الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

مشاهدات وتساؤلات 16



(1)

من بين الأمور المهمّة التي أخرج بها في كلّ مرّة بعد متابعتي لتصريحات معالي الوزير المسئول عن الشئون الخارجيّة، وبين تصريحات بعض الوزراء الاخرين، هو مدى الفرق بين الوزير السياسيّ المتمرّس الذي يمكن أن يجيب على أكثر الأسئلة حساسيّة وحرجاً دون أن تمسك عليه زلّة واحدة، وبين الوزير الموظّف الذي تأتي تصريحاته متوافقة مع كونه كان موظّفاً في الوزارة أو غيرها قبل ذلك، وأدرك كذلك أهميّة وجود مكتب صحفي تابع لمكتب الوزير مهمّته الإعداد الجيّد للكلمات والبيانات التي سيلقيها، والمراجعة الدّقيقة للتصريحات التي يعتزم إطلاقها خوفاً من تأثيرها الاقتصادي والاجتماعيّ السّلبي على المستويين الدّاخلي والخارجي.

كذلك فعلى الرغم من أنّ منصب الوزير هو منصب سياسي في المقام الأوّل، لا يشترط التخصّص في من يتولاه، وعلى الرّغم من أنّ هذا المنصب يمكن أن يتغيّر مرات عديدة على مدار السنّة الواحدة في الدول المتقدّمة تبعاً لتغيّر المناخ السياسي بدون أن تشلّ حركة العمل في الوزارة المعنيّة، أو تتغيّر سياساتها الداخليّة، إلا إنّ الوزير في كثير من دولنا العربيّة يصرّ على أن يمسك بكلّ شاردة وواردة، جاعلاً من الآخرين مجرّد منفّذين للسياسات التي يضعها هو، والتي ستتغيّر هي (وطاقم المكتب بأكمله) مع مجيء وزير آخر يحلّ محلّه، وهكذا دواليك.

(2)

يأتي الصّباح في مطلع كلّ يوم عمل حاملاً معه بوادر كثير من الأمراض والعلل كالضغط والكوليسترول والسّكّري وغيرها، وذلك من جرّاء الدقائق الطويلة والتي تصل إلى السّاعات أحياناً التي نقضيها لقطع بضعة كيلو مترات للوصول إلى المشاوير اليوميّة المختلفة، وذلك بسبب الازدحام الرّهيب التي تعانيه معظم شوارع مسقط نتيجة تراكمات تخطيطيّة وتنظيميّة مختلفة، في الوقت الذي بحّت فيه الكثير من الأصوات على مدى سنوات طويلة محذّرة من أن تتحوّل مسقط إلى قاهرة جديدة في ظلّ تكديس كلّ شيء فيها.

في ظلّ الزحمة (الخانقة) التي تعاني منها شوارعها، وبعيداً عن كلّ الحلول الغير منطقيّة كإعادة توزيع التنمية والمشاريع على مدن السلطنة الأخرى لتخفيف الضغط عن مسقط، والتفكير في المشروعات الانتاجيّة التي تحدّ من الهجرة المتدفّقة من القرى والولايات بحثاً عن فرص العمل والعيش المناسبة، أقترح على المسئولين عن التخطيط أن يغلقوا العاصمة (بالضبّة والمفتاح) على ساكنيها الحاليّين، وعدم السّماح لأحد بدخولها إلا بعد الانتهاء من كافّة المشروعات المتعلّقة بتوسعة الطرق والمداخل، وانشاء المزيد من الجسور والكباري، والا لتحوّلت مسقط في القريب العاجل إلى علبة سردين ضيّقة، خاصّة ونحن نتحدّث عن فتح أبواب الاستثمار، ونلمح العشرات من الوافدين الذين يتزايدون كلّ يوم، عدا من يترك مسقط رأسه في داخليّة عمان أو شرقها وغربها، قادماً إلى مسقط بقضّه وقضيضه بحجّة أنّ كلّ شيء موجود هنا.    

