قائمة المدونات الإلكترونية
السبت، 28 أبريل 2012
الخميس، 26 أبريل 2012
مشاهد وتساؤلات
(1)
تشير إحصائيات الإدارة العامة للمرور إلى حدوث (156) حادث سير خلال الأسبوع
الماضي فقط، نجم عنها (31) حالة وفاة ، و(215) حالة إصابة مختلفة .
كما تشير الإحصائيات إلى أن عدد الوفيات خلال العام الماضي فقط
قد بلغت (1056) حالة، وتجاوز عدد المخالفات المحررة في نفس العام (2.5) مليون مخالفة، وأن تجاوز
السرعة المحددة كانت وراء معظم هذه المخالفات المحررة .
أرقام
مخيفة، وواقع مأساوي، وبرغم كل الجهود المبذولة على كافة المستويات في الدولة، إلا
أن الأعداد في تزايد، والمشكلة ما زالت تراوح مكانها.فما الحل؟
لن تنفع كل وسائل التوعية المختلفة بدون التطبيق الصارم
والشامل للقانون، وبالمناسبة، ففي الدول الاسكندنافية كانوا يعانون من مشكلة كثرة
حوادث السيارات، فما كان من الحكومات هناك إلا أن فرضت غرامات رهيبة على المخالفين
لقواعد المرور، وكانت النتيجة أن الحوادث قد قلت بنسبة 70%
(2)
سألني صديقي
الطبيب العربي المقيم بالسلطنة وهو يضع يده على قلبه: سمعنا أن هناك منخفضاً جوياً
آخر سيقترب من أجواء السلطنة خلال الأيام القادمة، فهل هذا صحيح؟ قلت له وأنا
أبتسم: أتمنى ذلك، على الأقل سنستمتع قليلاً بالأجواء الباردة الممطرة وسنلحق على
الصيف وجوه الحار الذي لا يكاد يطاق أحياناً.
رد علي: في عمان ليست المشكلة في المطر، ولكنها تكمن
فيما بعد هطوله، وأردف بعدها كثيراً من الكلام حول تجمعات المياه، وضعف آليات
تصريفها، مما يسبب مشاكل بيئية وصحية متعددة.
ليست المرة الأولى
التي ينزل فيها المطر، وليست كذلك المرة الأولى التي تمتلئ فيها الشوارع والأزقة
والحارات بالمياه وتجمعات البرك، ونفس الظواهر والملاحظات تتكرر كل مرة، مما يفقد
الكثيرين حلاوة الاستمتاع برحمة السماء، ويجعلهم يتمنون لو لم تهطل تلك الأمطار.
ماذا سيحدث لو قامت الجهات المعنية بدراسة شاملة لأوضاع
الشوارع والحارات وأماكن تجمع المياه في كل ولاية أو قرية، ووضعت خطة زمنية محددة
لمعالجة الأوضاع التي بحاجة إلى صيانة أو تعديل بشرط ألا تكون معالجات سطحية سرعان
ما تتلاشى مع أول زخة مطر قادمة.
يبدو أننا سنتحدث كثيراً عن إدارة الأزمة.أتمنى أن تكون
هذه القضية من أولويات المجالس البلدية القادمة.
(3)
في كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار عن إقامة الندوة العالمية
الفلانية، أو تنظيم الملتقى الدولي العلاني، أو عقد الورشة الاقليمية الترتانية.
ونطالع كذلك أخباراً يومية مشابهة عن زيارات خارجية لوفود محلية من مختلف
الجهات تجوب دول العالم للمشاركة في بعض المحافل أو الاطلاع على بعض التجارب في
مجال عملها.
مبالغ طائلة تصرف على هذه الفعاليات والزيارات من مصاريف إقامة وتغذية
وحفلات استقبال ووداع وزيارات سياحية متنوعة وهدايا تذكارية وبدلات نقدية ومصاريف
نثرية ....ألخ.
