الخميس، 17 نوفمبر 2011

مواقف حياتيــة (8)


جريدة عمان - الخميس 17/11/2011
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
(1)
كنت في جعلان ليلة العيد، وبرغم غياب الدور البلدي، والذي تمثل في وجود فوضى تنظيمية، وعشوائية كبيرة في حركة السوق، ناهيك عن تجمعات البرك والطين في الشوارع الرئيسية والفرعية، وامتلاء تلك الشوارع بالحفر والتشققات، إلا إنني أعجبت بوجود مبادرات شبابية في مجال بيع بعض المستلزمات المتعلقة بالعيد، من ملابس وعطور وكماليات، وهي مبادرات ذكرتني بمشاريع الخريجين في بعض الدول، برغم فارق الخبرة والتنظيم.
شبابنا لديهم الرغبة الأكيدة في تقبل العمل الحر، والاستعداد الفطري لذلك  بشرط وجود التوجيه والمساندة، والتنظيم الجيد لمثل هذه المشاريع.
(2)
التقيت بهم مصادفة في جعلان بني بوعلي في ثاني أيام العيد المبارك. كانوا يتحدثون عند أحد العمال الآسيويين عندما رأيتهم، ورأيت الحيرة على ملامح ذلك العامل البسيط الذي يبدو أنه لم يفهم شيئاً من حديثهم وأسئلتهم.
مجموعة من السياح الأجانب أتوا خصيصا من صحار حيث يعملون،ً لمشاهدة (مسجد القباب) بعد أن رأوا صورة له في إحدى المواقع الإلكترونية.
أخذتهم إلى مكان المسجد، ولم  تتجاوز جولتهم حوله دقائق معدودة، فباب المسجد مغلق، ولا معلومات أو كتيبات متوافرة حوله، والفضول الزائد لبعض الصبية القاطنين بالقرب من المكان، والذي وصل لحد محاولتهم فتح أبواب السيارات دوت إذن، أزعجهم، وقرروا مغادرة المكان بعدما سألوني أسئلة تتعلق بأسباب عدم وجود لوحات إرشادية للتعريف بمواقع الأماكن السياحية، وكذلك عن بعض الكتيبات التعريفية ببعض الشواهد السياحية بالولاية، و عن إمكانية وجود شقق فندقية مناسبة للإقامة، أو مطاعم سياحية يمكنهم أن يتناولوا فيه وجبة الغداء بعد مشوار الطريق المرهق.
حاولت أن أتهرب من أسئلتهم، ومن إحساسي بالخجل من خيبة أملهم بوجود أماكن تاريخية وسياحية مناسبة للزيارة، بأن أشرح لهم بعض ما تتمتع به الولاية من مقومات سياحية طبيعية هائلة تتمثل في اعتدال جوها، وجمال شواطئها، ونقاوة رمالها الذهبية، وخرير مياه وديانها، إلا أنني أشفقت على نفسي من تكرار أسئلتهم حول الخدمات السياحية والبلدية المتوافرة بها ، فكل هذه المقومات لا تساوي شيئاً ما لم تتوافر بها أبسط الخدمات التي تتيح للسائح الاستفادة والتمتع بها.
في طريق عودتي وجدت فوجاً آخر من السياح واقفاً أمام مدخل قلعة ( آل حمودة )المنهار، وما هي إلا دقائق حتى انصرف بعدما شعر باستحالة الدخول.
بالمناسبة..من المسئول عن كل ذلك؟ هل البلدية أم السياحة أم الأوقاف أم ......ألخ
حقاً..ف"السياحة تثري"
(3)
في ثالث أيام العيد ذهبت لقضاء وقت جميل في (وادي سال)، تلك المنطقة الجميلة التي كتبت مـــرة  عنها وعمـــا تتمتع به من مقومات سياحية متنوعة. كان المنظر خلاباً يأخذ اللب ويريح النفس، فصوت خرير المياه يشكل سيمفونية جميلة محببة للنفس، ومنظر الأشجار الوارفة الممتدة على امتداد البصر يرسم لوحة رائعة ، وكثبان الرمال بأشجار الغاف والسمر المتناثرة فيها تمنحك وقتاً استثنائياً للغفوة تحت ظلالها على أنسام (الكوس)، وزقزقة العصافير.
ما يشوه جمالية المنظر هو ذلك الطريق المؤدي إلى الوادي، والذي يبدو أنه رصف على غير رغبة، فهو رقيق المشاعر لدرجة أن أية نسمة هواء، أو زخـــة مطر بسيطة، كافية لأن تقلبه رأساً على عقب، ويذهب بعض الأصدقاء إلى القول بأنه ليس طريقاً بالمعنى المفهوم، ولكنه مجرد لون أسود رش على أرض منبسطة، وتم تحديد معالمه فيما بعد على أنه شارع يخدم عشرات القرى، ويربط بين أطراف مختلفة من المحافظة، بينما يرى صديق آخر بأنه من المفترض أن يضم هذا الطريق إلى موسوعة "جينيس " للأرقام القياسية، ضمن قائمة أسوأ الطرق تصميماً.
كثير من الأرواح قد أزهقت في هذا الشارع، فلنتدارك الأمر قبل أن يستفحل، خاصة وأن الوادي سيشهد موجات زحف عائلي وشبابي طوال الأشهر القادمة للاستمتاع بما حباه الله من مقومات سياحية كثيرة.
من أبسط الأشياء البديهية التي يمكن عملها بالوادي كذلك، توفير لوحات إرشادية للقرى والأماكن والتجمعات السياحية به، ولوحات إرشادية أخرى للتحذير من ارتياد بعض البرك، أو أهمية المحافظة على الحياة الفطرية المتنوعة به، وتحديد أماكن للتخييم بطريقة تضمن الحفاظ على نظافة المكان، ومنع إنشاء(العزب) بشكل عشوائي يشوه المنظر العام، ومنع نقل الرمال وجرفها، وإنشاء منتزهات طبيعية بها بعض الخدمات الأساسية.
(4)
أصبح منظراً يومياً شائعاً أن تجد فتاة في عمر الزهور تتعلم السياقة لوحدها مع أحد أصحاب سيارات تعليم السياقة ، بالرغم من وجود عدد من المدربات النساء.
تخلينا بمرور الوقت عن كثير من القيم والعادات بسبب اعتقادنا الوهمي بتغير الظروف والتطور (والعصرنه)  لا يعفينا من أن نحافظ على بعض ما تبقى من هذه القيم.
أليس كذلك يا (بعض) أولياء الأمور؟