(3)

على ناصية شارع مسقطيّ يقوم أحد الباعة المتجوّلين بعرض مجموعة من الخضروات والفواكه بسعر موحّد قيمته ريال عمانيّ لكلّ صنف من الأصناف المعروضة، والتي هي عبارة عن طبق بلاستيكي صغير عليه بضعة حبّات من كلّ صنف.

الغريب أنّ هناك اقبال كبير على هذا البائع من قبل سكّان الولاية والمستخدمين للشارع،  برغم أنّ محلات بيع الخضروات والفواكه لا تبعد سوى بضعة أمتار عن مكان وقوف هذا البائع، وعلى الرغم من أنّ البضاعة التي يعرضها هذا التاجر ليست بتلك الجودة العالية مقارنة بنظيراتها في المحلات القريبة، وعلى الرّغم كذلك من السّعر المضاعف (جدّاً) الذي يبيع به هذا التّاجر التجوّل بضاعته، علماً بأنّه لا يقوم بدفع أيّة رسوم أو ضرائب أو قيمة استئجار معيّنة.

بعيداً عن الدعوة إلى تدخّل الجهات الرّقابيّة المعنيّة، أو تنظيم عمل الباعة الجائلين، يظلّ السؤال المطروح والمتعلّق بوعي وثقافة المواطن الذي يقبل على الشراء من أمثال هؤلاء وهو مغمض العينين مسلوب الإرادة دون أن يترك لشيء يدعى العقل وهبه الله ايّاه دوناً عن بقيّة المخلوقات أن يتساءل ولو لمرّة واحدة حول الأضرار الاقتصاديّة والصحّيّة المترتّبة على الشراء من أمثال هؤلاء، أو حول أهميّة عمل مقارنة أوّليّة بين نوعية وأسعار المنتجات المعروضة لدى هذا البائع والمحلات المجاورة، ثمّ يتفرّغ بعد ذلك للشكوى من الممارسات الاقتصاديّة السّلبيّة التي يكون سببها الأول استهتاره وسذاجته التي تغري الآخرين بالقيام بكلّ تلك التصرّفات.       

(4)

ذهب شهر نوفمبر حاملاً معه الذّكرى الثامنة لوفاة أحد أجمل وأرقى من أنجبتهم صور والسلطنة في مجال الفكر والثقافة والأدب والتاريخ خلال المائة سنة الأخيرة. الشاعر الفذّ صاحب ديوان "حوريّة البحر"، والمؤرّخ صاحب كتاب "قبائل الجنبة وميناؤهم التاريخي صور"، والمثقّف الموسوعة، والانسان قبل كل ذلك في تعاملاته مع الآخرين. أتحدّث عن المرحوم الأستاذ ناصر بن علي البلال.

بعد مرور ثمان سنوات على رحيله، ترى ماذا تبقى من ذكراه!! وماذا فعلنا من أجله باستثناء بعض أمسيات خجولة، ومقال هنا وهناك ثمّ انتهى كلّ شيء كما نفعل مع كلّ الأشياء الجميلة، منذ متى لم نتذكره في محفل ثقافي أو إنساني معين، وهل قليل في حقّ هذا الرجل أن تخصّص إحدى الصّحف أو المجلات ملحقاً أدبيّاً يتناول ذكراه وما قدّمه! أو أن يطلق اسمه على أحد المهرجانات المختلفة التي تعنى بالأدب محلياً، أو أن يوضع اسمه على إحدى مدارس أو شوارع مدينته التي كانت حديث صباحه ومساءه، والتي خلّدها في كلّ نفس كان يخرج من صدره!

وإلى كثير من الشعراء والأدباء، بل والمسئولين الذين خرجوا من تحت عباءة هذا الرّجل، والذين منحهم الشيء الكثير من انسانيّته المفرطة، وتشجيعه اللامتناهي، وغزارة محصوله الفكريّ كمكتبة متنقّلة، ترى هل ما زلتم تتذكّرون رجلاً يدعى ناصر بن علي البلال!!

رحمك الله يا أبا عبد الله، وتحية من قلوب لن تنساك.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.