(1)
بمناسبة الاضراب الذي ينوي بعض المعلمين القيام به اليوم ( وقت كتابة المقال): هل المطلب المادّي هو المطلب الأساس؟ وماذا لو تم رفع راتب المعلم أو علاواته الفنيّة، أو تم ايجاد كادر خاص للمعلم، هل تنتهي المشكلة؟ وهل ستصبح العملية التعليمية أكثر نجاحاً وتقدّماً؟ وهل ستتطور فجأة كافة القدرات والامكانات المتعلقة بالمعلم. وهل الإضراب احتجاجاً على وضع العمليّة التعليميّة برمّتها أم قاصراً على وضع المعلًم فقط؟ وهل الرسالة موجّهة لوزارة التربية والتعليم فقط، أم موجّهة للمجتمع ككل بحكم أن العملية التعليمية عملية مجتمعيّة تشاركية؟
سؤال آخر: هل تم استنفاذ كافة الحلول قبل البدء في تنفيذ الاضراب، أم لم يكن هناك حوار جادّ من الأساس.
(2)
ألم يحن الوقت لوجود جمعية معلّمين مستقلة تجمع التربويّين في كيان واحد، وتتبنى مطالبهم ، وتعالج همومهم، وتزيل كثيراً من الاحتقان المتبادل، وتحقق عدداً من المطالب الاجتماعية التي ستضيف الكثير لبيئة العمل، ليس أقلها المعاش التقاعدي، أو حق العلاج، أو تنظيم المناشط الاجتماعية، أو حماية حقوق المعلم والدفاع عنه، وأشياء كثيرة لا يمكن حصرها في هذه المساحة.
(3)
وما دمنا نؤلف الأشعار، وندبج الخطب في الحديث عن دور المعلّم ومكانته في المجتمع، ألم يحن الوقت لإيجاد كادر خاص به يشتمل على مخصصات مالية تتناسب والجهد الذي يبذله، ويراعي التطور الفكري والوظيفي له بشرط تدرجه في عمله، وعدم انتقاله إلى مراحل تدريسية أو وظيفية أعلى إلا بعد اجتيازه اختبارات كفاية مناسبة للمرحلة القادمة، وربط ذلك بالعلاوات المالية، على أن يمر المعلم الجديد بعد تخرجه من كلية التربية بسنة امتياز، يتعرض خلالها لعدد من برامج الإنماء المهني طوال عام كامل، وبعدها يتم الحكم على مدى صلاحيته لممارسة المهنة.
هذا الأمر (ربّما) من شأنه أن يحقق مبدأ التنافسية ، ويجعل المعلم أكثر حرصاً على تطوير مستواه الأكاديمي والمهني.
(4)
في ظل الحديث عن مئات الكوادر التربوية من حملة المؤهّلات العليا: ماذا لو تمت (خصخصة) بعض الخدمات التعليمية الموازية كالإرشاد النفسي وتصميم المناهج والتدريب، بحيث تقوم بها مراكز ومؤسسات محلّيّة خاصّة وفق معايير عامة تطرحها الوزارة. ألن يكون في ذلك استفادة من مئات الطاقات والكوادر المتخصصة التي أنهكها الروتين؟ ولماذا لا يسمح لي كمتخصص في المناهج أن أشترك في تصميم منهج ما بالتعاون مع متخصص في المادة وآخر في التصميم، وأنافس زملاء آخرين في ذلك، وبالتالي يكون أمام الوزارة خيارات أفضل وأشمل وفق معايير عامة تضعها هي، وفي نفس الوقت أشعر أن ما درسته لم يذهب هدراً، وكذلك لا أنشغل بهم البحث عن تحسين الوضع الوظيفي من خلال منصب بعيد كل البعد عن تخصصي.
(5)
ميزانية التعليم ترتفع كل سنة بمقدار ٣٠٠ مليون تقريباً كل عام.
