الخميس، 15 سبتمبر 2011

القطاع السمكي بين الواقع والمأمول

عندما كنا صغارا درسنا في مناهج الدراسات الاجتماعية أن السلطنة تحتل المركز الثاني عربياً في إنتاج الأسماك، وكان هذا كافياً لكي نشعر نحن الصغار – وقتها- بالفخر والاعتزاز. لم يكن يدور في خلدنا أنه سيأتي اليوم الذي نستورد فيه الأسماك من الدول المجاورة، وأنه سيصبح فيه كيلو السمك في بلدنا أغلى من أوقية الذهب، وكيف يحدث ذلك في بلد يتجاوز طول سواحلها (3000) كم، وفي دولة اعتاد سكانها أن يروا السمك يوزع بالمجان على البحر من قبل الصيادين.

كثير من التساؤلات الذي أطرحها كما يطرحها الكثيرين ممن اكتووا بنار ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق العمانية: ما الأسباب التي أدت إلى قلة المعروض من السمك، وارتفاع أسعاره؟ وهل فعلاً هناك قلة في الإنتاج أم أن هناك أسباباً خفية تتعلق بهذا الموضوع؟

ليس الحسد هو السبب في ارتفاع سعر الأسماك وقلة المعروض منه، كما قال أحد الصيادين بعد أن عجز عن إيجاد تفسير منطقي لذلك، كما أنني لست مقتنعاً بأن زيادة عدد سكان السلطنة وكذلك المقيمين والسواح، أو أن زيادة وعي المستهلك بأهمية القيمة الغذائية للأسماك، وارتفاع أسعار أدوات الصيد والقوارب وقطع الغيار، كما صرح بذلك معالي وزير الزراعة والثروة السمكية، هي السبب الرئيس في ذلك الارتفاع.نعم، قد تكون أسباب مؤثرة، ولكن لا يمكن أن نعتبرها الأسباب الأهم وراء هذه الظاهرة، فعدد السكان في السلطنة يكاد يكون ثابتاً، ولم يرتفع فجأة بذلك المؤشر الهائل ، كما أن المستهلك لم يصح فجأة من النوم ليشعر أن السمك مفيد غذائياً، فالعمانيون اعتادوا منذ الأزل أن يكون السمك في مقدمة وجباتهم الغذائية ، وبالنسبة لارتفاع أسعار أدوات الصيد ، فالصيادين لا يقومون بتغيير قوارب صيدهم كل يوم، كما إن الارتفاع في أسعار المحروقات ليس وليد اللحظة، بل مضت سنوات على ذلك.

إذاً علينا أن نبحث عن أسباب أكثر منطقية لتبرير الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الأسماك، بدلاً من الحديث عن مبررات غير واقعية قد تطرح كمسكنات تلهي الرأي العام.
ومن بين الأسباب المباشرة يمكننا أن نركز على عمليات التصدير العشوائية إلى السوق الخارجي، حيث كانت الصادرات تقترب إلى 50% من ناتج الأسماك، بحسب المصادر الرسمية، وترتفع النسبة إلى أكثر من ذلك بحسب المصادر المتداولة، وبالتالي أدى ذلك إلى قلة المعروض من الأسماك في السوق المحلي، وارتفاع أسعارها بشكل خيالي.

وأصبح الشارع يتداول قصصاً وأخباراً عن مزادات تحدث ليلاً لبيع السمك العماني في أسواق بعض الدول المجاورة، وآخرين يتحدثون عن شحنات من أجود الأسماك تعبر مطار مسقط الدولي بشكل يومي إلى وجهات مختلفة من أسواق العالم.
أذكر أنني عندما كنت أذهب لزيارة إحدى مصانع السمك في جعلان، كنت أندهش بالأنواع العديدة والوفيرة من السمك، ولكن ما إن أذهب لأقرب سوق لبيع الأسماك إلا واۥفاجأ بقلة المعروض وارتفاع سعره. وتظل التساؤلات تتوالى في هاجسي : أين ذهبت كل تلك الكميات التي رأيتها قبل قليل؟؟

