http://www.alroya.info/ar/alroya-newspaper/arts-and-culture/36565-qq-------
صالح بن ثويني العلوي أو "الملبّق" كما يحلو له أن يُنادى.. رجلٌ ستينيٌّ كانت بدايته مع الفن منذ نعومة أظافره، وبالتحديد منذ ركوبه على سطح السفن وعمره سبع سنوات. ويبدو أن أصوات المطارق، ونقرات أرجل البحارة على سطح السفينة، وتصويت النهامين، والشلات البحرية التي يرددها أولئك البحّارة، وهم يسلون أنفسهم في أوقات العمل الشاقة، ساهمت كلها في تشكيل ذائقته الغنائية، وجذبه إلى هذا المجال، حتى أصبح خبيراً بفنون المنطقة، عالماً بأسرارها، ومتخصصاً في صناعة أدواتها.
وفي بيت عتيق ودكان قديم معلقاً على واجهته لافتة بعنوان: "الملبق لبيع وصناعة الآلات الموسيقية التقليدية".. فيما يتبادر الى الذهن تساؤل عما اذا كانت تلك الحرفيات ما زالت باقية في صور؟! البعض يرى أن كل شيء تراثي وجميل مصيره الفناء والتلاشي كما صارت مصانع السفن التقليدية إلى زوال، ولكن لحسن الحظ أن الموسيقى ما زالت تقاوم حينما عجز الخشب عن فعل ذلك، وليس ذلك لشيء إلا لوقع الأولى اللذيذ- من اللذة على حد تعبير رولان بارت- ولبراعة هذا الرجل العتيد وتفوقه في تلك الصناعة وجلجلة الألحان، كما كان الفارابي يفعل حينما أضحك الأمير بصوت الموسيقى ثم أبكاه بها ثم أنام الأمير ومن معه بصوتها أيضًا في تلك الليلة الشهباء.
في الصغر، وبينما كانت شاشة تليفزيون سلطنة عمان من ضمن المصادر القليلة المعروفة بالعالم، كان منظر فنان إيقاعي يظهر في كورال الأغاني الوطنية يجذب كثيرين، وأغاني الفنان سالم بن علي سعيد التي كانت تسجل في لندن، ورجل يرتدي الدشداشة الصورية، ويلبس نظارات مميزة الشكل. وكان الفضول يعتريني كي أعرف من هو هذا الرجل المحظوظ الذي يحظى بالظهور على شاشة التليفزيون، حتى عرفت بعد فترة من الزمن أن تلك الشخصية الصورية هو فنان شعبي يدعى صالح بن ثويني العلوي.
سافر "الملبق" إلى الكويت وعمره تسع سنوات، وظل بها ثلاث سنوات حيث استبد به الشوق إلى صور وفنونها التي لم يقاوم ألم البعد عنها، فعاد كي يعمل بحاراً لمدة 15 عاماً تنقل من خلالها كطائر نورس من ميناء لآخر حتى نهاية موسم الأسفار في أواخر الستينيات من القرن الماضي، جامعاً حصيلة لا بأس بها من الفنون والايقاعات والشلات المختلفة.
ومع بداية النهضة المباركة التحق بالعمل في قطاع البلديات، ثم انتقل إلى "الإسكان" التي ظل بها حتى عام 1983، وفي هذا العام رغبت وزارة الإعلام في عمل مشروع لجمع وتوثيق الموسيقى والغناء والرقص العماني التقليدي بالتصوير التليفزيوني والتسجيل الصوتي والتوثيق الفوتوغرافي وصحائف البيانات، لذلك قامت بالاتفاق مع المرحوم الدكتور يوسف شوقي على القيام بهذه العملية، وكان من الضروري البحث عن خبير فني محلي متخصص في هذا المجال كي يكون عوناً للدكتور في تنفيذ هذا المشروع، لذا فقد تمت الاستعانة بـ"الملبق" للقيام بهذا الدور، ونتيجة لذلك فقد تم نقل خدماته إلى وزارة الإعلام؛ وذلك للاستفادة من خبرته ومعرفته بالفنون العمانية المغناة على تنوعها وثرائها.