لست ضد إقامة مثل هذه الفعاليات المتنوعة، ولست كذلك ضد إرسال الوفود
للمشاركة في الملتقيات العالمية المختلفة، بل على العكس من ذلك، فأنا أرى فيها
فرصة للإطلاع على تجارب الآخرين، واكتساب الخبرات المفيدة، وتعريف بالواجهة
الحضارية للبلد.
ولكن يبقى السؤال المهم: هل نحن بالفعل نستفيد من كل هذه الفعاليات بقدر ما
نصرفه عليها من مبالغ طائلة، وأوقات عمل مستقطعة؟مجرد تساؤل.
(4)
استوقفني بالقرب من فرع لأحد
البنوك العاملة بالسلطنة. شيخ سبعيني العمر، كان بالكاد يستطيع المشي بمساعدة عصاه
التي كانت أكثر كهولة منه.طلب مني بكل أدب أن أوصله إلى بيته إن كان طريقي يمر به.
رأيت في عينيه وملامح وجهه الكثير من الهم والألم، الأمر الذي جعلني أبادر
بسؤاله: ما بك يا عمي،أراك مهموماً ومتضايقاً. خيراً إن شاء الله. رد علي : ماذا أقول
لك يا ولدي، لا يعلم الحال إلا صاحب الحال، قطعوا الكهرباء عن البيت، ولا يوجد لدي
ما أقوم بدفعه حالياً، وراتب تقاعدي يحين موعد استلامه بعد أسبوع، وقد ظللت ساعة
كاملة أترجى موظفة البنك أن تسمح لي بأن أقتطع منه مقدماً ما أستطيع به أن أسدد
الفاتورة، ولكنها رفضت سامحها الله. ماذا سيحدث لو أعطتني ولو عشرين ريالاً على أن
تقوم بخصمها فيما بعد، فراتبي ينزل معهم، ولا أملك بطاقة سحب إلكترونية، وهم لديهم
من الوسائل ما يجعلهم يسترجعون المبلغ المقتطع في أي وقت.
أوصلته للمكان الذي يريد وهاجسي يردد نفس ما قاله الشيخ الطاعن في السن:
ماذا سيحدث لو قامت تلك الموظفة (العمانية) بإعطائه المبلغ الذي طلبه؟ نعم هناك
قوانين إدارية قد تحتم عليها رفض ذلك،ولكن.. هناك قوانين إنسانية وأخلاقية أخرى تحثها
على فعل العكس.
(5)
أعلنت بعض البنوك المحلية مؤخراً عن تخفيض نسبة الفائدة على القروض السكنية
إلى ما دون 5%، وصاحب هذا الإعلان كثيراً من التهليل والتطبيل والحديث عن دور تلك
المؤسسات في التخفيف عن هموم المواطن ومشاكله.
وبرغم تأكدي وتيقني من أن الأمر لا يعدو برمته أكثر من (شو إعلامي)، وبأن
الشروط والبنود المرافقة لهذا الإجراء، والمرفقة بطلب القرض، والمكتوبة بخط لا
يكاد يقرأ سوى بالمجهر، والتي في الغالب لا يقرأها كثير منا، تجعله لا يختلف عن
بقية القروض، إلا أن تساؤلي البديهي والذي يسأله العديد من عملاء تلك البنوك هو:
إذا كانت تلك البنوك تهدف بالفعل إلى التخفيف عن عملائها المقترضين فلماذا يقتصر
تطبيق هذا الإجراء على أصحاب القروض الجديدة، بينما لا يشمل زبائن البنك السابقين
والذين أكملوا سنوات عدة وهم يكتوون بنيران الفوائد المرتفعة والتي تتجاوز 7%؟
أوليس من الأولى أن يكون هؤلاء هم المستفيد الأول من هذا القرار خاصة وأنهم
قد اختاروا تلك البنوك في وقت لم تكن فيه تلك النسبة من الفائدة موجودة،أم أن
البنك ليس لديه الوقت أو الاستعداد، أو بالعامية (ما فيه بارض) لكي يقوم بإعادة
جدولة ديون العملاء السابقين كما همس لي بذلك أحد المختصين في مجال الأعمال
المصرفية.
