الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

مشاهد وتساؤلات ( 17 )


(1)

تابعت خلال الفترة الماضية التراشق الفكريّ الحادث، ووجهات النّظر المتباينة حول تصوت مجلس الشورى العماني بالأغلبية على حظر تعاطي الخمور، وإيقاف تراخيص الشيشة، والذي أتمنّى ألا يكون مقدّمة لنسج شباك الغزل مع الناخبين مع اقتراب انتخابات المجلس للفترة القادمة، وألا يشغلهم عن قضايا اجتماعيّة واقتصاديّة مجتمعيّة لا تقلّ أهميّة عن هذا الموضوع.

برأيي أنّه قبل أن نفكّر في منع الخمور ووسائل التّدخين أو أيّ شيء سلبي يتعارض مع تعاليم الدين، علينا أوّلاً أن نعالج الأسباب التي أدّت إلى انتشارها، وذلك من خلال مراجعة المنظومة التعليميّة، ومناقشة التحدّيات التي تواجه أداء الأسرة العمانيّة لدورها التربويّ والاجتماعيّ، والتّحدّيات الفكريّة والتكنولوجيّة التي تواجه المجتمع بشكل عام، ومدى توافر البدائل الثقافيّة والسياحيّة المناسبة لقضاء أوقات الفراغ وتكوين الشخصيّة السويّة من مكتبات ومسارح ودور سينما وبيوت ثقافة وحدائق ومتنزّهات طبيعيّة أو صناعيّة، واقتراح القوانين والتشريعات التي تناقش ما سبق، وبعد ذلك يمكن لنا أن نجتمع لنصوّت على منعها بالأغلبيّة المطلقة، فمجرّد المنع لن يحلّ المشكلة، بل سيفاقمها، حيث سيلجأ متعاطوها إلى بدائل قد تكون أكثر سوءاً، ولنا في تجارب بعض الدّول المجاورة أبلغ دليل على ذلك.

قبل أن تفكّر في قطع يد السارق وفّر له فرصة العمل المناسبة، وظروف العيش الإنسانيّة، وشيئاً من العدالة الاجتماعية، ثمّ طبّق عليه قوانينك كما تشاء.

 (2)

وأنا أتأمّل واقع منظومة التّعليم لدينا بالسّلطنة تراودني أحياناً بعض التساؤلات: ترى هل نحن بحاجة بالفعل إلى مبنى يضم الألوف من الموظّفين يقومون بالعديد من الأعمال الإداريّة والفنّيّة التي يمكن القيام بها بطرق أكثر بساطة ونجاعة من الوضع الحالي! هل الوزير بحاجة إلى الاشراف المباشر على عشرات المكاتب والإدارات ، ومئات الموظّفين التّابعين لمكتبه، وترؤس اللجان الكثيرة، خاصّة وأنّه من المفترض ألا يقوم باختراع استراتيجيّات تربويّة جديدة، بل هو مشرف على تنفيذ رؤية الحكومة في مجال التعليم، والتي هي جزء من استراتيجيّة وبرنامج متكامل تقوم الحكومة بتنفيذه خلال فترة زمنيّة معيّنة، وذلك من خلال بعض الأدوات كالقوانين، ووسائل التمويل.

ماذا لو تحمّلت المجالس البلديّة مسئوليّة التخطيط لبناء المدارس في المدن والولايات المختلفة وفق احتياجات تلك المدن والولايات! ماذا لو كان هناك مكتب خاص مستقل لوضع معايير المناهج، وتقوم الشركات التجاريّة بطباعة الكتب الدراسية التي تعدّ جزءً من المنهج وليست كلّ المنهج وفق هذه المعايير! ماذا لو أعطينا المدارس استقلالها الإداريّ والماليّ، ولمديرها كافّة الصلاحيّات المتعلّقة بإدارة تلك المدارس، واختيار المناهج المناسبة، وتقييم أداء الطاقم الإداري والتدريسي دون الرجوع للمركزيّة المرتبطة بالبيروقراطيّة! ما ذا لو كان هناك مكتب خاص مستقل كذلك لمراقبة أداء المدارس وفق المعايير الخاصّة بها، ماذا لو كان هناك مكتب خاص بإعداد وثائق التقويم المختلفة، وتقويم ناتج العمليّة التعليميّة دون تدخّل مباشر من الوزارة!

