( حاجة لله )
"سدّد متبرع المبلغ الذي تحتاج إليه أسرة الطفل مسلّم
عبدالله (خمس سنوات ـ عماني ) المصاب بسرطان الدم، لرحلة علاجه في مستشفى سنغافوري،
وقيمتها مليون و395 ألفاً و411 درهماً، كما تكفل آخرون بمساعدته على تذاكر السفر. وأعرب
والد الطفل عن سعادته البالغة وشكره العميق للمتبرعين، ووقفتهم معه في معاناته في ظل
الوضع الصحي الذي يمر به طفله، مشيراً إلى أن هذا الأمر ليس غريباً على شيوخ وشعب وحكومة
الدولة في مد يد المساعدة لكل محتاج على أرضها".
خبر صحفي قرأته قبل أيام في أحد المنتديات المعروفة،
وتأكدت منه من خلال الصحيفة الخليجية التي عرضت للخبر بشكل موسع ، والذي يتناول قصة
معاناة طفل عماني مع مرض سرطان الدم (لوكيميا متعددة)منذ سنتين، ويحتاج إلى زراعة
نخاع عظمي في أسرع وقت ممكن، نتيجة عدم قدرة
أسرته على التكفل بمبلغ علاجه، نظراً للظروف المعيشية الصعبة التي يمرون بها.
خبر كهذا يفتح الباب لكثير من التساؤلات المؤلمة من
أمثلة : أين نحن كحكومة ومواطنين ووسائل إعلام وجمعيات خيرية ورجال أعمال من قضية
هذا الطفل وقضايا أخرى مشابهة؟ وهل عدمت عمان من ثري موسر يتكفل بعلاجه بدلاً من
استجداء الآخرين؟ ولماذا يلجأ البعض منا إلى التسول العلني وعرض مشكلته من خلال منابر المساجد وبعد كل صلاة،
أو استجداء الناس من خلال الملصقات المعلقة على أبواب المساجد والمحلات التجارية
وقرب مكائن السحب الآلي، وما واقع مساهمة رجال الأعمال لدينا في العمل الاجتماعي
التطوعي والمبادرات الإنسانية؟
وإذا ما تركنا
الكلام الإنشائي المكرر عن تكافل الشعب العماني وتراحمه فإننا نتحدث عن كثير من الأغنياء
والموسرين ورجال الأعمال الذين فتحت لهم الأبواب المشرعة نحو تكوين ثرواتهم، سواء بالجهد
الشخصي لدى البعض، أو بممارسة الاحتكار لدى البعض الآخر، أو باستغلال الفرص
الوظيفية أو المكانة الاجتماعية أو القرب من مراكز صنع القرار لدى فئة أخرى من
هؤلاء. إذا ما استثنينا البعض فأين البقية من المبادرات الإنسانية الخيرية، وما مدى مساهماتهم
(الحقيقية) في هذا المجال، وهل هناك تحقيق فعلي لمبدأ الشراكة المجتمعية الفعالة.
ولنطرح السؤال
بشكل آخر : كم عدد الجمعيات الخيرية التي يتبناها الأغنياء لدينا، وكم مركز طبي متخصص
تم التكفل بتجهيزه من قبلهم، وكم مركز
أيتام تمت رعايته، وكم أسرة معوزة تمت كفالتها ، وكم مقعد دراسي جامعي تم توفيره،
وكم بعثة تعليمية تم إرسالها، وكم صاحب ابتكار أو موهبة تم تبنيه، وكم مكتبة عامة
تم انشائها، وكم شارع تم سفلتته، وكم من هؤلاء من يفتح بابه للناس فيستقبلهم
ويستمع إلى مطالبهم ويسعى إلى تذليل الصعاب التي يعانونها في سبيل توفير الحياة
الكريمة لأسرهم، أو فك أزمة يعانون منها.
وقد يأتيك من يقول لك : إنهم يفعلون ولكنهم لا يريدون أن
يفصحون عن ذلك كي لا تضيع حسناتهم هباء. يا عزيزي لم نرهم يكتمون ذلك عندما يتبرعون
لدعم لعبة رياضية معينة، أو لاستئجار حافلة لنقل مشجعي المنتخب، أو لرعاية حفل فني
ساهر، أو في التبرع بعشر جواني أرز في حفل زواج جماعي، أو غيرها من المساهمات التي
لا تشكل أثراً اجتماعياً واضحاً وملموساً. ثم ما العيب أن يتم الافصاح عن وجود مثل
هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية على الأقل من باب تشجيع الآخرين على فعل نفس
الشيء، ومن أجل التعريف بالخدمات التي تقدمها هذه الجمعية أو المؤسسة. نريد مؤسسات
خيرية تشمل الجميع ولا تقصرها على فئة أو جماعة أو طائفة بعينها، نريد مؤسسات
دائمة العطاء، واضحة الاستراتيجية، أهدافها متنوعة، تسعى لإحداث أثر اجتماعي واضح
في المجتمع، وتعمل مع مؤسسات الدولة المعنية في التقليل من الفوارق المجتمعية، وتحقيق
أكبر قدر من العدالة الاجتماعية.
هل أغنياءنا أقل من (بيل جيتس) ومؤسسته التي تهدف إلى تعزيز
الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع؛ وتوسيع فرص التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات،
والتي تجاوزت ميزانيتها الملياري دولار ، أو من (رفيق الحريري) الذي تقوم مؤسسته
الخيرية بمساعدة أكثر من 35 ألف شاب لبناني على التعلُّم في أفضل جامعات لبنان والعالم،
والتي تُقدِّم أيضاً خدمات صحية واجتماعية وثقافية للبنانيين المحتاجين، ناهيك عن تشجيع
الأنشطة الثقافية والأعمال الخيرية للأطفال. وهل هم أقل كذلك من عشرات (الشيوخ)
و(الأمراء) ورجال الأعمال في الدول المجاورة الذين يفتحون أبوابهم للجميع دون تحفظ
، حتى ولو كان من باب الوجاهة.
عزيزي رجل الأعمال.. احتكر كما تشاء. اشتر الأراضي التي
تشير توقعاتك (ومعلوماتك) إلى أهميتها الاقتصادية المستقبلية وبعها بأضعاف سعرها
الحقيقي، احصل على دعم الدولة لمشاريعك بصفتك مواطناً مخلصاً تسعى إلى تطوير
اقتصاد الدولة وازدهاره حتى لو لم يخدم مشروعك المجتمع، وحتى لو كانت أسعار (جامعتك)
أو (منتجعك) هي الأعلى برغم كل الدعم الذي حصلت عليه. ولكن مقابل كل ذلك اجعل في
عينك (حصوة ملح) وتبرع بالفتات ولو من باب إرضاء الضمير. هل لابد أن أجبرك على ذلك
من خلال دفع الضرائب، أو أن أغريك بتخفيضها مقابل القيام بخدمات اجتماعية معينة. وهل
يحتاج العمل الخيري إلى إجبار أو اغراء.
تخيلوا كيف سيصبح حال بلدنا لو تبرع أحدنا بكفالة يتيم،
وقام الآخر ببناء مسكن لمعوز، وتكفل الثالث بمقعد دراسي لمعاق، وقام الرابع بشراء
جهاز طبي يحتاجه مستشفى مدينته، وتبنى الخامس تنفيذ مشروع حيوي عجزت ميزانية
البلدية عن تنفيذه، وغيرها من المشاريع المماثلة. باعتقادي أن تكلفة بعض هذه
الأعمال لا تتجاوز فاتورة غداء لوفد زائر في أحد الفنادق الراقية.
د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com