الخميس، 11 أغسطس 2011

مشـاهد رمضانية (3)

أواصل في هذا المقال عرض عدد من المشاهد الرمضانية التي لاحظتها خلال هذا الأسبوع، قد يكون بعضاً منها مشاهد عامة، يتكرر حدوثها في بقية المدن والولايات، وقد يكون بعضها خاصاً بالمجتمع الذي أعيش فيه، وقد يحمل البعض الآخر رؤية خاصة بي قد لا تتفق مع رؤى عدد من القراء، مع تأكيدي واقتناعي بأن غلبة الجوانب السلبية على بعض هذه المشاهد لا يعني النظرة التشاؤمية وخلو المجتمع من مشاهد ايجابية أخرى، ولكني أتعمد أحياناً التركيز على نماذج من هذه المواقف كونها قد تشكل بقعاً سوداء في ثوب ناصع البياض، من المهم علينا التعاون جميعا نحو إزالتها كي يعود مجتمعنا أكثر نصاعة وبياضاً. واليكم بعضاً من هذه المشاهد:



المشهد الأول: الساعة الثانية ظهراً..درجة الحرارة تقترب من الخمسين، الحرارة مرتفعة، والرطوبة عالية، والشوارع خالية إلا من موظفين عائدين من أماكن عملهم، وأعداد قليلة من السيارات يبدو أن أصحابها قد استيقظوا في وقت متأخر وفي طريقهم لقضاء بعض الحوائج المنزلية.عامل آسيوي يبدو من مظهره البؤس وسوء التغذية، يمسك بإحدى يديه خرطوم مياه يسقي به بعض الحشائش والورود في أحد دوارات المدينة، ويجاهد بيده الأخرى كي يقي رأسه من ضربة شمس محتمله. شدني المنظر واستغرقت في تأمل قسمات وجه ذلك العامل ، وجالت بخاطري بعض التساؤلات: ترى فيم يفكر الآن؟ و بماذا ستصف تلك الورود التي كان يسقيها هذا المشهد لو أتيح لها النطق؟



صديقي الذي كان بجواري يعتقد أنه ربما يكون هذا العامل غير مسلم، لذا فلن يضيره الأمر في شيء، خاصة وأن عدداً كبيراً من هذه العمالة قد تعودت على العمل في مثل هذا الوقت طوال العام.

ولكن الإسلام دين الرحمة، ورمضان شهر التراحم، واحترام ديننا لإنسانية الفرد وحقوقه المختلفة كان من أسباب انتشاره بشكل كبير في كثير من المجتمعات. أليس كذلك يا صديقي؟ أليس كذلك أيضاً يا بعض أصحاب الشركات والمؤسسات ؟



المشهد الثاني: الساعة السابعة والنصف ليلاً.. موعد عرض البرنامج التراثي المحلي (هود هود) لمعده ومقدمه المجيد الشاعر سالم السعدي. البرنامج جميل بعفويته وفكرته ومقدمته الرائعة، ويقدم نماذج لبعض الفنون العمانية المغناة، ويعرف المشاهد ببعض الأمثلة والأحاجي المحلية، ويستعرض نماذج حياتية مجتمعية، ويتوقف عند محطات مهمة من الأسماء البارزة على مستوى الشعر الشعبي في السلطنة، كما يزيح الستار عن شخصيات أخرى ربما لم تصل إليها آلة الإعلام المحلية في فترات سابقة،ويحسب لمعد البرنامج ومقدمه قدرته على أن يجعل العديد من الشخصيات التي استضافها البرنامج أن يتفاعلوا بشكل جيد معه، و"يتجلوا" في استعراض إمكاناتهم المختلفة ، ولعل ذلك يعود إلى تعامله مع مثل هذه المواقف كهواية قبل أن تكون حرفة، وكذلك خبرته السابقة من خلال إعداده وتقديمه للعديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية الناجحة والقريبة من المتلقي.



باختصار.. يعد البرنامج وجبة رمضانية خفيفة ، وإضافة مهمة للخريطة البرامجية لتلفزيون سلطنة عمان في شهر رمضان المبارك،ولا يقلل من نجاحه بعض "اللخبطة" الحاصلة من جراء تداخل المشاهد المختلفة من أكثر من ولاية في الحلقة الواحدة، وعدم التعريف بالولاية التي يتم عرض المشاهد الخاصة بها، مما يجعل بعض المشاهدين ينشغلون بتخمين اسم الولاية التي تم التصوير بها،وكذلك عدم التعريف ببعض الشخصيات التي تم أخذ الحوار معها أحياناً.



