في إحدى الجلسات الثقافيّة تحدّث رئيس إحدى الجمعيّات
الفكريّة بأسى عن عزوف الأعضاء عن حضور الفعاليّات التي تقيمها الجمعيّة، وأردف
كلامه بأنّ عدد من يحضر هذه الفعاليّات لا يتجاوز 10% من إجمالي عدد الأعضاء.
وفي جلستنا شبه اليوميّة في مقهى يحمل اسم مقهى شهير
بالقاهرة ولا يشابهه في الإمكانات أو الخدمات (لمحبيّ التخمين لا أقصد الفيشاوي
بالقطع) سألني صديقي الصحفيّ النشط : ما سبب عزوفك عن الانضمام إلي أيّ من
الجمعيات الفكريّة الموجودة لدينا؟
أجبته: يا صديقي العزيز، الجمعيّات أو النقابات أو
اللجان أو الأندية أو أيّاً كان الاسم، يأتي إنشاؤهن لتحقيق أهداف خاصة بفئة
بعينها، سواء كانت فئات لها علاقة بشرائح اجتماعيّة معيّنة، أو بمهن، أو حرف، أو
نشاط فكري أو اجتماعي أو اقتصادي معيّن. بمعنى أنّ هناك مجموعة من الأفراد يتوافقون
فكريّاً أو وظيفيّاً أو عمريّاً، أو اجتماعيّاً، أو أيّاً كان مصدر التوافق،
فيسعون إلى تشكيل كيان خاص بهم يحقّق لهم أغراض معيّنة، ويوفّر لهم خدمات مختلفة
قد لا توفّرها لهم تجمّعات أو كيانات أخرى، وبالتالي فهم يجدون في هذا الكيان الذي
يضمّهم بمثابة الحاضن لهم، المدافع عن حقوقهم، المقرّب لأفكارهم، المحقّق لجزء من
طموحاتهم.
لم تصل الفكرة بعد؟ لا بأس، سأعطيك مثالاً أكثر قرباً،
وسأطرحه كمجرد مثال وليس لغرض الاسقاط أو التلميح. دعني أطلق على نفسي جزافاً لقب
كاتب مع إني لا أملك هذا الحق لأنّه ملك القارئ والمجتمع لا ملكي أنا، ولكني
سأتجاوز ذلك في هذا المثال. ما دمت كاتباً، فالأولى أن أنضم للجمعيّة العمانيّة
للكتّاب والأدباء كونها الجهة المجتمعيّة الأقرب إلى ميولي أو اهتماماتي، وهذا
يعني أن أقوم بالحصول على بطاقة عضويّة ودفع رسوم ماليّة مقابل هذه العضويّة.
ستسألني ماذا تريد من الجمعيّة، وسأجيبك إن لي مطالب أربع مهمّة أولها المطلب
القانوني والتشريعي، فما دمت كاتباً، ومادامت معظم المطبوعات ترفع مسئوليتها عمّا
أكتبه فأنا معرّض في أي لحظة للمساءلة حول فكرة أو نقطة أو جملة أو عنوان أو سطر معيّن قمت
بكتابته، في هذه الحالة أنا أطالب جمعيّتي بالتحرّك نحو ايجاد تشريعات تجعلني أكثر
ثقة واطمئناناً في المستقبل القريب عند رغبتي في تناول أي موضوع من المواضيع
المجتمعيّة المختلفة، كما أطالبهم بالوقوف القانوني في حالة تعرّضي لأيّة مساءلة
أو مضايقة معيّنة.
نأتي إلى المطلب الثاني وهو المطلب المهني، فأنا وبرغم
أني أصنّف نفسي ككاتب إلا أنّه تنقصني الكثير من الخبرات والمهارات والطرق
والأساليب المتعلّقة بإمكاناتي ككاتب، لذا فعلى الجمعيّة ككيان أنتمي إليه أن تسعى
إلى تعزيز هذه الإمكانات من خلال خطط تدريب وإنماء واضحة تستهدف كافّة منتسبيها، وبالتالي
يتحقق جزء من الأهداف التي من أجلها أنشئت الجمعيّة، ومن أجلها قام هؤلاء الكتّاب
أو الأدباء بالاشتراك فيها.
