(1)
اعتدنا خلال الفترة الأخيرة
على انقطاع المياه عن بعض الولايات والأحياء حاملة معها العديد من الإشكاليّات
المتعلّقة بآليّة الحصول على الماء في ظل التصرّفات السلبيّة من قبل (بعض) مورّدي
المياه من أصحاب الناقلات رغبة منهم في استغلال الأزمة، مع ما يصاحب هذه الأزمات
من تساؤلات تتعلق بأسباب تكرار هذه الإنقطاعات، وبآليّة إدارة الأزمة من قبل
الجهات المعنيّة، وببرامج التخطيط العمراني.
وتساؤلي هو: لماذا لا تقوم
الجهة المعنيّة بتوزيع عدد من الكوبونات على أصحاب منازل المنطقة المتأثرة
بالانقطاع بعدد الأيام المتوقّع فيها انقطاع الخدمة، بحيث يتم القضاء على
العشوائيّة في التعامل مع أصحاب هذه الناقلات، وضمان الحصول على الماء، وعدم
التلاعب في الأسعار، بحيث تكون المنفعة متبادلة بين الطّرفين، فيضمن المواطن حصوله
على الماء بذات القيمة التي سيحصل عليها جاره، ودون القيام بالبحث عمّن سيجلب له
الماء بأسعار قد لا تتناسب وظروفه الماليّة، وفي نفس الوقت لن يلجأ صاحب النّاقلة
إلى محاولة رفع السعر لأن قيمة الكوبونات ستكون موحّدة ومناسبة كذلك للظرف
الاستثنائي.
(2)
في عاصمة إحدى الدّول
الخليجيّة لم تتجاوز فاتورة جلوسنا نحن الأربعة على أحد المقاهي الراقية العشرة
ريالات، وفي فرانكفورت بألمانيا التي تصنّف ضمن إحدى أغلى الدول في العالم كانت
قيمة الغرفة التي حجزها أحد الأصدقاء في الفندق ذو الأربع نجوم حوالي خمسة وأربعين
ريالاً وهو قريب من القيمة التي دفعها صديق آخر في أحد فنادق نيودلهي الراقية،
علماً بأنّ أصحاب تلك المنشآت السياحية في تلك الدول يدفعون ضرائب باهضة، ويحصلون
على الطاقة بسعر يختلف عمّا يحصل عليه المواطن العادي، وعلماً بأن طاقم العمل في
تلك المنشآت يمتاز بالحرفيّة العالية وبحصوله على شهادات ودورات متخصّصة.
وفي عمان تبلغ قيمة الجلوس
على العديد من المطاعم التي يصنّفها أصحابها على أنّها من فئة الخمسة نجوم علماً
بأنها غير ذلك وتنقصها العديد من الخدمات أضعاف قيمتها في الدول الأخرى، ويتجاوز
سعر بعض الغرف الفندقيّة حاجز المائة ريال، بل انها تصل إلى حوالي ألف ريال في
الليلة الواحدة قيمة اسئجار بعض الفلل التابعة لأحد الفنادق التي تملكها الدولة في
ظل تساؤلات حول قيمة الإيجار السنوي لبعض الأراضي والمنشئات المملوكة أساساً
للدولة، وقيمة الضرائب التي تدفعها هذه المنشآت، وقيمة الطّاقة التي يحصلون عليها،
ومستوى تأهيل العاملين في كثير من تلك المنشآت!
(3)
إذا ما تحدّثنا عن كثير من الأغنياء
والموسرين ورجال الأعمال الذين فتحت لهم الأبواب المشرعة نحو تكوين ثرواتهم، سواء بالجهد
الشخصي لدى البعض، أو بممارسة الاحتكار لدى البعض الآخر، أو باستغلال الفرص الوظيفية
أو المكانة الاجتماعية أو القرب من مراكز صنع القرار لدى فئة أخرى من هؤلاء، وإذا ما
استثنينا البعض فأين البقيّة من المبادرات الإنسانية الخيرية، وما مدى مساهماتهم (الحقيقية)
في هذا المجال، وهل هناك تحقيق فعلي لمبدأ الشراكة المجتمعية الفعالة؟!
