الأربعاء، 24 أغسطس 2011

مشـاهد رمضـانيـة (5)

أصل معكم في هذا المقال إلى ختام مشاهدي الرمضانية التي قمت بعرضها من خلال أربعة مقالات سابقة، جسدت بعض الملاحظات المجتمعية الشخصية خلال هذا الشهر الكريم.

المشهد الأول : قبل يومين عاد أحد معارفي من الأراضي المقدسة بعد أداءه لمناسك العمرة.هي المرة الرابعة التي يؤدي فيها هذه المناسك خلال هذا العام، كما أنه قد اعتاد تأديتها سنوياً في أيام الشهر الفضيل، وهناك الكثيرون ممن يحذون حذوه.
بالتأكيد فإن تأدية العمرة هو مطلب وحلم للكثيرين، وبالذات في مثل هذه الأيام المباركة، فبالإضافة إلى الأجر الكبير، فهناك الأجواء الروحانية الجميلة، وحالة الصفاء الفكري التي يعيشها المعتمر بالقرب من تلك المشاعر المقدسة.

ولكن لنتخيل لو قرر أحد ممن اعتادوا الذهاب المتكرر إلى العمرة ، ألا يذهب هذه المرة، وأن يتبرع بمصاريف الرحلة كاملة لعائلة أو اثنتين من العوائل المعسرة، خاصة وأن هناك كثير من الأسر تعاني من تكالب الظروف الاقتصادية عليها، فما بالكم بتوالي مناسبات رمضان وعيد الفطر والعودة إلى المدارس تباعاً؟
أعتقد أن المولى- سبحانه وتعالى- لن يحرمه أجر العمرة، وسيجزيه خير الجزاء عن تفريجه لكربة بعض إخوانه من المسلمين، وسيكون أكثر ايجابية ونفعاً للمجتمع.
بالمناسبة.هل تتذكرون قصة الرجل الصالح عبد الله بن المبارك مع الصبيين اليتيمين؟ فلنعد إلى كتب التاريخ الإسلامي إذاً.

المشهد الثاني : أجدهم يستقبلونني على الباب عند دخولي لفرع البنك ، ويستوقفونني عند محاولتي ولوج بعض المحلات التجارية الكبرى، ويلاحقني بعضهم بعد انتهائي من استخدام إحدى آلات السحب المصرفي، ويعترضون طريق سيارتي عند رغبتي في تعبئة الوقود.
إنهم فئة من المجتمع ارتضت لنفسها طريق التسول كأسهل الطرق للكسب. ربما لا يكونون بتلك الكثرة، ولكنهم يتزايدون من عام لآخر، ويستغلون طيبة البعض، ورغبة البعض الآخر في نيل الثواب، ولامبالاة بعض ثالث.

ترى أين تكمن أسباب هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمع عرف طوال تاريخه بالتكافل الاجتماعي، وبأنفة أفراده وعزة أنفسهم وتعففهم عن السؤال؟

إذا ما استثنينا الأسباب المتعلقة بضعف بعض القيم المجتمعية التي تركز على التعاون والتكافل، فإنه بالإمكان الاستفادة من كثير من أفراد هذه الفئة، وتحويلهم إلى منتجين حقيقيين، وذلك من خلال الاهتمام ببرامج التنمية الاجتماعية المناسبة، ومشاريع القرى المنتجة، وقوانين التأمينات الاجتماعية، خاصة أن بعضهم كانوا أصحاب حرف متنوعة، وفجأة لم يجدوا من يهتم بهم أو بإنتاجهم.جرب أن تحاور سيدة خمسينية في العمر تجدها في الأيام القادمة على باب أي بنك تمر بالقرب منه، في غالب الأحيان ستجد لديها تاريخاً طويلاً في العطاء الحرفي.هي فقط تريد من يشعرها بأنها من الممكن أن تنفق على عائلة بأكملها من خلال حرفتها.

المشهد الثالث
: اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه، فقد بدأ الزحف النسائي المكثف تجاه الأسواق في العشر الأواخر من رمضان، وكل ذلك من أجل بعض الملابس والكماليات التي غالباً ما تنتهي صلاحية استخدامها بانتهاء أيام العيد.ملايين الريالات تحول وجهتها في هذه الأيام إلى بعض الدول الآسيوية، ولا عزاء لجيوب الأزواج.
للمرة المليون: أين هي الخياطة العمانية؟؟

المشهد الرابع : الرابعة عصراً، في طريقي إلى المنزل بعد تركي لسيارتي في الوكالة لإجراء الصيانة الدورية المعتادة، أقف على ناصية الطريق بانتظار توقف إحدى سيارات الأجرة كي توصلني إلى البيت. أكثر من عشرة (تكاسي) مرﱠﱠﱠﱠن بجواري خلال فترة زمنية لا تتجاوز الربع ساعة، بدون أن يكلف أحدهم نفسه عناء التوقف لي. كنت أسمع من الأصدقاء عن حالات مشابهة ولكني لم أكن أتخيل حدوث ذلك، فما جدوى شراء السيارة، واستخراج التصريح، ودفع التأمين الشامل؟
الغريب أن بعضهم يشتكي طوال الوقت من قلة الركاب وكساد السوق.

المشهد الخامس:لوحة إعلانية كبيرة تحمل عنوان (سفينة العطاء)، ومطبوع عليها صورة سفينة شراعية قديمة،تتصدر مدخل مستشفى صور المرجعي، اللوحة جسدت واقع مساهمة المجتمع المحلي في حملات التبرع بالدم، من خلال عرض أسماء أبرز المساهمين، وعدد مرات تبرعهم.المشرفين على تصميم هذه اللوحة أطلقوا ألقاب "النوخذه"،و"مساعد النوخذه"، و"قائد الدفة" على المساهمين الثلاثة الأكثر تبرعاً، ولقب "البحارة" على بقية الأسماء، وكأنهم بذلك يوجهون رسالة إلى المجتمع مفادها أننا جميعاً في مركب واحد ، مما يستلزم تكاتفنا وتعاوننا جميعاً.

الفكرة برغم بساطتها إلا أنها جميلة وهادفة وربما تكون غير مسبوقة، واستلهمت التاريخ الملاحي الكبير للمنطقة،وبلا شك فإنها ستشجع الكثيرين ممن سيطلعون عليها على التفكير الجدي في المشاركة في هذا العمل النبيل.
شكراً لكل من يقف وراء كل مبادرة مجتمعية هادفة.

على مدى خمسة أسابيع عشت وإياكم مع بعض المشاهد الرمضانية التي استوحيتها من ملاحظاتي الخاصة خلال هذا الشهر الفضيل، أآمل أن تكون هذه المشاهد قد سلطت الضوء على بعض القضايا المجتمعية المهمة، وطرحت بعض الحلول لها، وأتمنى أن ألتقيكم في مشاهد قادمة في رمضان المقبل إن شاء الله. تقبل الله طاعتكم دائماً، وكل عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.