاصل الدولة، أو أن هذا الإصلاح (المزعوم) سيؤدي إلى محاسبة ومساءلة كثير ممن تسببوا في إفساد الحياة السياسية في سوريا التي اعتبروها مملكة خاصة بهم يتحكمون فيها كما يشاءون، والقائمة طويلة ابتداء بالرئيس نفسه وعائلته وحاشيته، ورامي مخلوف وإخوانه، والمتنفذين في الأجهزة الأمنية، وأعضاء الأمانات المحلية والقطرية والقومية...الخ لحزب البعث، وعدد من رجال الأعمال المقربين، ورجال الإعلام المطبلين، وغيرهم.
قال الرئيس السوري في خطابه "لا نريد معارضة تجلس في السفارات أو معارضة تأخذ المؤشرات من الخارج"، واتهمهم بالخيانة، ورفض الحوار، أو المشاركة في حكومة وحدة وطنية، دون أن يبرر أسباب رفضهم لذلك، وفي هذا القول تجن كبير، فمن المعلوم أن النظام البعثي في سوريا لا يسمح بوجود أي نوع من المعارضة، وهناك عشرات المعتقلات التي شهدت على مدى تعامل أجهزة الأمن (كثيرة العدد والعدة) تجاه هذه المعارضة، فكان من الطبيعي أن تحاول هذه المعارضة الخروج من سوريا، والبحث عن ملاجئ سياسية آمنة تمكنهم من تنظيم صفوفهم، ومواجهة النظام، فكيف يأتي بعدها لاتهام هذه المعارضة بالعمالة والاتصال بالخارج؟؟ هو يذكرني هنا بقصة الذئب الذي استغرب عدم اقتراب الحمل منه لشرب الماء عند ضفة النهر.
وبدلاً من أن يحاول الرئيس (المثقف) الاعتذار عما فعله والده في أحداث (حماة) الدامية عام 1982، والتي راح ضحيتها عشرات الألوف من المواطنين السوريين دون ذنب يذكر سوى أنهم كان لهم فكر سياسي مغاير لفكر نظامه السياسي البعثي، فإنه وصف الإخوان المسلمين بأنهم إخوان (الشياطين)، علماً بأنه كان قد أوضح في فقرة سابقة من خطابه أنه مستعد للحوار معهم وإشراكهم في حكومة وطنية، وعلماً بأنه حليف قوي لجماعات إسلامية يقترب فكرها من فكر الإخوان المسلمين وتتبنى الفكر الجهادي، كحماس، وحزب الله، ونظام الملالي في إيران، فما هذا التناقض (الفج) الذي أتى به خطاب سيادة الرئيس؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.