جريدة الرؤية - الثلاثاء 15/9/2011م
عندما تزور ولاية ما من ولايات السلطنة، وتجد تجمعات البرك والمستنقعات المائية تملأ الشوارع والأحياء السكنية، بل وتحاصر كثيراً من البيوت، وتلحظ تأثر الشوارع الداخلية بالحفر والتشققات، واختلاط بعضها بالطين والحجارة، من جراء هطول أمطار يفترض أن تكون أمطار خير وبركة، ولكنها لأسباب معينة، تتحول إلى كابوس يتخوف منه كثير من المواطنين، وكأن الأمر يتعلق بحدوث كارثة مناخية متوقعة.
وعندما ترهق نفسك خلال تلك الزيارة بالبحث عن منتزه طبيعي أو صناعي يمكن لك أن تقضي فيه بعض الوقت برفقة عائلتك،فلا تجد سوى حدائق بدائية أحياناً، وغالباً لا تجد شيئاً ، بالرغم من أن تلك الولايات هي نفسها عبارة عن متنزهات طبيعية مفتوحة، لما تحويه من إمكانات بيئية متنوعة، تتمثل في غابات السمر والغاف المترامية الأطراف، والرمال الذهبية الناعمة، والشواطئ الرملية والصخرية الجميلة، وغيرها من تناغمات البيئة المختلفة.
وعندما تسأل في زيارتك تلك عن أية مكتبة عامة قد تستفيد مما تحتويه من مصادر معرفة متنوعة، فلا تجد سوى بعض الكتب التقليدية المتناثرة على أرفف بعض المكتبات التجارية الصغيرة.
وعندما تبحث عن مزار سياحي أو تاريخي يمكن أن تضيف زيارتك له شيئاً من المعلومات المتعلقة بتاريخ بلدك الضارب في أعماق التاريخ، فلا تجد غالباً سوى بعض القلاع والحصون والأبراج نصفها مهدم، والباقي ينتظر دوره، أو بيوت وحارات قديمة حالها لا يختلف عن سابقاتها.
وعندما ترهق عينيك الألوان المتنافرة للبيوت ، فهذا أخضر، وذاك أحمر، والثالث أزرق، وهكذا، في ظل الحديث عن مخططات سكنية حديثة، يفترض أن تنظم آلية البناء والتشييد فيها قوانين محددة تحافظ على الطابع المعماري الجمالي المحدد سلفاً.
وعندما ترى تكدس أكوام القمامة وسط الحارات السكنية لأيام عديدة، بكل ما لذلك من تأثير ليس أقله انتشار الأمراض المختلفة، وتشويه المنظر العام، والروائح الكريهة.
وعندما تلتقي في تلك الزيارة ببعض السياح الأجانب فتجدهم في (حيص بيص)، فهم قد قطعوا مسافات طويلة من أجل أن يتعرفوا على معالم سياحية خاصة بتلك الولاية أبهرتهم صورها في شبكة المعلومات العالمية، فقرروا زيارتها، فتفاجئوا- بعد أن عانوا الأمرﱠين وسألوا حتى (طوب الأرض) كي يتمكنوا من الوصول إلى أماكنها - بأنها عبارة عن أماكن مغلقة ، فلا لوحات إرشادية تدلهم، ولا ثمة معلومات تمكنهم من التعرف على تاريخ تلك المعالم،ثم يسألونك في رجاء إن كان هناك أي نزل، أو مطعم سياحي، حتى ولو كان (نصف نجمه) كي يأخذوا قسطاً من الراحة قبل رجوعهم من حيث أتوا خائبي الرجاء.
وعندما تتكرر هذه المشاهد في كثير من الولايات، ولو بنسب متفاوتة ، فإن ثمة سؤال مهم يتبادر إلى الذهن ألا وهو : ما هي نظرتنا إلى واقع العمل البلدي في الولايات والمحافظات؟ وكيف يمكن لنا أن نطور من هذا الواقع، ونغير النظرة إليه؟
من الظلم والإجحاف بحق المجتمع أن نبقي على النظرة السائدة والتي تحصر العمل البلدي في القيام ببعض الأعمال الروتينية كمراقبة وتفتيش المحلات والمطاعم، ورصف بعض الطرق الداخلية، وإصدار تصاريح افتتاح المحلات التجارية المختلفة، والإشراف على المرادم وأماكن التخلص من النفايات، وملاحقة الحيوانات السائبة، فهذه نظرة قديمة تجاوزتها المجتمعات الحديثة منذ عقود.