وعندما يصرح معالي الوزير بأن "الطلب على الأسماك العمانية قد زاد في الفترة الأخيرة وخاصة من الدول المجاورة وطبيعي أن ترتفع الأسعار محلياً"، فأنا أتساءل : كيف يتم السماح بالتصدير مادام أن السوق العماني لم يستكف من المنتوج؟ أليس من الأولى أن يكون السمك في متناول المواطن العماني وبسعر يتناسب ومستوى دخله، بدلاً من السماح بالتصدير الخارجي؟

وبالرغم من اتخاذ الوزارة قراراً بحظر خمسة أصناف من أنواع الأسماك (السهوة ، الهامور ، الكنعد ، الصال ، الشعري) وهي أصناف مرغوبة في السوق المحلي ، إلا أن هذه الأصناف وغيرها ما زالت إما غير متوافرة بشكل كاف، أو أن سعرها مرتفع بشكل خيالي، فالسهوة مثلاً ما زال معدل سعرها في مدينة تشتهر بإنتاج الأسماك كصور يتراوح ما بين 6-9 ريالات، و"الصال" الذي كان أعلى سعر لها لا يتجاوز نصف ريال، نجده الآن يفوق الريال ونصف وسط حالة استغراب ودهشة من قبل العارفين بأنواع الأسماك العمانية، ويبرز هنا تساؤل مهم: هل بالفعل هناك تطبيق حقيقي لقرار حظر التصدير أم أنه يأتي من قبيل الشو الإعلامي؟

من بين الأسباب كذلك ضعف مراقبة الأسعار، فلا توجد تسعيرة موحدة يمكن أن تتفاوت أحياناً بحسب حالة السوق، بل ما نلاحظه أن بعض التجار يتحكمون في الأسعار وفق أهواء شخصية بحتة، طلباً للربح المبالغ فيه، ربما لاعتقادهم بأنه ليست هناك جهة يمكنها أن تراقبهم أو تفرض عليهم قوانين ولوائح معينة عليهم أن يلتزموا بها. جرب أن تتنقل بين 3 ولايات ساحلية متقاربة وستفاجأ بأن سعر أي صنف من الأسماك يختلف من قرية أو ولاية لأخرى، وغالباً ما ستجد تفاوتاً كبيراً في الأسعار، برغم تقارب حجم الكميات المنتجة، وتشابه الظروف المؤثرة على عملية الصيد في هذه الولايات أو القرى.
ولعلي هنا أطرح بعض المقترحات التي أرى أنها من الممكن أن تسهم في الارتقاء بالقطاع السمكي في السلطنة، وتجعله قطاعاً أكثر حيوية، وقد تحد من بعض المشكلات المتعلقة به.

ولعل من بين هذه المقترحات أهمية وجود جمعية للصيادين من شأنها أن تعبر عن هموم الصياد العماني، وتسهم في تقديم الدعم المادي والمعنوي بمختلف أشكاله، وتتعاون مع الوزارة المعنية في إصدار لوائح وقوانين وتشريعات من شأنها أن تنظم كافة العمليات المتعلقة بالقطاع السمكي من تحديد مواسم صيد، والقضاء على عمليات التلاعب في الأسعار ،وتنظيم آلية التصدير،وغيرها من القضايا المهمة التي تتناول واقع الصياد العماني.

ومن المهم كذلك مراجعة خريطة موانئ ومواقع الصيد في السلطنة من حيث مدى اكتمال البنية التحتية بها، فمازالت كثير من القرى الساحلية المشهورة بصيد الأسماك تعاني من عدم توافر أبسط الإمكانات التي توفر للصياد البيئة المناسبة لعملية الصيد.

و من الضروري أن تشمل مظلة التأمينات الاجتماعية الصياد العماني، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أهمية هذه الحرفة، وعدد المزاولين لها، ذلك أن كثيراً من الصيادين يعانون بشدة عند تعرضهم لأي عائق من شأنه أن يمنعه عن مزاولة المهنة، وبعضهم يصبح عالة على المجتمع،فيمكن بالتعاون مع جمعية الصيادين العمانية "في حالة وجودها"، أن يتم إصدار تشريع معين في هذا الشأن، ويمكن تقديم التوعية الكافية للصياد حول أهمية هذه الخطوة كونها ستشكل ضماناً مستقبلياً لهم في حالة عدم قدرتهم على مزاولة المهنة لأسباب محددة متفق عليها.