بل ماذا لو كانت هناك نقابة أو جمعيّة للمعلّمين، تجمع التربويّين في كيان واحد، وتتبنى مطالبهم، وتحقق عدداً من المطالب الاجتماعية التي ستضيف الكثير لبيئة العمل، ليس أقلها المعاش التقاعدي، أو حق العلاج، أو تنظيم المناشط الاجتماعية، أو حماية حقوق المعلم والدفاع عنه ، وأشياء كثيرة لا يمكن حصرها في هذه المساحة.

أقول.. ماذا لو!

(3)

على الرّغم من وجود قرار وزاري قديم بمنع عمل العمالة الوافدة في محلات بيع المواد الغذائيّة، وقصرها على العمانيّين فقط، إلا أنّ هذه العمالة سرعان ما عادت إلى احتلال أماكنها القديمة في إدارة هذه المحلات بطرق كانت ملتوية كوظيفة المحاسب، ثم أصبحت مكشوفة بشكل أكثر فجاجة، ومعظمهم للأسف دخلاء على هذه المهنة، ولا يمكن مقارنتهم بالعمالة (الشاطرة) التي كانت تدير هذه المحلات خلال فترة ما قبل تطبيق القرار.

على الرّغم من تحفّظي على القرار لأسباب عديدة لعل من بينها أنّك لا يمكنك أن (تفرض) على شعب ما أن يعمل بحرفة معيّنة، وأنّ التجارة هي مزيج من الشطارة والمغامرة، إلا أنّه على الأقل علينا أن نتابع مدى تطبيق القرارات التي (نفرضها) من عدمها.

 (4)

في ظلّ الانتشار الكبير لظاهرة (العزب) والاستراحات التي غزت كثيراً من المواقع الطبيعيّة والسياحيّة في بعض ولايات السلطنة لدرجة الاستحواذ على أهمّ الأماكن التي اعتاد الناس الذهاب اليها أيّام العطل والاجازات، أخشى أن نضطرّ قريباً للسفر إلى بعض الدول المجاورة التي لم تتأثّر سيوحها وصحاريها ووديانها بعد بهوجة العزب، وذلك من أجل قضاء إجازة آخر الأسبوع، أو عمل "المشاكيك"، أو الاستمتاع بمنظر الطبيعة بعد هطول الأمطار.  

تبدأ هذه العزب ببناء بسيط من المواد غير الثابتة، ثم يتم عمل سور يحيط بها، وبعدها يضاف إليها غرفة أو اثنتان بمواد ثابتة، ثم المطالبة بتملكها القانوني تحت عدة دعاوي مختلفة، وكل المراحل السابقة تحدث في غفلة أو تجاهل أو لامبالاة من المسئولين.

فضلاً عن إنها تعتبر تحايلاً على القانون، فإنها قد تسهم في تشويه المنظر العام، واختلال البيئة الفطرية، وقد تؤثر على منظومة التخطيط السكاني مستقبلاً، عدا حرمان المواطن البسيط من أوقات جميلة يقضيها برفقة أسرته أو أصدقائه في ظل قلّة البدائل السياحيّة المتاحة.

(5)

الشرطي الذي ألمحه ينظّم حركة السير كلّ صباح عند دوّار العامرات يستحقّ تحيّة تقدير وامتنان، فبرغم البرد القارس الذي يجمّد الأطراف، وبرغم التزاحم الشديد في حركة المركبات، ومحاولات البعض في الخروج عن النصّ من خلال التجاوزات الخاطئة، والسّرعة الزائدة، إلا أنّه يتجاوز كلّ ذلك متّخذاً من ابتسامته العريضة وقوداً يتدفّأ به، ويعينه على استكمال رسالته تجاه الوطن.   

هذا الشرطي هو نموذج جميل لكلّ رجال الشرطة في عمان الذين نجدهم قبلنا في كلّ محنة، وفي كلّ موقف. تحيّة لهم من الأعماق وعساهم على القوّة.

 

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.