هناك مطلب ثالث مهم وأقصد به المطلب الاجتماعي، فأنا
كفرد بحاجة إلى الكيان لتحقيق أغراض اجتماعيّة قد لا أجدها في كيانات أو تجمّعات
أخرى، بمعنى أنّني بحاجة إلى توافر الامكانات الترفيهيّة التي تجعلني أحرص على
ارتياد مبنى الجمعيّة بشكل مستمر، والاقتراب أكثر وأكثر من بقيّة الأعضاء، وهذا لن
يتأتّى إلا في ظل وجود بعض الأنشطة الاجتماعيّة الترفيهيّة كالمطعم والكافتيريا
والحديقة وصالة الألعاب وغيرها، اضافة إلى الأنشطة الاجتماعيّة الموسميّة كرحلات
الصيف، وحفلات الافطار الجماعي، والرحلات الخارجيّة المدعومة، ناهيك عن بعض
التسهيلات التي يمكن للجمعيّة أن تحصل عليها لأعضائها كخدمات الشراء بالتقسيط من
بعض المحلات، وخدمات العلاج المخفّض في بعض المؤسسات الصحيّة الخاصّة، ويمكن
للجمعيّة أن تتجاوز كل ذلك لتوفير خدمات اجتماعيّة أكثر ديمومة واستمراريّة
كالحصول على قطع سكنيّة أو شقق إسكانيّة بأسعار تشجيعيّة.
ويرتبط بهذا المطلب الاجتماعي الخدمات الاجتماعيّة التي
يمكن أن أحصل عليها في حالات استثنائيّة، كالانقطاع عن العمل، أو العجز عن
مزاولته، أو التقاعد، أو الوفاة لا قدّر الله، فهذا مطلب يمكن أن يحقق شيئاً من
التكافل الاجتماعي الذي هو أساس مهم في عمل كثير من النقابات والجمعيّات على مستوى
العالم.
نأتي للمطلب الأخير وهو المطلب الفكري، وأعني أن تقوم
الجمعيّة بتنظيم الفعاليات الفكريّة والثقافيّة التي تدخل في إطار عملها، داخلياً
أم خارجياً، وبالتالي إتاحة مزيد من الفرص لي للظهور وتقديم أعمالي أو أنشطتي، أو
الاحتكاك بآخرين في نفس المجال، وبالتالي مزيد من الخبرة وتقييم النفس والامكانات.
عندما سأضمن أن تتحقق كل هذه المطالب أو بعضها يمكن لي
وقتها أن أبحث عن جمعيّة أنضم إليها وأحرص على متابعة فعالياتها، والمشاركة
الدائبة فيها، ولكن يبقى السؤال المهم: هل أفكار كالتي طرحتها يتم تنفيذها بشكل
حقيقي وواقعي على مستوى جمعيّاتنا ولجاننا؟ واذا ما استثنينا بعض الانشطة
التدريبية والاجتماعيّة التي تقوم بها جمعيّة الصحفيين (برغم الانتقادات اليوميّة
التي أسمعها من هنا وهناك من أعضاء غير منتسبين لها في الأساس)، فهل تقوم
الجمعيّات الأخرى بهذه الأنشطة، أم أنها أصبحت حكراً على أعضاء بعينهم.
ماذا سأستفيد أنا كعضو عندما تقصر جمعيّة ما جلّ أعمالها
على استضافة شخصية عربية أو أجنبيّة معيّنة كل يوم أو حتّى كل ساعة، او تنظيم ندوة
أو فعاليّة فكريّة ما، أو القيام بجولات خارجيّة غالباً ما يكون أفرادها هم أنفسهم
في كل مرة، أو طباعة أعمال فكريّة معيّنة كلّ سنة.
حتى لو سلمنا أن هذه الأعمال مهمّة ورائعة فما علاقتها
بي كعضو، وماذا قد تضيف إليّ (كعضو) كذلك، وهل أعطيت حق الرأي أو الاختيار في
الموافقة عليها على سبيل المثال؟ وماذا سأفرق في هذه الحالة عن المتلقّي الخارجي
الذي لا يشاركني العضويّة، بل وماذا اختلف عمل الجمعيّة هنا (أيّاً كانت) عن دور
المؤسسات الحكوميّة العاملة في نفس المجال؟ في هذه الحالة إذا علينا أن نكتفي بعدد
من الموظفين يقومون بكافّة هذه الأدوار من تنظيم وتجهيز وحجوزات وغيرها دون الحاجة
إلى الأعضاء الآخرين، فأنا لم أنضم لهذه الجمعيّة أو تلك من أجل حضور فعالية أيّاً
كانت قامة من سيقدّمها، ولم أشترك فيها لأجل الاستماع إلى محاضرة أيّا كان
عنوانها. كل هذه الأشياء يمكن لي أن أحصل عليها بضغطة زر على أقرب جهاز معلوماتي
حديث. أنا قررت الانضمام كي أبحث عن كيان يضمّني وأشعر بذاتي فيه ويحقق لي خدمات
تسهم في تغيير حياتي إلى الأفضل وقد لا تتحقق لآخرين لا يشاركونني نفس العضوية.
عندما ستجد هذا الكيان يا صديقي الصحفي فأخبرني كي أسارع
في الانضمام إليه.
د.محمد بن حمد العريمي
MH.ORAIMI@HOTMAIL.COM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.