وبرأيي أن هناك الكثير من الأعمال والأنشطة البلدية المتنوعة التي يمكن للجهات التشريعية أو التنفيذية المسئولة أو المجتمعية القيام بها، وهي أعمال من شأنها أن تجعل الولاية أو المدينة أو البلدة أكثر جمالية ورقياً، وذلك من خلال الاهتمام بالجوانب الجمالية كقضايا التشجير والتجميل، وتوحيد نمط العمران بما يضيف بعداً جمالياً للحي السكني، ومن ثم المدينة بشكل عام، والاهتمام بالجوانب الثقافية المتمثل في إنشاء المكتبات العامة، وإقامة المهرجانات والكرنفالات الشعبية المختلفة، ومعارض الكتاب، والندوات الفكرية المتنوعة، والاهتمام بالمشاريع الاجتماعية التطوعية التي تعزز الانتماء والولاء لدى فئات المجتمع المختلفة، والاهتمام بجوانب الترفيه المختلفة، كإنشاء الحدائق العامة، وتحويل بعض الأماكن البيئية إلى متنزهات طبيعية أو أماكن تخييم، وتعزيز الجوانب السياحية في المدينة، من خلال الاهتمام بالموروثات والشواهد التاريخية والثقافية للمدينة كالفنون المغناة، والحرف المختلفة، والمعالم الأثرية، واقتراح خطط للاهتمام بها والمحافظة عليها، والاستفادة من البيوت الأثرية القديمة بتحويلها إلى مزارات أو مؤسسات ثقافية وسياحية مختلفة ، إضافة إلى الاهتمام بقضايا البيئة المختلفة، واقتراح وتنفيذ الحلول التي يمكن من خلالها أن تكون المدينة أكثر نظافة وأقل تلوثاً، وغير ذلك من الخدمات التي يصعب حصرها، والتي تدل على اهتمام بلدي حقيقي من جانب المعنيين بهذا الجانب
إن تحقيق كل ذلك يستلزم عدة أمور لعل من بينها: مراجعة وتقييم الأعمال الحالية التي تقوم بها الجهات التنفيذية المسئولة عن العمل البلدي، ومدى مواكبتها للتطور الملحوظ في مفاهيم العمل البلدي، ومقارنتها بالأعمال التي تقوم بها بلديات المدن المتطورة في العالم، ومن ثم وضع خطط جديدة تتضمن اهتماماً ببنود التخطيط،والتوعية، وتنمية الوارد البشرية، والموازنة، بحيث نرى فكراً جديداً ورؤية أكثر بعداً وشمولية، تتجاوز المرحلة الحالية بكافة سلبياتها.
كذلك فعلى المجالس البلدية القادمة دور مهم في تحقيق ذلك، ولعل وجود مجلس بلدي في كل ولاية ، به ممثلون لقرى وأحياء تلك الولاية، يتم انتخاب ثلثيهم، وتعيين الثلث الباقي من ذوي الخبرة والاهتمام، يتوزعون على لجان مختلفة تشمل كثيراً من المناحي المجتمعية كاللجان الاجتماعية، والثقافية، والتربوية، والمالية، والبيئية، والتخطيط وغيرها، من شأنه أن يلقي حجراً كبيراً في بحيرة العمل البلدي الراكدة، ويساهم في تغيير كثير من المفاهيم المجتمعية المغلوطة أو المغيبة تجاه نوعية وآلية هذا العمل، وبالتالي يحمل معه عملاً مجتمعياً يختلف عن سابقه، ويسهم في شمولية التنمية لكافة أرجاء تلك الولاية.
يبقى أخيراً دور المجتمع ، فنحن بحاجة إلى وجود شراكة حقيقية بين الدولة بمؤسساتها التنفيذية، وبين المجتمع بمؤسساته الخاصة وأفراده، وبدون تلك الشراكة لن نتمكن من إيجاد مجتمع أكثر تكاملاً ، ولابد لنا كأفراد ومؤسسات أن نعي أن هذا المجتمع لن يتطور بدون جهودنا، وأن من سمات المواطنة الحقيقية المشاركة المجتمعية الصادقة التي تحقق الإضافة المهمة له، كل في مجال ميوله واهتمامه، فبناء الوطن يستلزم التعاون الجماعي والمسئولية المشتركة، وهذا موضوع يطول شرحه الآن، وقد أتناوله قريباً في مقال خاص به.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.