الاثنين، 22 أبريل 2013

"عذراً عزيزي المسئول"


"عذراً عزيزي المسئول"

" قبلَ فترة تلقيتُ اتصالاً من "سكرتِيرة" مسؤولٍ برتبَة سعادة .. أبلغني بأن أتوقّف عن الكتابَة في أمُور "لا تخصّني" ثمّ أعقبت قائلة: سعَادته يقولُ لك اكتبي مثلاً في التدخِين! ثمّ أعقبت: ويقولُ ركّزي على عملكِ ..في حقيقة الأمر لا يعرفُ الرجلُ أني حصلتُ لعامين متتاليين على تقييم Out Standing في شركتيْ".

كلمات مؤلمة قرأتها بالأمس للكاتبة المعروفة (عائشة السيفية) على صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) تتحدث فيها عن تجربة شخصية مع أحد المسئولين الذين ضاق ذرعاً بما تكتبه، فأرسل (وسيطاً) كي يقول لها إن ما تكتبه لا يعجب سعادة المسئول، وأن عليها أن تغير من نمط كتابتها فتأخذ موضوعات أخرى قد لا يراها (سعادته) مهمة كالتدخين، ولا بأس أن تتناول موضوعات أخرى كأهمية الماء في حياة الانسان، أو أثر الأمطار في تنمية الزراعة، وغيرها . يعني من الآخر بلاش تكتبي في السياسة.

ومع إنني قارئ نهم لكل ما تكتبه عائشة، إلا أن ذلك لم يمنعني من الرجوع لمدونتها "حرية بثمن الخبز"، وإعادة قراءة مقالاتها السابقة علني أجد تطاولاً أو نقداً غير مقبول، أو حقائق مغلوطة تضمنتها هذه المقالات، فلم أجد سوى مقالات متوازنة تعبر عن واقع نعايشه، وتحمل وجهة نظر شخصية يتوجب علينا احترامها مهما اتفقنا أو اختلفنا مع صاحبها.

 بداية علي أن أعترف بأن هناك كثيراً من المسئولين الرائعين الذين يضربون مثلاً جميلاً في الإدارة وتحمل المسئولية، جاعلين لأنفسهم شعاراً مهماً ألا وهو(قليل من الكلام.. كثير من العمل)، ولكن هذا الأمر لا يعني أن نتجاهل ما حدث، أو أن نعتبره حادثاً فردياً يمكن تجاوزه، فمكمن الألم لدي فيما حدث هو أن أمراً كهذا يحمل أبعاداً خطيرة، فالمسئول (أياً كان) هو شخص (يفترض) أن يكون قد تم انتقاءه بناء على معايير وظيفية مهمة كالخبرة والكفاءة والقدرات والامكانات الشخصية التي تميزه عن الآخرين، وبالتالي لم يكن ليتولى منصباً يحمل لقباً اجتماعياً رفيعاً لولا تلك المواصفات. شخص كهذا يفترض أن يكون على قدر كبير من تحمل المسئولية، وأن يدرك أنه أصبح شخصية عامة معرض للنقد حاله كحال بقية الشخصيات المشهورة مادام قد ارتضى لنفسه أن يكون في هذا المكان.

 ما حدث يعني أن (بعض) مسئولينا يضيقون ذرعاً بأية انتقادات تطال سياسات مؤسساتهم، ولا تعجبهم الكتابات التي تنشر مالم توافق هواهم، والأمر الأخر هو الجهل أو محاولة التجاهل بالمواد التي يتضمنها النظام الأساسي للدولة، والتي من بينها المادة ( 29 ) التي تنص على أن "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكـفوله في حدود القانون"، ومكمن الخطورة هنا هو أنه إذا كان المسئول لا يعي مواد دستور بلده، فكيف لي أن أطلب من المواطن العادي أن يفعل ذلك، ونحن الذين درسنا منذ الصغر أنه" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

هل كانت الدنيا لتقوم لو بادر (سعادته ) بالاتصال الشخصي بالكاتبة دون وسيط، أو عرض عليها تناول فنجان شاي في مكتبه (العامر) كي يوضح لها - أو لغيرها من الكتاب أو الصحفيين - الصورة الصحيحة التي قد تكون التبست عليها عند تناولها لموضوع ما يتعلق بعمل مؤسسته.

وهل يحق للمسئول أن يجعل من نفسه وصياً على غيره، فينصحهم بعمل كذا، أو التفرغ لكذا، أو الكتابة في أمور أخرى يراها هو مناسبة بغض النظر عن رؤية الطرف الآخر. هل يدخل هذا الأمر في حدود مسئولياته ونحن الذين نتحدث دائما عن دولة المؤسسات، ومبدأ انفصال السلطات عن بعضها.  

عزيزي المسئول.. نحن مثلكم نحب وطننا، نحن مثلكم نراه وطناً جميلاً رائعاً ينبغي الحفاظ عليه، ولكن ذلك لا يأتي بمقالات النفاق والمديح وحدها، ونحن لا نغامر كل مرة بدخول أعشاش الدبابير عن حب منا أو رغبة، فما أسهل الكلام الجميل، ولكننا نعي أن هذا الوطن هو ملكنا جميعا، وأننا معاً بحارة في هذا المركب. نحن شركاء لا خصوم، وبدون أفكارنا لن ينهض البلد، وبدون رأينا لن يتقدم كثيراً. فنحن المرآة التي ترون فيها أنفسكم وانجازاتكم.

 لكم علينا أن نشيد بإنجازاتكم متى ما وجدناها، وأن نعرض لتجاربكم الرائعة والتي تنقل البلد إلى آفاق أخرى جميلة. حقكم علينا أن نتأكد من مصدر المعلومة قبل نشرها، لكم علينا ألا نتكلم عن خصوصيات تتعلق بكم، ، وألا ننشر معلومات تسيء إلى شخوصكم الكريمة، فأنتم في النهاية بشر قبل أن تكونوا مسئولين، ولكن حقنا عليكم أن تقدموا لنا المعلومة الصحيحة التي تعيننا على الكتابة، وأن تفتحوا لنا صدوركم وقلوبكم، وأن لا تتبرموا من نقدنا مهما كانت قسوته، وأن تتخذوا من هذا النقد فرصة لمراجعة سياسات مؤسساتكم والوقوف على مكامن الضعف والقوة فيها.

عذراً عزيزي المسئول.. المسؤولية ليست (بشتاً) غالي الثمن، أو شالاً كشميرياً زاهي الألوان، أو مكتباً فخماً يتغير أثاثه كل عام، ولا هي كذلك ابتسامات تزين بها صورتك عبر الشاشات ووسائل الإعلام. المسئولية كذلك ليست بالشعارات أو التصريحات، وهي بالطبع ليست في قص الأشرطة وحضور الفعاليات، ولا في التواجد الدائم في صالات المطارات. المسئولية أعمق من ذلك وأبعد. هي استشعار حقيقي لمعنى الكلمة، وتطبيق حرفي لأبعادها.

عزيزي المسئول.. لا أعلم كيف يمنحك الله القدرة على النوم كل ليلة رغم الأثقال التي تحملها على كتفيك، وكيف يغمض لك جفن وفي قلبك بعض من شك أنك قصرت في خدمة الناس والبلد، أو أن مواطناً يعاني من مشكلة يمكنك حلها.

أشفق عليك. نعم، وأدرك أن وهج السلطة، وحب القيادة ومتعتها لن يسد النوافذ المفتوحة بينك وبين الناس.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.