كما أن القروض التي يقدمها بنك التنمية العماني للصيادين بحاجة إلى مراجعة شاملة، فبعضهم يتقدم بطلب قرض بحجة القيام بمشروع سمكي معين، ولكن يتم استغلال هذا القرض لأغراض أخرى شخصية لا تمت بصلة للهدف الرئيس من القيام بطلبه، وبالتالي يؤثر على الهدف المنشود من إنشاء البنك.
ومن المهم التوسع في الصناعات القائمة على المنتجات البحرية المتنوعة،بحيث تتناسب ومدى تنوع الثروات الكبير الذي تتمتع به البحار العمانية، وهذه الخطوة من شأنها أن تسهم في توفير فرص عمل متنوعة لعدد من الشباب العماني. بالمناسبة...أين هي شركة الأسماك العمانية؟
كما أن إعادة النظر في الأدوات المستخدمة في عملية الصيد لهي خطوة مهمة نحو تطوير قطاع الإنتاج ، فكثير من هذه الأدوات قد لا تتوافق والتطور الهائل الحاصل في مجال الإنتاج السمكي، وقطاع لا بأس به من الصيادين قد لا يملكون الإمكانات المادية التي يستطيعون من خلالها توفير هذه الأدوات.
كما أن المؤسسات المعنية بالعلوم البحرية في السلطنة سواء كانت تابعة للوزارة المعنية أم تابعة لمؤسسات علمية عليا، بحاجة إلى مزيد من التفعيل فيما يتعلق بالبحوث والدراسات الميدانية، وأهمية الأخذ بالتوصيات الصادرة عن المؤتمرات والورش المتعددة، وضرورة أن يستفيد الصياد العماني من نتائج هذه البحوث والدراسات.

ويبقى التنسيق مع الهيئة العامة لحماية المستهلك وبعض الجهات الأخرى ذات الصلة، حول إيجاد آلية لمراقبة السوق ومنع التجار من الرفع المتعمد للأسعار، وتشديد الرقابة على حركة بيع المنتجات البحرية، أمراً ملحاً ومطلباً ضرورياً تتطلبه الظروف الراهنة التي تعيشها الأسواق العمانية .

يعتبر القطاع السمكي من القطاعات المهمة في خريطة الاقتصاد العماني، من حيث حجم الموارد، وعدد العاملين به، لذا فان الاهتمام الحقيقي بهذا القطاع، ومراجعة كافة الأمور المتعلقة بتطويره، من شأنه أن يعطي بعداً أكبر، وأهمية كبرى لمدى مساهمة هذا القطاع وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي.

هناك تعليق واحد:

  1. دكتور محمد فضفضة حارقة تلك التي طرحتها ومعاناة شعب تعود ان يأكل من تعبه فيشعر بالسعادة والرضا أن منتوجه اليومي يوجد في كل بيت ومحل . تغيرت الأحجاث وتعددت الأسباب واصبح الوضع مخيف . اذا كان السمك الذي تعودنا على رخص تسعيرته اصبح غير متناول في يد المواطن العماني والأسباب أغلبها تعزى الى عدم المراقبه واهمال المسئولون عن متابعة ما يحدث في ارض الواقع . كذلك أن جمعية حماية المستهلك لاتعمم متابعتها على كل مناطق السلطنه فترى مناطق اسعارهم تختلف عن مناطق اخرى كما ان عزوف الشباب عن مهنة الصيد جعلت ارباب العمل يستسهلون العمالة الووافدة التي همها كسب الربح لا غير . ولو نظرنا عن قرب ستجد الشواطئ مليئة بالعمالة الهنود الذي ن جاءوا من أجل عمل معين كصباغين او نجارين او حدادين ولم يستطع كفيلهم دفع اجورهم لذا سرحهم ليعمل كل واحد فيهم في عمل يخالف القانون . اخي الفاضل لا رقابه ولا متابعه ولا اهتمام والضحية نحن الشعب . ماذا عسانا ان نفعل وماذا عسانا ان نقول . خلها على ربك كل شي سيتغير بإذن الله

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.