الأربعاء، 17 يونيو 2015

مشاهد وتساؤلات (22)


(1)

وأنا أتصفّح كتاب "ذاكرة عمان" الصّادر عن مؤسّسة عمان للصحافة والنّشر، والذي يوثّق لتاريخ الصّحافة العمانيّة عبر الفترة من 1970-2001 من خلال أربع مراحل مهمّة، لفت انتباهي عدد من الأسماء الصحفيّة التي ساهمت في صنع هذه المسيرة خلال مراحل التأسيس المختلفة أمثال أمين أبو الشّعر، وسليمان القضاة، وأحمد بن سالم آل جمعة،  ومحمّد ناجي عمايره، وحمود بن سالم السيابي، وسعيد بن سالم النعماني، وسعود السالمي، ومسلّم الجعفري وأسماء أخرى عديدة لا يتّسع المقال لسردها بعضهم ما زال يعيش بيننا، وبعضهم انتقل إلى رحمة الله.

والسّؤال المهم : أين هذه الأسماء من عمليّات التوثيق والتكريم تجاه ما قدّموه لمسيرة الصحافة العمانيّة؟! وهل نالوا من التّكريم ما يستحقّون تجاه تلك الجهود؟! وهل يمكن أن نرى مسابقة أو ندوة أو قاعة صحفيّة تحمل اسم أحدهم؟

تساؤلي لا يحمل الاستنكار بقدر ما يحمل التّذكير بجهودهم مع ثقتي الكبيرة بحرص الجهات المعنيّة على أمر كهذا، كما أنّه لا يوجّه لمؤسّسة بعينها بل هو أمر يعني المؤسّسات الصحفيّة، وجمعيّة الصحفيّين، وكلّيّات الإعلام، والباحثين كذلك.

(2)

من بين الأسئلة التي لم أجد إجابة شافية أو مقنعة لها حتّى الآن رغم قيامي بطرحه على العديد من المختصّين ممّن يعنيهم الأمر هو نسبة 3% التي يدفعها المواطن كرسوم لبعض الخدمات الإسكانيّة كشراء أرض أو منزل خاصّة إذا كان الهدف من شراء هذه الأرض أو المنزل هو الاستقرار الأسري وليس لغرض الاستثمار!

لا مشكلة لديّ في دفع رسوم إداريّة معقولة مقابل بعض الخدمات التي تقدّمها الجهة المعنيّة بمجال الإسكان والتي لا تشكّل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن، ولكن المشكلة تكمن في قيمة الرّسوم العالية التي ترتبط بالحصول على عقار ما مقابل مبلغ كبير، وبالتالي ترتفع قيمة النسبة المقررة عليه، فلنتخيّل أنّ مواطناً ما أراد أن يشتري أرضاً أو منزلاً جاهزاً يأويه وأسرته في مسقط أو إحدى المدن الكبرى في ظلّ ارتفاع مبالغ الإيجارات للشقق والمنازل، ولنفترض أنّ هذا المواطن قام بأخذ قرض بنكيّ لا تقلّ قيمته عن سبعين أو ثمانين أو مائة ألف ريال مقابل الحصول على الأرض أو المنزل الجاهز في ظلّ غلاء المعروض واضطراره للسكن في تلك المدن لظروف مختلفة، فمن أين سيأتي بمبلغ الرّسوم التي سيدفعها للوزارة المعنيّة للحصول على تلك الأرض أو المنزل خاصّة وأنّ القرض الذي سيحصل عليه سيذهب مقابل قيمة الحصول على العقار فقط وليس لأغراض أخرى، فهل سيتحمّل ارهاقاً مادّيّاً آخر لا يقل عن ألفين أو ثلاثة آلاف ريال كي يدفعها مقابل تلك الرسوم؟! ناهيك عن المبالغ الأخرى التي سيدفعها مقابل رسوم الوساطة العقاريّة للمكتب الوسيط، أو لتأثيث المنزل الجديد!!

أوليست الجهة المعنيّة بالاسكان هي جهة حكوميّة ينبغي أن تقدّم التسهيلات التي تجعل المواطن يحصل على منزله بطرق أكثر سهولة ويسراً من خلال برامج كثيرة سبق لنا طرحها عشرات المرات؟ وهل تقدّم هذه الجهة للمواطن خيارات أخرى تجعله يبتعد قدر الإمكان عن اقتراض المبالغ الكبيرة من أجل الحصول على منزل أو قطعة أرض خاصّة عند انتقاله للسكنى في مدينة أخرى لظروف العمل مثلاً؟ بل أوليس بطء بعض الخدمات مثل القروض الميسّرة، أو عدم وجود برامج اسكان مرنة ومحافظ اسكانيّة وطرح وحدات سكنيّة للتملّك من ضمن الأسباب التي تؤدّي إلى ارتفاع أسعار العقارات لدينا؟! ثم ألا يمكن أن نفترض أن تلك الأرض أو ذلك المنزل الذي يرغب المواطن في شرائه قد تم دفع الرسوم الإسكانيّة المقرّرة عليه مسبقاً إذا ما علمنا أن بعض الأراضي والمنازل قد تنتقل ملكيّتها بين أكثر من مشتري وفي كل مرة يتم دفع الرسوم المتعلّقة بها!! أوليست بعض الأراضي والبيوت تقع ضمن مخططّات لا تتوافر بها بعض الخدمات المهمّة التي من أجلها ندفع الرّسوم كخدمات المياه والصّرف الصّحّي وغيرها؟!

