الثلاثاء، 10 أبريل 2012

أي شريعة سيطبقون؟؟


    تابعت بالأمس القريب على إحدى الفضائيات المصرية لقاءاً مع الدكتور جمال صابر مدير حملة "لازم حازم" وكان يتحدث بحماس منقطع النظير عن وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها في مصر، وهو الأمر الذي جعلهم يؤيدون (الشيخ) حازم صلاح أبو إسماعيل أحد مرشحي الرئاسة المحتملين في مصر، ويدافعون عن برنامجه، لأنه الوحيد – حسب وجهة نظره – الذي قال ذلك صراحة في برنامجه الانتخابي، وبالتالي فهو المرشح الإسلامي الوحيد.

    واطلعت كذلك على تصريحات للمرشح الإخواني المحتمل خيرت الشاطر في اجتماع للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح- الذي هو أحد أعضائها - مع شخصيات تنتمي إلى المدرسة السلفية، والتي أكد فيها على أن تطبيق الشريعة هي هدفه وغايته من الترشح، وذكر بالنص أن "الشريعة كانت وستظل مشروعي وهدفي الأول والأخير".

وأضاف الشاطر في تصريحات نشرت في بيان صدر عن الهيئة "سأعمل على تكوين مجموعة من أهل الحل والعقد لمعاونة البرلمان في تحقيق هذا الهدف".

 وحاولت من خلال بحثي في موقع (الشاطر) الالكتروني أو من خلال موقعي حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين أن أجد نفياً أو توضيحاً أو حتى مجرد تبرير لهذا التصريح فلم أجد، علماً بأن الحزب والجماعة قد صرحوا عشرات المرات أنهم يسعون إلى إنشاء دولة مدنية بمرجعية دينية، وهي العبارة التي عجزت عن إيجاد تفسير واضح لها، وعلماً بأن خيرت الشاطر نفسه قد صرح لجريدة (واشنطن بوست)، ولبرنامج (بلا حدود) التي تبثه قناة الجزيرة قبل بضعة أشهر بأنه مع قيام الدولة المدنية ضمن تصريحات عدة لعل من بينها نفيه القاطع لنية الجماعة في الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر .

وهذه التصريحات من وجهة نظر الدكتور نبيل عبد الفتاح، رئيس مركز الدراسات التاريخية والاجتماعية بالأهرام تدل على جمود العقل الفقهي والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين، معللاً رأيه أن طرح الشاطر يعنى خلق ازدواجية بين مؤسسات الدولة المنتخبة التمثيلية، وبين هيئة تكون لها الولاية تحت مسمى وشعار الدور الاستشاري، بينما يراها الدكتور مصطفى اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة، "محاولة للقفز فوق الأطر الدستورية والقانونية المتعارف عليها في مصر منذ عشرات السنين، من أن المرجعية الدينية هي مرجعية روحية ليس لها علاقة بالسياسة".

وفي الحقيقة فإن هذه التصريحات التي تنادي بوجوب تطبيق الشريعة ليست بالجديدة، بل سبق طرحها في العديد من اللقاءات الفكرية الخاصة ببعض التيارات الإسلامية، ونادت بها شعارات ولافتات كثيرة رفعت في أكثر من جمعة مليونية شهدتها العاصمة المصرية، وهي تطرح تساؤلاً مهماً ألا وهو : أي شريعة تتحدث بعض التيارات الإسلامية عن تطبيقها؟
لست ضد تطبيق الشريعة الإسلامية، أو العمل بها، بل على العكس من ذلك، فأنا أجد في تطبيقها الصحيح حلاً لكثير من المشاكل المتفاقمة، وما الأوضاع السيئة التي يعيشها العالم الإسلامي في القرون الأخيرة إلا نتاجاً لابتعادنا عن تطبيق تعاليم هذه الشريعة السمحة، ولكن السؤال المهم الآخر الذي يتبادر إلى الأذهان هو: كيف ومتى يتم تطبيق الشريعة في بلد متعدد الأديان والطوائف والثقافات؟ وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة يرزح تحتها قطاع كبير من الشعب المصري؟

من السهل أن يتولى أحد التيارات الإسلامية مقاليد الحكم في مصر، ويعمل على تطبيق تعاليم الشريعة بحذافيرها، كما فعل الرئيس السوداني جعفر النميري في أواخر حكمه بعد تحالفه مع حسن الترابي ، وهي تجربة كشف التاريخ بعد ذلك عن فشلها الذريع وخلفت أحقاناً وإحناً كثيرة ما زال السودان يقاسي مرارتها حتى الآن، ولكن هل يمكن لهذه التجربة أن تنجح، وأن تحقق أهداف الثورة التي بذل الشعب المصري من أجلها الكثير من التضحيات؟
 
