الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

حماية بنكهة عالميّة

"حصلت السلطنة ممثلة في الهيئة العامة لحماية المستهلك مؤخراً على جائزة القمّة العالمية كأفضل تطبيق حكومي للهواتف الذكية على مستوى العالم لعام 2014م، وجاء فوزها ضمن المسابقة السنوية التي تنظمها منظمة الأمم المتحدة بالتعاون مع هيئة اليونيسكو واليونيدو والاتحاد العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية بمشاركة لجنه تحكيمية تضم 60 خبيرا  يمثلون 50 دوله".

خبر صحفيّ قرأته قبل بضعة أيّام في بعض صحفنا المحلّيّة مع تجاهل اعلاميّ كالعادة لتحليل أبعاده ومضامينه ودلالاته المختلفة، وكأنّ تحقيق انجاز عالميّ في مجال كالتكنولوجيا هو أمر اعتيادي يجب أن يمرّ مرور الكرام، ونحن الذين نملأ الدنيا صراخاً طوال الوقت حول تأخرنا التكنولوجي، وحول الغرب الذين سبقونا بمراحل في هذا المجال، ثمّ عندما يأتي أحدنا فرداً كان أم مؤسّسة ليقدّم تجربة مهمّة، أو يحصل على سبق أو انجاز معيّن نصاب فجأة بالخرس الإعلاميّ، وكأنّ شيئاً لم يكن، وكأنّ إنجازاً لم يقدّم، أو وكأنّه لابدّ أن تكون انجازاتنا جميعها في مجالات الرياضة أو الفنّ (مع احترامي الكبير لها) كي نرى (الفزعات)، وكي نتابع الشيخ فلان وهو يتبرّع بكذا ألف صوت، والشيخ علان وهو يقدّم آلافاً من الرّيالات دعماً لهذا أو ذاك، مع ابتسامة عريضة للشيخ بينما صورته تنتشر في وسائل التواصل كانتشار النار في الهشيم، وكلّ هذا تحت مظلّة الوطنيّة وحبّ البلد طبعاً، بينما نفس هؤلاء الشيوخ قد يتردّدون ألف مرّة قبل التفكير في التبرّع لبناء مجلس عام أو منزل يأوي أيتاماً أو معوزين. بالمناسبة ما أخبار المخترع العماني سلطان الصبحي؟   

 نعود لحديثنا عن الجائزة التي حصلت عليها هيئة حماية المستهلك، فالأمر أصابني بشيء من الحيرة والاستغراب، فأنا أتفهّم مثلاً أن يتمّ اختيار الهيئة ضمن أفضل ست هيئات وأفراد بإقليم الشرق الاوسط لمنظمة الصحة العالمية في مكافحة التبغ، ولم أفاجأ عندما تم اختيار تجربة الهيئة كأفضل خمس انتصارات كبرى للمستهلكين في العالم، ولا أستغرب عندما أسمع عن زيارات تقوم بها شخصيّات عالميّة مهمّة في مجال حماية المستهلك لمقرّ الهيئة للتعرّف على تجربتها الرائدة بحسب وجهات نظرهم، أو أن دولاً ومؤسسات عريقة توقّع معها اتفاقيّات تفاهم للتعاون المشترك وتبادل الخبرات والبرامج، وغيرها من الانجازات، فهي تصبّ في النهاية في صميم عملها في مكافحة الظواهر الاقتصاديّة السلبيّة، وتعريف المستهلكين بحقوقهم وواجباتهم، والدّفاع عن هذه الحقوق، حتّى لو أسلنا كثيراً من الحبر حول الأدوار الاستثنائيّة التي تقوم بها الهيئة في هذا المجال، والمياه الراكدة الكثيرة التي حرّكتها، ولكنّنا سنقول إن الإنجاز هو أمر ينبغي أن يكون، لا أن يستغرب حدوثه.  ولكن أن تفوز بجائزة عالميّة، وفي مجال كالتقنية وهو مجال ثانويّ مساعد بالنسبة لبرامجها وأنشطتها الأخرى، فهذا أمر يدعو للتوقّف والتساؤل وبعضاً من التحليل والاستنتاج.

برأيي أنّ فوز الهيئة بهذه الجائزة يعني أمراً مهمّاً ألا وهو أنّ الشّعار الذي ترفعه     "الجودة لا التّعدّديّة" هو شعار حقيقي وواقعي وليس مجرّد كلام انشائي لأجل الشو، فما دمنا نتحدّث عن حماية مستهلك فلا مجال لأنصاف الحلول، فإمّا الجودة وإلا، فالأمر يتعلّق بأبعاد صحيّة وبيئيّة واقتصاديّة لا مجال للمزاح أو التهاون فيها، وعندما تعزّز الهيئة جهودها بأفكار تكنولوجيّة كهذه فهي تعي بالفعل أهميّتها في توعية المستهلك وتعزيز ثقافته الاستهلاكيّة.