ويتحدث "الملبّق" بفخر عن الفترة التي قضاها موظفاً في وزارة الإعلام؛ حيث إنه كان مرافقاً ومساعداً لعدد من كبار الباحثين كالمرحوم الدكتور يوسف شوقي، والدكتور عصام الملاح، وعزيز الشوان وغيرهم الذين رافقهم في مراحل عملية توثيق الموسيقى العمانية، والتي يرى أنها "عرفت العماني بالعماني الآخر" على حد وصفه.
وعن تجربته مع المرحوم يوسف شوقي، يقول الملبق: "كان أمامنا تحدٍ كبير، وهو زيارة كل موقع من مواقع التجمعات السكانية ذات الأهمية الفولكلورية حيثما كانت، ومهما بعدت، أو كان الطريق إليها شاقاَ أو خطراَ، وبحيث يشمل ذلك كل ولاية، وكل محافظة وكل منطقة على رقعة أرض السلطنة، وذلك لتجميع كل ما يتعلق بالفنون المغناة وتسجيل جميع أنواع وأنماط الغناء والرقص التقليدي دون استثناء لأي منها، حتى لو كان بعض هذه الأنماط أو الأنواع قد اختفى من الحياة العمانية المعاصرة بسبب ما يشهده المجتمع العماني الحديث من تطورات وتحولات في عهد النهضة".
وبلغت حصيلة هذا المسح الشامل 415 شريطاَ، تحتوى على ما يزيد على 1300 مادة مصورة، تشكل جزءا كبيراَ من مشروع الأرشيف القومي للموسيقى التقليدية العمانية، ساهم في انجازها ما يربو على 166زيارة قام بها الفريق، غطت ولايات السلطنة ومحافظاتها ومناطقها جميعها تغطية كاملة.
وزار "الملبّق" الكثير من الدول العربية والعالمية للتسجيل والتقى بالعديد من الفنانين الخليجيين والعرب؛ مثل: أحمد الجميري، والدكتور عبد الرب إدريس، ونبيل شعيل، وإبراهيم حبيب، وعبد الله الرويشد.. كما أسس فرقة "الشراع" للفنون الشعبية بولاية صور في منتصف التسعينيات، والتي ما زالت تزاول عملها في المناسبات المحلية المختلفة.
ونتيجة لجهوده الكبيرة في مجال التوثيق الفني وإجادته كعازف فقد حصل على شهادات تكريم عديدة، وشهادة من المعهد العالي للموسيقى بالقاهرة، كما تم تكريمه في مهرجان الأغنية العمانية، ومهرجان عام التراث، وفي عامي الصناعة، ولكن التكريم الأكبر بالنسبة له هو اعتزازه بقيادته لـ164 إيقاعيا شاركوا في تقديم "السيمفونية العمانية" عام 1985 أمام المقام السامي.
وبعد إحالته إلى التقاعد في بداية تسعينيات القرن الماضي، قام بافتتاح ورشة تخصصت في كل ما يتعلق بأدوات الفنون العمانية من صناعة وإصلاح وصيانة، وتجميع الفلكلور المغنى بمختلف مجالاته.
وفي ورشته الصغيرة، يمكنك أن تجد كل ما تبحث عنه مما يتعلق بالموسيقى العمانية، فهو لا يكاد يفوّت مناسبة غنائية شعبية كانت أم رسمية دون أن يقوم بتسجيلها وحفظها حتى أصبحت لديه مكتبة فنية متكاملة قوامها مئات الأشرطة والتسجيلات، كما تتراص على جوانب الورشة أنواع مختلفة من الطبول والأدوات المستخدمة في الفنون العمانية المغناة بمختلف أشكالها، بينما يطالعك على أركانها العشرات من الصور التذكارية وشهادات التقدير والشكر التي تشكل سيرة ذاتية غنية لهذا الفنان المجيد.
وبحزن كبير، يتحدث "الملبّق" عن واقع الفن العماني المغنى؛ حيث يرى أنه في ركود بسبب ابتعاد أصحاب الخبرة نتيجة لتجاهلهم وضعف الاهتمام بهم، فشركات الإنتاج تبحث عن مواصفات خاصة للفنان لا يشترط فيها الإمكانات العالية، كما أن الإيقاعيين الحاليين لا يملكون الخبرة الكافية حسب وجهة نظره.