المشهد الثالث: الساعة التاسعة والنصف ليلاً في مسرح معهد التمريض بصور. والمناسبة هي افتتاح المسابقة الثقافية الرمضانية (غازي 10)التي تنظمها الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال - التي عرف عنها مساهماتها المجتمعية الواسعة- والتي تستهدف المؤسسات الحكومية والخاصة في المدينة، وذلك ضمن مجموعة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية التي تشرف على تنظيمها ودعمها في شهر رمضان من كل عام، للسنة العاشرة على التوالي.

المسرح مهيأ بشكل جميل ومتكامل، وهناك طاقم فني متكامل يشرف على تقديم المسابقة، وإدارة الأجهزة المستخدمة في تنظيمها. ما يميز المسابقة استخدام التقنيات الحديثة في عرض الأسئلة بشكل مشوق، وتنوع الفقرات التي تتخللها، فهذا باحث في الموروث المحلي مهمته ربط الحضور بموروثهم الجميل من خلال تقديم نماذج من الأسئلة والمعلومات المشوقة المتعلقة به، وذاك منشد يجوب بالحضور في بحور من الروحانية الجميلة، وذلك باحث متخصص يقدم خلاصة فكره وتجاربه. وهناك جوائز فورية قيمة تقدم للجمهور، عدا الجوائز المغرية التي تقدم للفرق الفائزة بالمراكز الأولى.



باستثناء عدد من الصغار الذين أتى معظمهم للحصول على أكبر عدد من الكوبونات التي تؤهلهم للصعود على خشبة المسرح للإجابة على أسئلة الجمهور، وبالتالي الحصول على جائزة قد يؤدي الحصول عليها إلى إدخال البهجة في نفوس هؤلاء، فإن عدد الحضور قليل ، ولا يتناسب مع أهمية هذه المسابقة، والإمكانات المبذولة لإنجاحها، بالرغم من الدعاية الإعلامية الواسعة، وبالرغم من أن مثل هذه الفعالية قد أصبحت عادة رمضانية سنوية.

ويبقى التساؤل المهم: لماذا العزوف عن حضور مثل هذه الفعاليات المهمة؟



المشهد الرابع: الساعة الثانية ليلاً..عدد من الصبية تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشر، يلعبون الكرة أمام ساحة أحد المساجد، وبالقرب من أحد الشوارع الفرعية. ثمة صبيان آخرين يقودون دراجاتهم الهوائية بطريقة أكروباتية في الشارع القريب، وعدد من الشباب على ناصية الشارع يرقصون على صوت موسيقى صاخبة لأغنية خليجية تنبعث من سيارة أحدهم.



ترى لم يتخذ كثير من الصبية في هذا الشهر الفضيل، ساحات بعض المساجد، والشوارع الفرعية كأماكن لممارسة هواياتهم المختلفة؟ هل هو التخطيط السيئ للحارات السكنية والذي لا يخصص أماكن مهيأة لممارسة الهوايات والأنشطة المختلفة؟ أم هو عدم وجود مراكز شبابية رياضية وثقافية توفر ممارسة هذه الأنشطة؟ وهل لغياب دور الأندية الحقيقي في هذا المجال، واقتصارها على ألعاب محددة ولأفراد بعينهم أثر في ذلك؟ربما.

بالمناسبة..أين الأهل عن هذا المشهد؟؟



المشهد الخامس: اتصالات هاتفية، رسائل نصية قصيرة متوالية، صفحات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني، مواد خبرية في عدد من وسائل الإعلام المحلية، ملصقات اعلانية متنوعة.. كلها تحوي هدفاً واحداً وهو حث المجتمع على دعم حملات مساندة الشعب الصومالي الشقيق في محنته التي أدت إلى وفاة الكثير من السكان جوعاً، ونزوح أعداد أخرى إلى مناطق مجاورة...

كم أنت ايجابي ورائع أيها الشباب العماني.



هذه حصيلة هذا الأسبوع من المشاهد الرمضانية المختلفة. نلتقيكم في مشاهد رمضانية قادمة أتمنى أن تكون أكثر ايجابية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.