أستنتج كذلك أنّ فوز الهيئة بجائزة عالميّة كهذه أنّها ترسّخ لصناعة "ثقافة حماية مستهلك" لدى أفراد المجتمع، فبدلاً أن تقتصر معارفهم على الدين، أو الشعر، أو الأدب، أو الفكر بمختلف أشكاله، فلماذا لا تكون لدينا ثقافة خاصّة بحماية المستهلك من حيث صحّته، وسلامته، وحقوقه وواجباته، في ظلّ تسارع تكنولوجيّ واقتصاديّ  رهيب يفرض علينا كثير من التّحدّيات، وصناعة ثقافة كهذه لا تأتي من خلال بضعة أخبار صحفيّة هنا وهناك عن ضبطيّات أو أحكام قضائيّة، ولا من خلال نشرات ورقيّة بين الحين والآخر، ولكن بمخاطبة المستهلك عن قرب، والوصول إلى كافّة الشرائح، ولكلّ المستويات. وفي ظلّ إعلام بديل أصبح يفرض نفسه كلّ يوم على الساحة العالميّة والمحليّة كان لزاماً على أيّ مؤسّسة ناجحة أن تتواكب مع هذا التطوّر، وأن تطوّر من أساليبها لمواكبته. ولعلّ ما قامت به الهيئة من خلال انشاء صفحات لها في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ، واليوتيوب، وجوجل بلس، ومدى التفاعل الكبير الذي تشهده هذه الصفحات والوسائل لهو دليل على هذه الرغبة، وهذا الجهد.

أفهم أيضاً أنّ "الدماغ" عالية لدى مسئولي الهيئة، فالأمر لا يتعدّى مجرد إصدار الأوامر، أو الإشراف العام على البرامج المنفّذة، بل يتعدّاها إلى الاشتراك الحقيقي في صنعها كأحد أفراد الفريق، والجلوس على طاولة واحدة مع المشرفين على تنفيذها، وعصف الذهن، لذا فليس غريباً أن تأتي هذه البرامج إعلاميّة كانت أم تكنولوجيّة مختلفة في طرحها وتنوّعها.

إنّ وجود مسئول يعي أهميّة التجديد والابتكار وتقديم المختلف، والبحث عن أفكار غير مسبوقة، والاشتراك مع الآخرين على طاولة واحدة لممارسة أنواع مختلفة من العصف الذّهني للخروج بأكبر قدر من هذه الأفكار أمر أفضل بكثير من مسئول كلّ يسخّر جلّ امكاناته الفكريّة في ممارسة دور الرّقيب لمجرّد الحفاظ على المساحة الفاصلة بين الخطّين الأحمر والأخضر، وكي يتأكّد أنّ كرسيّه لن يتأثّر بأفكار كهذه، أو أنّ " كل شيء تمام".

بعيداً عن الجائزة فالتطبيق يحوي أشياء كثيرة مهمّة قد تفيدك في حياتك اليوميّة، فمن خلاله يمكن أن تتحقّق من أسعار السلع الأساسيّة من خلال المرصد الموجود به، ويمكنك كذلك التعرّف على استدعاءات السيارات، فقد تكون طراز سيّارتك إحدى الطرازات التي شملها الاستدعاء لمعالجة عيب تصنيع ما، وينبّهك إلى أبرز التحذيرات المتعلّقة بسلعة ما، كما يدّلك على أقرب منفذ للبيع يمكن أن تتوجّه له، ويعرّفك على كيفيّة تقديم شكوى في حالة اضطرارك لذلك، كما يقترح لك خطّة استهلاك يمكن أن تناسب وضعك الاقتصاديّ، إضافة إلى مجموعة من الأخبار والنصائح والإرشادات التي يقدّمها لك والتي يمكن أن تعرّفك بكثير من الحقوق والواجبات التي قد نتناساها أو نتجاهلها في زحمة الفوضى التي نعيشها أحيانا.

في ظلّ وجود كثير من البرامج التي تحفل بها هواتفنا الذكيّة، والتي تتضمّن عروضاً ودعوات لشراء أشياء كثيرة قد لا نحتاجها، فإنّ وجود تطبيق المستهلك الإلكتروني بجانب تلك التطبيقات قد يكون جدار حماية لك يحميك من الإصابة بأعراض الهوس الشرائي، وقد يجعلك تفكّر كثيراً قبل الانسياق خلف أيّ إعلان مضلّل يستهدف جيوبنا وعقولنا كذلك.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.