ومن ذكرياته العالقة والمتناقضة في مشاعرها لا يزال يتذكر بألم مشهد وفاة الدكتور يوسف شوقي على يديه في نزوى، بعد أن كانوا قد فرغوا لتوهم من إفطار صباحي يفترض أن يعقبه تنقل إلى مدينة عمانية أخرى كي يستكملوا مسيرة جمع المفردات الغنائية العمانية في كل بقعة من بقاع السلطنة.
كما لا يكف عن الضحك وهو يتذكر ذلك الموقف الطريف الذي تسبب فيه دون قصد؛ عندما قام بإشعال بضع جمرات كي يضع عليها بعضاً من حبات اللبان والبخور، بعد فراغه من صيانة عدد من الطبول في غرفته بالطابق الخمسين في أحد فنادق لندن، حيث دوت أجراس الإنذار بالصفير في ذلك الوقت المتأخر من الليل، وحدث الهرج والمرج في أرجاء الفندق، وهرع النزلاء يركضون في كل حدب وصوب معتقدين بأن حريقاً قد شب بينما كان "الملبق" وقتها مسترخ على سريره وهو يدندن بلحن عماني قديم عله ينسيه مرارة الغربة، ويحمله إلى "مخا" حيث الأهل والأحباب، ولا يدر بما يحدث خارج أسوار غرفته.
وفي إحدى جلساتنا المتكررة -التي أحرص عليها كلما استبد بي الملل- قلت له: تُرى لو كنت في إحدى الدول التي تهتم بأصحاب العطاء أمثالك ألا تعتقد أن الوضع سيكون مختلفاً؟ أعتقد أن المكتبات وقتها ستتنافس على تدوين سيرتك الذاتية، وتسويقها كأكثر الكتب مبيعاً، وستقدمك الأكاديميات الفنية المتخصصة في مجال الموسيقى كمحاضر لطلابها باعتبارك صاحب خبرة طويلة، ومتخصص في مجال قد يصعب على أساتذة الموسيقى الأكاديميين أنفسهم امتلاك جزء مما تحمله مهما أفنوا عمرهم في دراسته.
يكتفي "الملبق" بالقهقهة حتى تبان سنه الفضية ويمتنع عن التعليق.
صالح بن ثويني العلوي أو "الملبّق" كما يحلو له أن يُنادى.. رجلٌ ستينيٌّ كانت بدايته مع الفن منذ نعومة أظافره، وبالتحديد منذ ركوبه على سطح السفن وعمره سبع سنوات. ويبدو أن أصوات المطارق، ونقرات أرجل البحارة على سطح السفينة، وتصويت النهامين، والشلات البحرية التي يرددها أولئك البحّارة، وهم يسلون أنفسهم في أوقات العمل الشاقة، ساهمت كلها في تشكيل ذائقته الغنائية، وجذبه إلى هذا المجال، حتى أصبح خبيراً بفنون المنطقة، عالماً بأسرارها، ومتخصصاً في صناعة أدواتها.
وفي بيت عتيق ودكان قديم معلقاً على واجهته لافتة بعنوان: "الملبق لبيع وصناعة الآلات الموسيقية التقليدية".. فيما يتبادر الى الذهن تساؤل عما اذا كانت تلك الحرفيات ما زالت باقية في صور؟! البعض يرى أن كل شيء تراثي وجميل مصيره الفناء والتلاشي كما صارت مصانع السفن التقليدية إلى زوال، ولكن لحسن الحظ أن الموسيقى ما زالت تقاوم حينما عجز الخشب عن فعل ذلك، وليس ذلك لشيء إلا لوقع الأولى اللذيذ- من اللذة على حد تعبير رولان بارت- ولبراعة هذا الرجل العتيد وتفوقه في تلك الصناعة وجلجلة الألحان، كما كان الفارابي يفعل حينما أضحك الأمير بصوت الموسيقى ثم أبكاه بها ثم أنام الأمير ومن معه بصوتها أيضًا في تلك الليلة الشهباء.
