أكتب
هذا المقال بعد ساعة من البيان الأول للجيش والذي أمهل فيه كافة القوى السياسية
مدة 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب،وإلا فإنه سيقوم بالتدخل ورسم خارطة طريق
للمستقبل. أكتبه إجابة على سؤال طرحه عليّ صديق عزيز ونحن نتابع سوياّ تغطية
إعلامية لمجريات الأحداث في مصر: لماذا فشل مرسي؟
فشل
مرسي لأن جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة التي ينتسب
إليها استعجلت جني ثمار 80 عاماً من العمل الدعوي والسياسي ، فآثرت النزول إلى
معترك العملية السياسية، ولم تقم بدراسة الوضع بشكل مناسب من كافة النواحي في ظل
أوضاع اقتصادية متردية، وتركة ثقيلة خلفها لهم النظام السابق الذي مارس تفتيت
مفاصل الدولة وتجريف ممتلكاتها العامة على مدى ثلاثين عاماً متواصلة، فكانت
النتيجة حرباً شعواء، وتآكلاً من رصيد ضخم بنوه بنشاطهم الدعوي
والإجتماعي،وبتضحيات الكثير من أفراد الجماعة.
فشل
مرسي لأن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة إصلاحية وليست ثورية،
وهاجسها الأهم هو إظهار نفسها بمظهر السلمية المبالغ فيها في بعض الأحيان، لدرجة
حرق مقارها ومقتل عدد من كوادرها دون احتجاج حقيقي من قبل قياداتها، لذا فلم تقم
الجماعة ممثلة في الرئيس كسلطة منتخبة في تفعيل محاكم الثورة، أو اتخاذ اجراءات
حاسمة تجاه بعض الفئات التي ظلت تعبث في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلد طوال
عام كامل من حكمهم.
فشل مرسي لأنه لم تكن له رؤية واضحة تجاه الأداء
الحكومي، فكان يحاول إرضاء كافة الأطراف، والظهور بمظهر القائد الأبوي الطيب
المسالم، لذا فلم يحرك ساكناً تجاه ضعف الحكومة وضعف أدائها وافتقارها إلى الحزم
الواجب والكفاءة المطلوبة رغم توفر أصحاب الكفاءات، والدليل أن معظم أعضاء هذه الحكومة
يقومون الآن بالقفز من السفينة برشاقة القرود إظهاراً لشو إعلامي وهمي.
فشل الرئيس لأنه لا يملك من أدوات الحكم سوى مقر
الرئاسة، فالشرطة مشغولة بمحاولة إعادة بناء نفسها وتشكيل كيانها بعد الضربة التي
تعرضت لها في ثورة 25 يناير،والجيش مستقل بذاته في ظل قيادة إسمية للرئيس عليه،
والقضاء يناكف الرئيس في كل القضايا المهمة كالانتخابات البرلمانية والدستور
والمجالس النيابية وغيرها، والإعلام يمارس نقده الجارح بشكل يومي وكأن الرئاسة هي
أضعف سلطة موجودة في البلد.
فشل الرئيس لأنه واجه معارضة غير فاعلة أو ايجابية من
قبل عدد من أصحاب الأحزاب الكرتونية التي تشكلت قبل أو بعد الثورة، والتي لم يكن
لها ثقل سياسي حقيقي، أو بمعنى آخر كانوا كمالة عدد لديكور ديمقراطي وهمي، معارضة
يعارض أغلب رموزها إما لأجل المعارضة، وإما كرهاً في الإخوان ورغبة في إسقاطهم، في
ظل عدم مقدرة هؤلاء الرموز على كسب قاعدة شعبية حقيقية في الشارع بسبب تواجدهم
الدائم خلف المنابر الإعلامية، وبالتالي فإن نجاح الرئيس يعني نجاحاً أكبر، وشعبية
أكثر له ولحزبه وجماعته، فالحل السهل هو استغلال الظروف الإقتصادية والاجتماعية
السيئة كحل مثالي للمعارضة والضغط على الشارع لخلق صورة ذهنية سلبية عن أداء
الرئيس وجماعته، وبالتالي تناقص شعبية الجماعة، وفرض أنفسهم كممثلين مستقبليين عن
الشعب، لذا فلم نستغرب سكوت هذه المعارضة على الكثير من الملفات التي كانوا
يطالبون بإصلاحها أو تطهيرها كالاعلام والقضاء وقانون العزل السياسي، بل ذهبوا إلى
أبعد من ذلك بتحالفهم مع كافة الجهات التي دخلت في صراع علني مع الرئاسة، وأخيراً
وضع هؤلاء أيديهم في يد خصمهم السابق المتمثل في فلول الحزب الوطني، بل وطالبوا
العسكر بضرورة التدخل والحسم وهم الذين وقفوا ضده في المرحلة الانتقالية السابقة.
