(1)
"جات
الحزينة تفرح.. ما لقت لها مطرح" هو المثل الذي ينطبق على حالة أحد الأصدقاء،
فبعد أن قام بشراء منزل صغير في إحدى ضواحي العاصمة يلمّه وأسرته الصغيرة بقية
العمر بعد أن اكتوى لسنوات بنار أسعار الإيجارات المغالى فيها، تفاجأ بأنّه لابد
وأن يدفع مبلغاً لا يقل عن الألف والنصف من الريالات لوزارة الإسكان كرسوم مقابل
شراء هذا المنزل، وهو الذي لا يملك (شروى نقير)، بعد أن عانى (الأمرّين) للحصول
على قروض بنكيّة تفي بسداد قيمة البيت ، وسيعاني مستقبلاً كي يوفّر قيمة مستلزمات
المنزل من أثاث وأجهزة وغيرها، فمن أين
سيأتي بمبلغ الإسكان كي يدفعه.
في الحقيقة ما زلت
عاجزاً عن فهم أو تصوّر أو إدراك مغزى الحكمة من قيام المواطن بدفع نسبة (3%) من قيمة أية أرض أو عقار قام بشرائه من
حرّ ماله لوزارة الإسكان، فما هو الجهد الذي بذلته الوزارة في شراء هذا المواطن
لأرضه أو مسكنه كي تأخذ مثل هذه النسبة، وما الذي قدّمته الوزارة لهذا المواطن أو
لغيره عدا أرض تفتقر في كثير من الحالات
إلى الخدمات الأساسيّة. أوليست سياسات الوزارة هي من جعلت هذا المواطن وغيره
يلجؤون لشراء أراضي فضاء تعادل قيمتها قيمة منزل من طابقين في أماكن أخرى؟ أوليست
هذه السياسات هي من جعلت قيمة العقار في مدينة كمسقط تفوق قدرة المواطن البسيط
عشرات المرات؟ وهل قامت الوزارة طوال تاريخها بمبادرة اسكانيّة واحدة تخفف من
العبء الذي يحمله المواطن على كاهله نحو توفير منزل يليق به وبأسرته؟ هل عدّلت
قوانين بنك الاسكان بحيث تكون أكثر يسراً وانسيابية بدلاً من الوقوف في طابور لا
يقل عن سنوات ثلاث من تاريخ تقديم الطلب؟ هل تبنّت مشاريع اسكانيّة شبابيّة رائدة
كبناء مجمعات سكنيّة وبيعها أو تأجيرها بأسعار تشجيعيّة؟ هل قامت بعمل محافظ
استثمارية إسكانيّة توفر السكن المناسب بأسعار مناسبة وتحدّ من تغوّل سماسرة
العقارات؟ وهل تدرك الوزارة من الأساس أن الإسكان هو ثالوث اجتماعي لا يقل أهمية
عن التعليم والصحة وبالتالي لابد من اعطاءه أهميّة قصوى لا اختزاله في توزيع أراضي
هنا وهناك، أو بناء بعض المساكن لفئة الضمان الاجتماعي؟
المضحك في الأمر أن الوزارة قد تكون أخذت نفس الرسوم على
ذات الأرض أو العقار من خلال تعاملات سابقة قام بها أشخاص كانوا يملكون هذه
الأراضي أو العقارات.
(2)
كثرة عدد
المطاعم والمقاهي في المدن والولايات، هل هي دليل على رخاء معيشي، أم ثقافة
استهلاكية سلبية؟
أكتب هذا
الكلام، وأنا أرى الانتشار الكبير للمطاعم والمقاهي في الشوارع والحارات والقرى،
لدرجة أنك يمكن أن تلاحظ وجود أكثر من مطعم أو مقهى في بناية واحدة، مع تشابه كبير
في التصميم المعماري، ونوعية الوجبات المقدمة، وسيطرة مطابخ غير عمانية على أصناف
هذه الوجبات.
الغريب أننا
نتحدث عن غلاء معيشة، وجشع بعض أصحاب هذه المطاعم، ولا نتحدث بتاتاً عن ثقافة أكل
سلبية، وعن وجبات منزلية تبحث عمن يقترب منها، ولا تجد سوى صناديق القمامة كمأوى
لها.
نحتاج إلى إعادة النظر مرات عديدة في
ثقافتنا الاستهلاكية، وسنجد بعدها أن كثيراً من ميزانياتنا الشهرية تذهب في بنود
كمالية ليست لها تلك الدرجة من الأهمية، وكان من الممكن استغلالها في أشياء أكثر
أهمية وجدوى.
(3)
كنت حاضراً قبل فترة
قريبة مناسبة اجتماعيّة لأحد أقاربي، وبينما كنت أساعد أصحاب المناسبة في عملية
توزيع الطعام على
الضيوف هالني حجم الطعام المتبقّي، والذي تفوق كمياته عدد المدعوين وحاجتهم إليه ،
وهالني أكثر أن ما تبقّى من الطعام سوف
يرمى لأن الوقت متأخر، ولأنّه لا توجد طريقة للتصرّف فيه.
تذكرت وقتها عشرات المناسبات الاجتماعيّة
المشابهة التي يهدر فيها كثير من الطّعام نتيجة سلوكنا وعاداتنا،
ورغبتنا في الحفاظ
على موروثاتنا المتعلّقة بالجود والكرم، ورغبتنا كذلك في التميّز عن الآخرين في
هذا المجال. تذكّرت كذلك أنّ هناك كثير ممّن هم بحاجة إلى هذا الطعام المهدر، وقد
لا تسمح كرامتهم بتسوّله.
في وسط زخم المبادرات
الاجتماعيّة التي أسمع عنها كل يوم، والتي تعدّ مؤشراً ايجابيّاً على تفاعل أبناء
المجتمع مع ثقافة العمل التطوّعي، وترسيخ
قيمة التكافل الاجتماعي، أتمنى أن أجد مبادرة يتبنى أصحابها الاستفادة من الأغذية
غير المستغلة والفائضة من المصادر
المختلفة كالفنادق والمطاعم والمناسبات الاجتماعية المختلفة، أو حتى من الأشخاص العاديين، بحيث يكون هناك عنوان معين لأصحاب
هذه المبادرة يستطيع الفرد أو الجهة الاتصال بمندوبها لكي يأتي لاستلام الفائض من الطعام لإعادة
تجهيزه بطرق صحية وتوزيعه على الأسر الفقيرة والمحتاجة.
(4)
أمن غائب، وأوضاع اقتصادية واجتماعية متردّية،
وسجالات ومناوشات فكريّة عقيمة هنا وهناك. البلد
التي أنجبت رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وسعد زغلول وحسن البنا ومصطفى النحاس وجمال عبد
الناصر والسنهوري باشا، عاجزة حتى الآن عن تدارك أمورها وتصحيح مسارها، وتعديل أوضاعها.
ترى ما
الذي يحدث في مصر؟
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.