مشاهد وتساؤلات
(14)
(1)
بعد ثلاثة وثلاثون عاماً من تجربة الشورى العصريّة في
السلطنة، وبعد الصلاحيات التي
أعطيت لمجلس عمان، والتي تؤكد على الإرادة السامية في دفع
وتطوير مسيرة الشورى بالسلطنة، يلحّ سؤال مهم : هل يعي كثير من أعضاء مجلس
الشورى أنّهم يمثّلون
المجتمع ككلّ لا ولاياتهم فحسب، وأن أساس عملهم يتمثّل في الرقابة على أعمال
السلطة التنفيذيّة، وفي مناقشة التشريعات المختلفة، واقتراح تشريعات يمكن أن تغيّر
كثيراً من الواقع الحالي في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة، وأن
تغيير جانب من هذا الواقع مرهون بمدى قدرتهم على صياغة قوانين تتناسب والظروف
الوقتيّة والمجتمعيّة الحاليّة.
وهل ما زالت نظرة المجتمع إلى المجلس
تنحصر في أعمال هي في الأساس من صلاحيات المجالس البلديّة وجهات التخطيط المختصّة كالمطالبة
بإنشاء طريق معيّن، أو افتتاح مدرسة في قرية من قرى الولاية، أو مرافقة أحدهم
لمقابلة مسئول ما، أو غيرها من الأعمال المشابهة.
يبدو أن المشوار ما زال في اوّله،
وأنّنا ما زلنا بحاجة إلى عمل دؤوب كي نقتنع كمجتمع بأهمية هذا المجلس في الحياة
السياسية والاجتماعية، وبالتالي وجود حرص كبير، ورغبة ملحـﱠــة في تفعيل أعماله
بالشكل الايجابي، والوصول إلى ما يسمى (بثقافة الانتخاب)، وهذا يعني الاختيار الجيّد للمرشحين،
والمفاضلة بين البرامج الانتخابية المطروحة.
يستلزم الأمر تحولاً مجتمعياً ندرك أنه لن يأت بتلك السهولة، بل هو بحاجة لشيء من
الحراك الفكري المتواصل، ومراجعة دقيقة للتجارب الحالية والسابقة، ولبرامج
انتخابية متوافقة مع الواقع السياسي والاجتماعي للمجتمع، ولأشخاص لديهم رصيد من
الرضا والتقدير في المجتمع.
إنشاء برلمانات طلابية مصغّرة، واتحادات
طلبة في المدارس والجامعات، وإنشاء وتفعيل النقابات والجمعيّات المهنية
والمجتمعيّة، ووضع مناهج تعنى بالتربية الوطنية أو المدنية، وتفعيل دور المجالس البلدية
في الولايات، من بين الأمور التي من شأنها أن تأتي بهذا التحول المطلوب.
هل سيأتي
اليوم الذي سنجد فيه الناس تتوافد على طوابير الانتخابات منذ الصباح الباكر رغبة
في اختيار مرشّح يحمل برنامجاً حقيقياً يعتقدون أنّه سيحقّق شيئاً من آمالهم الحياتيّة، أو يحلّ شيئاً من مشاكلهم
المجتمعية؟
(2)
لا
يكاد يمرّ يوم دون أقرأ شيئاً عن نشاط فكري أو رياضي أو اجتماعي لشباب ولاية نخل،
بل إن الأمر تعدّى موضوع تنظيم بطولة كرويّة معيّنة، أو بناء مرفق حيوي، أو القيام
بحملة توعويّة ما، ليصل إلى تأسيس شركة أهليّة تعنى بالاستثمار في مجالات
اقتصاديّة متنوعة في دليل واضح على مدى الإرتقاء بثقافة العمل التطوّعي، بحيث
تستوعب أكبر قدر من أبناء الولاية في عمل مؤسساتي منظّم، وتحقق عائداً يضمن
الديمومة والاستمرارية للأفكار والمشاريع الأخرى.
ما أثار استغرابي هو عدم وجود نادي بهذه
الولاية العريقة، والتي عرفت على امتداد تاريخها بظهور أجيال من العلماء والمؤلفين
في مختلف المجالات، بالرغم من وجود شباب متعطش إلى إقامة مثل هذه الفعاليات، ووجود
فرق أهلية كثيرة تدار بجهود شخصية من قبل القائمين عليها.
دعوة لإعادة
النظر في خريطة النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي في السلطنة.
(3)
تراه منكوش الشعر، (محزﱠق) البنطلون،
مكشوف الصدر، ولا مانع من وجود بعض السلاسل أو الأساور في معصم اليد، وحبّذا لو
صاحب المشهد سيارة رياضية ينبعث منها صوت موسيقى غربية صاخبة.
المشهد ليس مستوحىً من فيلم أجنبي، ولا من
قصاصة مجلة أزياء غربية، بل هو لشباب عماني يمكن أن تصادفه في مدرجات الكرة،
أو شواطئ البحر، أو في المجمعات التجارية. شباب ربما لم يجد من يقول له إن مظاهر
الرقي والتمدن لا ترتبط دائماً بالتخلي عن العادات الأصيلة، وأن الزيﱠ
العماني الأصيل ليس مقترناً بالتخلف، وأن التحضّر يرتبط بمدى قدرة الفرد منا على
الإنجاز والنجاح في تكوين الشخصية الفاعلة التي تضيف للمجتمع، وتحافظ على مكتسباته،
وليس في محاكاة الآخرين.
لم يأت
اختيار أجدادنا لهذه الأزياء والملابس الأصيلة عن عبث أو مصادفة. أبسط ما يمكن
قوله أنها تتناسب مع طبيعة البيئة المكانية التي نقطن بها، عدا عن أنها تتميز
بالبساطة والاحتشام وعدم التكلف.
(4)
وأنا أتنقّل بين المقاطع المتنوعة
التي يحتويها موقع (اليوتيوب) الشهير لفت نظري وجود سلسلة وثائقيّة تاريخيّة عمانيّة
بعنوان (ذاكرة الأجداد)، تحوي لقاءات يجريها الصديق الشاعر أحمد بن هلال العبري مع
عدد من كبار السن من أبناء ولايته (الحمراء) يتحدثون عن كثير من الجوانب السياسيّة
والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي عايشوها خلال مسيرة حياتهم المختلفة.
المشروع من إشراف فريق (الصمود)
بولاية الحمراء، ويهدف لرصد التاريخ الشفهي من كبار السن، وهناك خطّة لتحويله إلى مواد
ورقية مطبوعة لتمكين الباحثين من الاستفادة منها في دراساتهم ومشاريعهم البحثيّة
في ظلّ شحّ كبير في مصادر المعرفة التاريخيّة، وبالأخص في مجال التاريخ غير
المكتوب بعد أن رحل كثير من رموز وعلماء البلد ورجالاتها بدون أن يفكّر البعض في
تأريخ سيرهم وشهاداتهم على العصر، كما أنّها يمكن أن تشكّل مرجعاً للأجيال القادمة
لمعرفة أساليب الحياة، والظروف المعيشية التي واجهها أولئك الأجداد، وتزوّدهم
بكثير من القيم التي يحتاجون إليها في ظل تحدّيات العولمة التي بدأت تقضّ بعضاً من
أركان الهويّة للمجتمع.
ما شدّني في المشروع كذلك مدى الوعي
الذي وصل إليه أعضاء الفريق في وقت أصبح البعض يحصر فيه دور الأندية والفرق
الأهليّة في لعبة واحدة فقط، ولعدد محدود من الأفراد.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.