فشل الرئيس لأنه واجه إعلاماً شرساً منذ بداية ترشحه
للرئاسة، إعلام حاول على مدى عام كامل النيل منه بشكل سافر متطرف يوحي بوجود حملة
منظمة لذلك، وهوأمر غير مستغرب إذا ما علمنا أن أغلب المؤسسات الإعلامية الخاصة
مملوكة لقيادات بارزة في الحزب الوطني المنحل، كما أن رموز الإعلام الذين يديرون
الحرب ضد الرئيس حالياًَ هم من المنتسبين أو المتعاطفين مع ذلك الحزب خلال المرحلة
السابقة، بل إن بعضهم كان عضواً في حملة الرئيس السابق الإنتخابية، والبعض الآخر
كان عضواً في لجنة السياسات التي كانت تدير البلد، وبعض آخر كان ضمن ملف التوريث
لجمال مبارك، وكانت دموع أغلب هؤلاء حاضرة عند تنحي مبارك، فمالذي يجعلهم الآن
ثوريين ومطالبين بالحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية؟
فشل مرسي
لأن بعض مرشحي الرئاسة السابقين استكثروا عليه أن يكون رئيساً، فقاموا طوال عام
كامل بمحاربة كافة الخطوات التي يقوم بها، والتقليل من مدى نجاحها، ومحاولة إظهاره
بصورة الفاشل، بالرغم من أن أحد هؤلاء، وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كان إلى
فترة قريبة قيادياً بارزاً في جماعة الإخوان المسلمين، والدليل على هذه الحرب
المطالبة الدائمة والمستمرة بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وهو طرح تم تبنيه من
قبل بعض هؤلاء المرشحين منذ الشهور الأولى لتولي مرسي السلطة.
فشل مرسي لأن
الثورة لم تتخلص بعد من تأثير بقايا النظام السابق في كل الأجهزة والمؤسسات بالرغم
من أن بعض رموز هذا النظام يقبعون حالياً في السجون، ولكن مازال أتباعهم
والمستفيدين من العهد السابق يتصرفون بحرية في المشهد السياسي من خلال اللعب على
مشاعر بعض الفئات المجتمعية، والاستفادة من عدم تحقيق النتائج التي وعدت بها
الثورة، وهذا النظام يسيطر على مفاصل مهمة في الدولة كالإعلام والقضاء والإقتصاد
وغيرها، وما شجعهم على ذلك هو وجود غطاء سياسي لهم في الفترة الأخيرة من قبل بعض
قوى المعارضة نكاية في الإخوان، وتمهيداً لزوال حكمهم.
فشل مرسي لأنه واجه معارضة خارجية من بعض الدول والجهات الخارجية خوفاً من تصدير فكرة الثورة وانتشار الفكر الإخواني في هذه الدول، وبالتالي التمهيد لمد إخواني قادم بعد نجاح هذا الفكر في الدول العربية التي قامت بثورات الربيع العربي كتونس وليبيا ومصر.
فشل مرسي لأنه واجه معارضة خارجية من بعض الدول والجهات الخارجية خوفاً من تصدير فكرة الثورة وانتشار الفكر الإخواني في هذه الدول، وبالتالي التمهيد لمد إخواني قادم بعد نجاح هذا الفكر في الدول العربية التي قامت بثورات الربيع العربي كتونس وليبيا ومصر.
لكل الأسباب السابقة وغيرها أصبح مرسي مثل قائد سفينة لا يحسن
القيادة، لذا فليس من الغريب أن تجنح السفينة أو أن يصيب العطب بعض أجزائها. قالها
الملك فاروق لمحمد نجيب وهو يغادر مصر إلى منفاه: "ليس من السهل حكم مصر"، وقالها
سعد زغلول قبله"مفيش فايدة".
د.محمد
بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.