ولنطرح السؤال بشكل آخر: كم
عدد الجمعيات الخيرية التي يتبناها الأغنياء لدينا، وكم مركز طبي متخصص تم التكفل بتجهيزه
من قبلهم، وكم مركز أيتام تمت رعايته، وكم أسرة معوزة تمت كفالتها، وكم مقعد دراسي
جامعي تم توفيره، وكم بعثة تعليمية تم إرسالها، وكم صاحب ابتكار أو موهبة تم تبنيه،
وكم مكتبة عامة تم انشائها، وكم شارع تم سفلتته، وكم من هؤلاء من يفتح بابه للناس فيستقبلهم
ويستمع إلى مطالبهم ويسعى إلى تذليل الصعاب التي يعانونها في سبيل توفير الحياة الكريمة
لأسرهم، أو فك أزمة يعانون منها؟!
تخيلوا كيف سيصبح حال بلدنا
لو تبرع أحدنا بكفالة يتيم، وقام الآخر ببناء مسكن لمعوز، وتكفل الثالث بمقعد دراسي
لمعاق، وقام الرابع بشراء جهاز طبي يحتاجه مستشفى مدينته، وتبنى الخامس تنفيذ مشروع
حيوي عجزت ميزانية البلدية عن تنفيذه، وغيرها من المشاريع المماثلة؟!!
(4)
عند اطّلاعي على المشاريع
المدعومة من قبل بعض برامج الدّعم الحكومي للأنشطة التجاريّة الصغيرة والمتوسّطة
لفت انتباهي سيطرة مشاريع بعينها على الدعم المقدّم كمشاريع تصفيف الشعر والتجميل،
وتنظيم وتصوير حفلات الأعراس والمناسبات، وتغليف الهدايا، وتفصيل العباءات، وتنسيق
الزّهور، وتحضير العطور!!
ومع تقديري لكل تلك
المشاريع إلا أنّني أعتقد أن هناك مشاريع أخرى (حقيقيّة) بحاجة إلى جزء من هذا
الدعم خاصّة وأنّ أصحاب المشاريع السّابقة قادرون على الترويج لمشاريعهم وضمان الحصول
على العائد المناسب خاصّة في ظلّ التغيير الحاصل في أنماط الحياة المجتمعيّة،
ورغبة البعض في مواكبة التحدّث والتمدّن.
ماذا لو ركزت مثل هذه
البرامج على حقيقة هامة وهي أنه في كل قرية من قرى عمان توجد أسر منتجة، بحاجة إلى
من يقف معها ويوجّهها، ويطوّر من قدرتها، ويسوق إنتاجها بشكل واقعي بحيث يجعل منهم
مشاركين في عمليّة التنمية، ويضمن تمسّكهم بحرفهم، وعدم تحوّلهم إلى عالة على
المجتمع، وكذلك الحفاظ على المجتمع الذي يعيشون فيه بكل ارثه الثقافيّ والحضاريّ
والاجتماعيّ ؟
أقول ماذا لو؟!!
(5)
برأيي أن شهر رمضان
هو بمثابة محطّة توقّف لمسافر في طريق طويل، يقف لكي يراجع خارطة طريقه، إن كان في
الاتجاه الصحيح أم لا، بمعنى أنّنا في خضم أمواج حياتنا المتلاحقة نحتاج إلى فترة
توقّف نراجع فيها كثيراّ من سلوكيّاتنا الدّينيّة والاجتماعية والاقتصادية
والصحيّة وغيرها، ونحاول تعديل بعض هذه السلوكيّات بحيث تتعدّل بوصلة مسارنا،
ونطمئن أننا في المسار الصحيح.
أليس كذلك، أم أنّ
لسلوكيّات البعض في هذا الشّهر الفضيل رأي آخر؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.