في الصغر، وبينما كانت شاشة تليفزيون سلطنة عمان من ضمن المصادر القليلة المعروفة بالعالم، كان منظر فنان إيقاعي يظهر في كورال الأغاني الوطنية يجذب كثيرين، وأغاني الفنان سالم بن علي سعيد التي كانت تسجل في لندن، ورجل يرتدي الدشداشة الصورية، ويلبس نظارات مميزة الشكل. وكان الفضول يعتريني كي أعرف من هو هذا الرجل المحظوظ الذي يحظى بالظهور على شاشة التليفزيون، حتى عرفت بعد فترة من الزمن أن تلك الشخصية الصورية هو فنان شعبي يدعى صالح بن ثويني العلوي.
سافر "الملبق" إلى الكويت وعمره تسع سنوات، وظل بها ثلاث سنوات حيث استبد به الشوق إلى صور وفنونها التي لم يقاوم ألم البعد عنها، فعاد كي يعمل بحاراً لمدة 15 عاماً تنقل من خلالها كطائر نورس من ميناء لآخر حتى نهاية موسم الأسفار في أواخر الستينيات من القرن الماضي، جامعاً حصيلة لا بأس بها من الفنون والايقاعات والشلات المختلفة.
ومع بداية النهضة المباركة التحق بالعمل في قطاع البلديات، ثم انتقل إلى "الإسكان" التي ظل بها حتى عام 1983، وفي هذا العام رغبت وزارة الإعلام في عمل مشروع لجمع وتوثيق الموسيقى والغناء والرقص العماني التقليدي بالتصوير التليفزيوني والتسجيل الصوتي والتوثيق الفوتوغرافي وصحائف البيانات، لذلك قامت بالاتفاق مع المرحوم الدكتور يوسف شوقي على القيام بهذه العملية، وكان من الضروري البحث عن خبير فني محلي متخصص في هذا المجال كي يكون عوناً للدكتور في تنفيذ هذا المشروع، لذا فقد تمت الاستعانة بـ"الملبق" للقيام بهذا الدور، ونتيجة لذلك فقد تم نقل خدماته إلى وزارة الإعلام؛ وذلك للاستفادة من خبرته ومعرفته بالفنون العمانية المغناة على تنوعها وثرائها.
ويتحدث "الملبّق" بفخر عن الفترة التي قضاها موظفاً في وزارة الإعلام؛ حيث إنه كان مرافقاً ومساعداً لعدد من كبار الباحثين كالمرحوم الدكتور يوسف شوقي، والدكتور عصام الملاح، وعزيز الشوان وغيرهم الذين رافقهم في مراحل عملية توثيق الموسيقى العمانية، والتي يرى أنها "عرفت العماني بالعماني الآخر" على حد وصفه.
وعن تجربته مع المرحوم يوسف شوقي، يقول الملبق: "كان أمامنا تحدٍ كبير، وهو زيارة كل موقع من مواقع التجمعات السكانية ذات الأهمية الفولكلورية حيثما كانت، ومهما بعدت، أو كان الطريق إليها شاقاَ أو خطراَ، وبحيث يشمل ذلك كل ولاية، وكل محافظة وكل منطقة على رقعة أرض السلطنة، وذلك لتجميع كل ما يتعلق بالفنون المغناة وتسجيل جميع أنواع وأنماط الغناء والرقص التقليدي دون استثناء لأي منها، حتى لو كان بعض هذه الأنماط أو الأنواع قد اختفى من الحياة العمانية المعاصرة بسبب ما يشهده المجتمع العماني الحديث من تطورات وتحولات في عهد النهضة".
وبلغت حصيلة هذا المسح الشامل 415 شريطاَ، تحتوى على ما يزيد على 1300 مادة مصورة، تشكل جزءا كبيراَ من مشروع الأرشيف القومي للموسيقى التقليدية العمانية، ساهم في انجازها ما يربو على 166زيارة قام بها الفريق، غطت ولايات السلطنة ومحافظاتها ومناطقها جميعها تغطية كاملة.
وزار "الملبّق" الكثير من الدول العربية والعالمية للتسجيل والتقى بالعديد من الفنانين الخليجيين والعرب؛ مثل: أحمد الجميري، والدكتور عبد الرب إدريس، ونبيل شعيل، وإبراهيم حبيب، وعبد الله الرويشد.. كما أسس فرقة "الشراع" للفنون الشعبية بولاية صور في منتصف التسعينيات، والتي ما زالت تزاول عملها في المناسبات المحلية المختلفة.