(5)
 (قلب مغلق للصيانة)، (عمر الميت ما ترده دموع)، (من صغري مكتوب لي الشقا). العبارات السابقة ليست عناوين لقصائد شعرية ، أو لقصص رومانسية ، أو لروايات طويلة.بل إنها جمل كتبها بعض الشباب على جوانب سياراتهم.
عشرات التحليلات النفسية كتبت حول هذه الظاهرة، ودوافع انتشارها بين الشباب، بل إن بعضهم ذهب في تحليله إلى وجود جوانب إبداع كامنة لدى هؤلاء الشباب جعلتهم يتخذون من كتابة عبارات معينة، أو لصق صور وشعارات مختلفة، كوسيلة للتعبير عن هذه الجوانب.
ما يهمنا في هذا المقال هو أن هذه الظاهرة - برغم كل دوافع انتشارها- لا تتوافق والقوانين المتعلقة بالمرور، وتساهم في وجود تشويه جمالي يتعلق باستخدام الطريق، وتشتت انتباه بعض المارة وسائقي المركبات.
(6)
من نهج بلاغة سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
صُنِ النَفسَ وَاِحمِلها عَلى ما يزيِنُها
                                          تَــعِش سـالِماً وَالـقَـولُ فـيـكَ جَميلُ
وَلا تُـــرِيـنَّ الـنـاسَ إِلّا تَــجَــمُّــلاً
                                             َنـبـا بِـكَ دَهـرٌ أَو جَـفـاكَ خَـلـيـلُ
وَإِن ضاقَ رِزقُ اليَومِ فَاِصبِر إِلى غَدٍ
                                             عَـسـى نَـكَـبـاتِ الدَهرِ عَنكَ تَـزولُ
وَلا خَـيـرَ فـي وِدِّ اِمـرِئٍ مُـتَـلَّونٍ
                                                 إِذا الريـحُ مالَت مالَ حَيـثُ تَميلُ
فَـما أَكـثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم
                                                 وَلَـكِـنَـهُم فـي الـنائِباتِ قَـلــيـلُ


د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.