السؤال الأول: هل تتوازى جودة المخرجات مع هذه الزيادة السنوية؟
السؤال الثاني: هل هناك تنويع وتغيير حقيقي في البرامج تتوازى مع هذه الزيادة؟
السؤال الثالث: ماذا لو حدث عائق أعاق هذه الزيادة في سنة ما. هل ستحدث انتكاسة في تنفيذ الخطط والبرامج بحجّة انخفاض الميزانيّة السنويّة؟
(6)
من منطلق أن العمليّة التعليميّة وتكوين شخصية الطالب الذي نريد قضية كبرى لا يقتصر تنفيذ برامجه على جهة بعينها. هل هناك تنسيق وتكامل وسياسة شراكة بين وزارة التربية وبقية الوزارات المعنية كالثقافة والاعلام والشئون الدينية والتنمية وغيرها في وضع خطط مشتركة لتنفيذ برامج متوافق عليها، وموجهة نحو تعزيز الاهتمام بالطالب من خلال البرامج التي تكمل دور المدرسة، وتعزز تحقيق الأهداف العامة المرسومة سلفاً ، أم كلٌ يعمل وفق هواه؟ بمعنى هل يتم دراسة نتائج دراسات وتوصيات هذه الجهات وتنفيذ برامج مشتركة من واقع هذه النتائج بحيث تؤدي الانشطة المختلفة ثمارها المرجوة؟ أم كل طرف ينفذ برامجه لمجرد أن يزيل الحرج عنه ويقول للرأي العام أنني فعلت ما هو مطلوب مني؟
(7)
أليس حريّاً بأعضاء مجلس الشورى ان يتبنّوا مراجعة القوانين المتعلقة بالعملية التعليمية انطلاقاً من دورهم التشريعي والرقابي المتاح لهم أكثر من ترديد المطالب التي ينادي بها العاملون في القطاع وبالتالي الظهور بمظهر الأبطال المناضلين المدافعين عن حقوق المعلّم كونه الشريحة الأكثر تأثيراً في الانتخابات، فهذا دور الاعلام لا دور المجلس، فمازالت هناك قوانين كثيرة عتيقة تعرقل المسيرة التعليمية، ومازال هناك تشابك أدوار مع مؤسسات أخرى، ومازالت هناك ضبابية وعدم وضوح رؤية حول ماذا نريد من المنتج التعليمي. هنا يأت دور المجلس الحقيقي.
(8)
عملت لفترة من الزمن كمعلم، (فرض) عليّ خلالها أن أكون مشرفاً على جماعات طلابيّة مختلفة لا رابط مشترك بينها ابتداء من المسرح وانتهاء بالكشّافة، وكنت أناوب كل صباح وأحياناً في الفسح المدرسيّة، ومرّات أنظّم حركة ركوب الطلاب للحافلات في نهاية الدوام. هل هذا من صميم عملي كمعلّم؟ وهل توضع المناشط لمجرّد سدّ خانة في الجدول المدرسي أم ايماناً بدورها المهم في صقل الشخصيّة الطلابية وو.. الى آخر بقيّة الطقم من العبارات الرّنّانة؟
(9)
نسمع كثيراً عن الدعم المادي الذي تقدّمه بعض مؤسّسات القطاع الخاص لدعم العمليّة التعليميّة من خلال انشاء المباني المدرسيّة، ورعاية الاحتفالات، ودعم بعض الأنشطة.
السؤال المهم: أين دور المؤسّسات الخاصّة والاقليميّة في تقديم برامج تخصص لتأهيل التربويّين وتطوير أدائهم المهني في مختلف المجالات ولا أقصد هنا دعم المشاغل والملتقيات البسيطة، وأين هي مساهمة المؤسسات التربوية والثقافيّة الإقليميّة والعالميّة التي نحرص على أن نكون أول الملتزمين بدفع حصصنا السنوية فيها، أم أن حضورنا فيها يقتصر على الدفع الفوري، والمشاركة في اجتماعاتها الدوريّة ، والورش، وحفلات التكريم التي تقيمها، بينما تذهب البرامج والانشطة والفعاليات لدول أخرى مازالت لم تدفع حصّتها عن أعوام عشرة سابقة.
(10)
ماذا عن المناصب القياديّة في الوزارة والمديريّات المختلفة؟ هل هناك معايير واضحة في الاختيار تسري على (الكل)، أم أن هناك بعض المؤثرات تتدخل في اختيار (البعض)؟ وهل مازلنا نتعامل (أحياناً) بمنطق (القريب من العين قريب من القلب)؟ وهل كون فلان عمل يوماً ما مع المسئول الجديد علّان مسوّغ كاف لاختياره في منصب قيادي؟ وهل وهل وهل.
(11)
من العبارات السائدة لدى البعض: المعلّم لا يداوم سوى حصتين أو ثلاث في اليوم، كما أنه يقضي أكثر من نصف السنة في اجازات، ومع ذلك يتقاضى راتباً عالياً، فلماذا المطالبة كل حين وآخر بتحسين وضعه.
قد يكون هذا صحيحاً، ولكن عندما تذهب للمدرسة لتجد أن طالباً لم ينجح المجتمع بكافّة مؤسساته في تشكيله يحذفك بطوب لمجرد أنك كنت حازماً معه بالأمس، أو يثقب إطار سيّارتك، أو يتلفّظ عليك بكلمة نابية تكون كافية لأن تهدر كرامة وشخصيّة كنت تحرص على الحفاظ عليها أمام ابنك أو تلميذك المؤدّب.
وقتها.. قد نعرف لماذا يعاني البعض.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.