ونتيجة لجهوده الكبيرة في مجال التوثيق الفني وإجادته كعازف فقد حصل على شهادات تكريم عديدة، وشهادة من المعهد العالي للموسيقى بالقاهرة، كما تم تكريمه في مهرجان الأغنية العمانية، ومهرجان عام التراث، وفي عامي الصناعة، ولكن التكريم الأكبر بالنسبة له هو اعتزازه بقيادته لـ164 إيقاعيا شاركوا في تقديم "السيمفونية العمانية" عام 1985 أمام المقام السامي.
وبعد إحالته إلى التقاعد في بداية تسعينيات القرن الماضي، قام بافتتاح ورشة تخصصت في كل ما يتعلق بأدوات الفنون العمانية من صناعة وإصلاح وصيانة، وتجميع الفلكلور المغنى بمختلف مجالاته.
وفي ورشته الصغيرة، يمكنك أن تجد كل ما تبحث عنه مما يتعلق بالموسيقى العمانية، فهو لا يكاد يفوّت مناسبة غنائية شعبية كانت أم رسمية دون أن يقوم بتسجيلها وحفظها حتى أصبحت لديه مكتبة فنية متكاملة قوامها مئات الأشرطة والتسجيلات، كما تتراص على جوانب الورشة أنواع مختلفة من الطبول والأدوات المستخدمة في الفنون العمانية المغناة بمختلف أشكالها، بينما يطالعك على أركانها العشرات من الصور التذكارية وشهادات التقدير والشكر التي تشكل سيرة ذاتية غنية لهذا الفنان المجيد.
وبحزن كبير، يتحدث "الملبّق" عن واقع الفن العماني المغنى؛ حيث يرى أنه في ركود بسبب ابتعاد أصحاب الخبرة نتيجة لتجاهلهم وضعف الاهتمام بهم، فشركات الإنتاج تبحث عن مواصفات خاصة للفنان لا يشترط فيها الإمكانات العالية، كما أن الإيقاعيين الحاليين لا يملكون الخبرة الكافية حسب وجهة نظره.
ومن ذكرياته العالقة والمتناقضة في مشاعرها لا يزال يتذكر بألم مشهد وفاة الدكتور يوسف شوقي على يديه في نزوى، بعد أن كانوا قد فرغوا لتوهم من إفطار صباحي يفترض أن يعقبه تنقل إلى مدينة عمانية أخرى كي يستكملوا مسيرة جمع المفردات الغنائية العمانية في كل بقعة من بقاع السلطنة.
كما لا يكف عن الضحك وهو يتذكر ذلك الموقف الطريف الذي تسبب فيه دون قصد؛ عندما قام بإشعال بضع جمرات كي يضع عليها بعضاً من حبات اللبان والبخور، بعد فراغه من صيانة عدد من الطبول في غرفته بالطابق الخمسين في أحد فنادق لندن، حيث دوت أجراس الإنذار بالصفير في ذلك الوقت المتأخر من الليل، وحدث الهرج والمرج في أرجاء الفندق، وهرع النزلاء يركضون في كل حدب وصوب معتقدين بأن حريقاً قد شب بينما كان "الملبق" وقتها مسترخ على سريره وهو يدندن بلحن عماني قديم عله ينسيه مرارة الغربة، ويحمله إلى "مخا" حيث الأهل والأحباب، ولا يدر بما يحدث خارج أسوار غرفته.
وفي إحدى جلساتنا المتكررة -التي أحرص عليها كلما استبد بي الملل- قلت له: تُرى لو كنت في إحدى الدول التي تهتم بأصحاب العطاء أمثالك ألا تعتقد أن الوضع سيكون مختلفاً؟ أعتقد أن المكتبات وقتها ستتنافس على تدوين سيرتك الذاتية، وتسويقها كأكثر الكتب مبيعاً، وستقدمك الأكاديميات الفنية المتخصصة في مجال الموسيقى كمحاضر لطلابها باعتبارك صاحب خبرة طويلة، ومتخصص في مجال قد يصعب على أساتذة الموسيقى الأكاديميين أنفسهم امتلاك جزء مما تحمله مهما أفنوا عمرهم في دراسته.
يكتفي "الملبق" بالقهقهة حتى تبان سنه الفضية ويمتنع عن التعليق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.