هل الأمر يتعلّق بتشريعات قديمة آن الأوان لإعادة النظر فيها، أم أننا بحاجة لإعادة النظر في قطاع الإسكان الحكومي بشكل عام بحيث يتحاوز أدواره الحاليّة إلى أدوار أكثر واقعيّة وملائمة لحياة الناس، وبحيث لا ينحصر في تخطيط وتوزيع الأراضي السكنيّة وهي المهمّة التي ينبغي أن تقوم بها المجالس البلديّة في المحافظات!!

(3)

وسط الجدل الدائر حول مجلس الشّورى ووضعه وأدواره المجتمعيّة وخلال محاولتي استقراء بعض الأمور المتعلّقة به، ونظرة المجتمع إليه فإنّ من بين النّقاط التي تلفت انتباهي الخلط الدائم لدى شريحة مجتمعيّة كبيرة بين أدوار مجلس الشّورى وأدوار المجالس البلديّة، وهو خلط يقع فيه كذلك كثير من المترشّحين أنفسهم لهذا المجلس، بحيث تحمل برامجهم الانتخابيّة أعمالاً ومشروعات هي من صميم أعمال المجالس البلديّة.

ما زلت أحلم بمترشّحين ينادون ببرامج انتخابيّة واضحة ومحدّدة يمكن تنفيذها وقياسها بدلاً من البرامج الوهميّة الفضفاضة التي يتم وضعها إما بسبب جهل لأدوار المجلس الحقيقيّة، أو لدغدغة مشاعر الكتل الانتخابيّة للحصول على أصواتهم.

ماذا لو تبنّى أحدهم قضيّة التراث المادّي بالسلطنة من حيث المحافظة عليه والاستفادة منه من خلال مراجعة التشريعات الحاليّة، واقتراح تشريعات جديدة تهدف إلى الحفاظ عليه واستغلاله الاستغلال الأمثل، وماذا لو تبنّى آخر قضيّة التعليم، وركّز برنامج ثالث على الاسكان، ورابع لقضايا الشباب، وخامس للسياحة، وسادس، وهكذا بحيث تكون القضية المتبنّاة من قبلهم هي شغلهم الشاغل طوال مدة الدورة البرلمانيّة!!

للمجلس دورين مهمّين هما التشريع والرّقابة، وبدون مراجعة التشريعات الحاليّة المتعلّقة بالخدمات المقدّمة للمجتمع ومحاولة اقتراح تشريعات أكثر حداثة وملائمة وبالتالي أكثر تسهيلاً لحياة الناس، وبدون القيام بأعمال الرقابة المطلوبة على أداء الحكومة في ظل الصلاحيّات المعطاة لهؤلاء الأعضاء والتي من بينها الحصول على نسخ من التقرير السنوي لجهاز الرقابة، ونسخ من مشاريع الوزارات الخدميّة، فلن يحقق المجلس اهدافه المرجوّة، ولن يشعر النّاس بأهميّة المجلس بالنّسبة لهم.

ولمن يخلط بين مفهومي الدولة والحكومة وبالتالي يعترض على (صراخ) بعض الأعضاء، أو (تجرأهم) على مناقشة بعض الوزراء، وهو طرح بدأ يكثر خلال هذه الأيام أقول له إن مصطلح الدولة أوسع من مصطلح الحكومة، فما الحكومة إلا سلطة ضمن ثلاث سلطات مستقلّة لا (تغوّل) لأحدها على الأخرى: تشريعيّة، وتنفيذيّة، وقضائيّة، فعضو الشورى، والوزير، والقاضي كل منهم يمثّل سلطة مستقلة، وتكامل أدوار هذه السلطات هو من يضمن انسيابيّة الأداء، وإذا كانت هناك من معايير خاطئة يراها البعض عند القيام بانتخاب أعضاء مجلس الشورى المناسبين فالأمر يتم علاجه بمزيد من التوعية والتّثقيف بأهمّيّة الاختيار المجتمعي المناسب لهؤلاء كي يقوموا بالأدوار المأمولة منهم مستقبلاً بعيداً عن متلازمتي المال والقبيلة.

سيأتي اليوم الذي نختار فيه البرنامج الانتخابي لا النّاخب، ولكنّ أمنية كذلك لن تتحقّق في غضون سنوات بسيطة بل ستكون محصّلة لسنوات كثيرة من الحوار والنقاش والجدل والتّجارب والممارسات والتثقيف والتوعية.     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.