برأيي أن مصر لا تريد الآن مرشحاً يتحدث عن وجوب تطبيق الشريعة وإقامة شرع الله بقدر ما تريد مرشحاً يقدم لها رؤية شاملة لمصر العصرية المتقدمة، ويخطط لإقامة مشروعات تنموية في مختلف المجالات تسهم في إخراجها من كبوتها، وتعيدها إلى سابق مجدها، فمشكلة مصر في الوقت الحالي لا تكمن في تطبيق الشريعة، ولكن في وجود مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية مختلفة، ليس أقلها وجود فوضى سياسية خلاقة، وعدم وجود عدالة في توزيع الدخل، وتآكل الطبقة الوسطى لصالح الطبقتين الأخريين، ووجود تطرف فكري لا يقتصر على أتباع فكر بعينه، ونظام تعليمي سيء، وانتشار البطالة والجريمة والفوضى في الشوارع، وفي ظل وجود أزمة مالية خانقة تتمثل معطياتها في وجود حوالي خمسة ملايين عاطل عن العمل، ووجود عجز في الموازنة وصل إلى حدود 150 مليار جنيه في السنة المالية الحالية، وارتفاع الدين العام إلى حوالي تريليون جنيه، وانخفاض الاحتياطي المعلن لدى البنك المركزي من 36 مليار دولار إلى 18 مليار دولار خلال عام واحد، وانخفاض نسبة الإشغالات في الفنادق إلى حوالي 10%، وفي ظل تخرج حوالي 800 ألف طالب سنوياً من الجامعات والأكاديميات والمعاهد المختلفة.

إن إقامة الشريعة لا تأتي فقط بتطبيق حدودها المختلفة، من قطع ليد السارق، ورجم الزاني، وقتل المرتد، وتعزير شارب الخمر، وغيرها من الحدود المختلفة، ولكنها تأتي من خلال العمل على توفير الظروف التي تجعل الآخرين لا يقومون بهذه الأفعال، فالسارق غالباً ما كان له ليسرق لو وجد فرصة عمل مناسبة، أو أحس بشيء من التكافل الاجتماعي، والبلطجي ما كان له أن يكون كذلك لو وجد جواً مناسباً من العدالة الاجتماعية، والمرتشي ما كان له ليرتشي لولا ضعف الأجور وغلاء المعيشة، وإحساسه بالظلم المجتمعي، فالظروف المجتمعية الغير سوية هي من تسهم في إفراز أمثال هؤلاء، لذا فإن تطبيق الحدود عليهم لمجرد ارتكابهم لمخالفات شرعية معينة ليس حلاً مناسباً للمشكلة، ولن يكون هو السبيل المناسب للنهوض بالبلد من مشاكله المختلفة، فالأولى والأهم هو أن تقدم البديل المناسب الذي يجعل هؤلاء يشعرون بقيمتهم في ظل مجتمع يطبق شعار المساواة الاجتماعية دون تمييز، تكفله قوانين راعية للحريات الشخصية، وتتوافر فيه فرص العمل والنجاح للكل، ويميزه نظام تعليمي يتناسب وروح البلد الجديدة وتطلعاتها المستقبلية.

إن جماعة كبيرة ومنظمة كالإخوان المسلمين بما تملكه من قدرات تنظيمية وكوادر مدربة في مختلف المجالات وتأييد شعبي لقادرة على أن تضع مشروعاً حضارياً مناسباً يمكن أن ينهض بمصر في الفترة القادمة، في ظل اهتمام التيارات الأخرى بالشو الإعلامي، والركون للتنظير والتأطير دون وجود أفعال حقيقية، ولكن هذا يستلزم من الجماعة أن تستفيد من أخطاء الماضي، وألا تحشر نفسها في معارك كلامية وهمية مع جبهات أخرى كالمجلس العسكري، وألا تسعى إلى سياسة المغالبة و(التكويش)، أو مغازلة التيارات الإسلامية الأخرى بضرورة تطبيق الشريعة لمجرد كسب التأييد، فالتركة ثقيلة، والحمل كبير، والتحديات كثيرة، والفرصة الآن سانحة لكي يقنع الإخوان الشعب المصري بنتاج تجربة 80 عاماً من العمل السري المنظم، فالفرص الذهبية لا تتكرر كثيراً.



د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.