الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

فتّش عن المرأة


(1)
عاملة المنزل تسافر إلى بلدها، فيضطر الزوج  لجلب الوجبات من المطاعم، وإحضار والدته  للمساعدة في تربية الأطفال لحين عثوره على من يقوم بعمل الشغالة حتى موعد عودتها. الزوجة موجودة ولكنّها لم تتعود القيام بأمور البيت، ولا تعرف الطبخ، فالعاملة كانت تقوم بكل شيء.

(2)
يشتكي أحدهم من زوجته التي تود استكمال دراساتها العليا تاركة وراءها أطفالها لكي تقوم العاملة بتربيتهم خلال فترة سفرها، ويتحدّث آخر عن مدى المعاناة التي يجدها من جراء انشغال زوجته بمسئوليات وظيفتها التي تجعلها تتغيب وتنشغل طوال الوقت في اجتماعات وزيارات، وكل ذلك على حساب بيتها وأسرتها. مواقف كهذه ستسمعها كثيراً في جلسات النميمة الجماعيّة.

(3)
زوج وزوجة يسافران  للاستجمام تاركين طفلاً لم يبلغ السنة من العمر. هذا الطفل لا يهتمّ  كثيراً بوجود أمه قدر اهتمامه بوجود المربية الآسيوية التي تولت العناية به وتربيته.

(4)
ما وجه الشّبه بين  دور الأم، وبين غرفة العمليات في أوقات الحروب وإدارة الأزمات؟ هل لأنّ الأم  (ينبغي) أن تكون الأكثر اطلاعاً على أحوال أسرتها، والأكثر قرباً، والأقدر على اقتراح أو اتخاذ وسائل التربية المناسبة، في ظل انشغال الرجل (بدوره)في توفير متطلبات البيت، وإعالة الأسرة.

(5)
كم من القصص الهادفة التي سمعناها ونحن على حجر أمهاتنا، وكم من أناشيد وأغاني جميلة مليئة بالحنان المتدفق مازالت آذاننا تحن إلى سماعها، وكم من مواقف حياتية مرّت علينا كانت الأم أو الجدّة أو الأخت الكبرى لنا بالمرصاد إما بالإثابة، أو بالتوجيه، بل وكم من القيم والمواقف التي شربناها مع حليب أمهاتنا؟الآن (بعض) النساء يقتصدن في إرضاع أبنائهنّ خوفاً على صدورهنّ من التّرهّل.

(6)
الغرف المريحة ذات الأصباغ الغالية، والألوان الزّاهية، والرسومات الجميلة، والأسرّة الوثيرة،  والألعاب المتنوّعة، والمعلّمين الخصوصيين، وزيارة المجمّعات التجاريّة نهاية كل شهر، وحفلات أعياد الميلاد، هل تعفي بعض الأمّهات من تأنيب ضمير التربية والاهتمام (الحقيقي) بأبنائها؟

(7)
التغير الحادث في أسلوب حياة شريحة مهمّة من الشباب والبنات من حيث أنماط التفكير، والأحلام، واللبس، والحوار، والتعامل مع الآخرين هو  نتاج للتربية التي نشأوا عليها، فليست المدنية في تغيير نوع الملابس، أوفي هيئة اللبس، بل المدنيّة هي الارتقاء بالفكر والوجدان. دور الأسرة بشكل عام، والأم بشكل خاص مؤثر جدّاً في تشكيل فكر هذا الجيل سلباً أم ايجاباً.
 
(8)
بيوت بها بنات  في سنّ المراهقة والشباب، بينما من يعدّ الطعام رجل آسيوي ربما لم يتجاوز سنه الثلاثين، وفتيات تجاوزن العشرين وهنّ لا يعرفن كيف تسلق البيضة، وفتيان تجاوزوا هذا السن وهم لا يعرفون كيف يمسكوا بفنجان القهوة. من المسئول؟

(9)
عندما تحاور (بعض) البنات تفاجأ بأن معظم أحلامهن تنحصر في  استكمال الدراسة، أو الحصول على فرصة عمل مناسبة تمكنها من تحقيق أحلامها المتمثلة في شراء سيارة جديدة، أو اقتناء جهاز حاسوب جديد، أو الحصول على آخر ما تم التوصل إليه في مجال الموضة بدون التطرق لحلم تكوين الأسرة، أو تنشئة الجيل، بل إنّ بعضهن يرى في هذه الأفكار شيئاً من الرجعية والتخلف.

(10)
الأب الذي يسمح لابنته بالنوم حتى الظهيرة، وبألا تمارس أي عمل منزلي، وبأن تقتني جهاز اتصال محمول وهي لم تكمل الخامسة عشر من عمرها، وبأن تذهب إلى المجمّع التجاري برفقة صديقاتها، وبأن تمتلك سيارة عند دخولها الجامعة دون الحاجة لذلك، هل سيستطيع تغيير تفكيرها عندما تكبر ويكون حلم تكوين الأسرة، وتربية الأبناء آخر همّها؟ والزوج الذي يختار زوجته (لمجرّد) أنها تعمل، وأن لديها راتب يمكن من خلاله تحقيق بعض أحلامه، هل سيكون حائلاً بين زوجته وبعض أحلامها؟ وهل سيحثها على أن تقوم بدورها الحقيقي في البيت حتى في ظل وجود الشغالة؟


(11)
ليس عيبا أن نعلّم بناتنا أن يكنّ جزءا مهماً من البيت، مهما كانت درجة الرفاهية الاقتصادية التي تعيشها الأسرة، وبغض النظر عن عدد العمالة المنزليّة الموجودة، ففي عملهنّ حفاظاً على وقتهن، وصحّة لهن، وكسراً لبعض الغرور، ومزيداً من القيم التي قد يحتجنها مستقبلاً.

(12)
كل عمليات المحافظة على قيم المجتمع ومكتسباته لن تجد نفعاً ما لم تقم المرأة بدورها الحقيقي، كما أن المدنيّة التي ستحوّل المرأة إلى شبه رجل هي مدنيّة زائفة. نجاح المرأة الحقيقي  لا يأتي بالحصول على الشهادات العالية، أو المناصب الكبيرة، بل بمدى تعلق أبنائها بها، وحرصهم على وجودها بينهم، يرون فيها القيمة الكبرى، والموجّه، وصانع القيم.
النجاح الحقيقي للمرأة هو في مدى قدرتها على تكوين أسرة متماسكة، وعلى أن تكون مهمّة لدى أسرتها،  وأي نجاح دنيوي آخر قد يعتبر فشلا لها ما لم يتوافق مع قدرتها على القيام بواجبها الرئيس وهو تنشئة الجيل الصالح القادر على القيام بمسئولياته تجاه نفسه وربه ووطنه.
أيتها الأمهات ..الجنة تحت أقدامكن،  فلا تبعدن أنظاركن عنها.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.