كفى البعض ضحكاً على الذقون.
د.محمد بن
حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
الثلاثاء، 24 أبريل 2012
الأربعاء، 18 أبريل 2012
الاحساس نعمة
قرأت هذه العبارة لأول مرة في القاهرة قبل بضعة سنوات. كان صاحبها قد كتبها
على مدخل موقف سيارته في ذلك الشارع الحيوي المزدحم الذي يسكن فيه. ويبدو أن صاحب
العبارة قد يئس من تصرفات البعض من الوقوف المتكرر في مدخل (الكراج)، فلم يجد سوى
هذه العبارة لكتابتها بخط واضح عل من يقرأها يشعر بشيء من الخجل أو تأنيب الضمير،
ويعدل عن إزعاج صاحب الموقف.
من يومها وأنا أتذكر هذه العبارة
في عديد من المواقف المجتمعية الخاطئة التي أراها تحدث أمامي بين حين وآخر، والتي
لا تمس شريحة بعينها، والتي قد يمارسها البعض بشيء من العفوية أحياناً، ومن التعمد
أحياناً أخرى، وهو أمر يجعلنا نفكر كثيراً في جدوى مصطلحات كالثقافة القانونية،
وتربية المواطنة، ومبدأ المساءلة والمحاسبة وغيرها.
أتذكر هذه العبارة عندما أكون جالساً
في سلام أتناول طعامي في أحد المطاعم، أو أقضي حوائجي في محل ما، وفجأة يطلق أحدهم
بوق سيارته بشكل هيستيري يصيبني بالصمم المؤقت، ويجعلني أكره المكان وقد أضطر
لتركه، وكأنه لا يوجد في المكان بشر غيره
يحق لهم قضاء حوائجهم أو الاستمتاع بأوقاتهم في هدوء.
ماذا سيحدث لو أوقف هذا الشخص سيارته ونزل ليأخذ الغرض الذي يريده؟هل سيقلل
ذلك من مكانته وقيمته كإنسان؟
أتذكرها كذلك عندما أخرج من بيتي مهموماً أتذكر قسط البيت الذي يقتطع نسبة
لا بأس بها من الراتب، وقسط السيارة الذي حان وقت سداده، وفواتير الكهرباء والماء
المتراكمة. وفي زحمة همومي وأفكاري أطالع من شباك السيارة فتلوح أمامي لوحة
إعلانية ضخمة قد كتب عليها إعلان مستفز من قبيل " ادخل السحب الكبير وقد تربح
نصف مليون ريال"، فأقفل النافذة وأدير مؤشر المذياع لأستمع إلى إعلان آخر
أكثر ثقلاً وسماجة " معنا فقط ستتمكن من تحقيق كل أحلامك وقد تكون الرابح
للجائزة الكبرى وقيمتها مليون ريال"،فلا أجد أمامي سوى لوم الحكومة التي
جعلتنا نضطر إلى اللجوء للاقتراض من هذه الجهات التي تسخر منا إلى هذا الحد الذي
يتم فيه الاستفادة من الفوائد (المركبة) المترتبة على قروضنا في جوائز بهذا الشكل
المستفز.
أتذكرها عندما أرى بعض العمال الوافدين وهم يعملون في عز الظهيرة، وفي ظل
درجات حرارة مرتفعة لا تسمح للإنسان العادي بالسير لبضعة دقائق فما بالك بمن يعمل
في ظلها لعدة ساعات .
ترى هل هو جشع بعض المقاولين وأصحاب الأعمال، أم عدم وعيهم بثقافة حقوق
الإنسان، أم ضعف الرقابة العمالية من قبل الجهات المختصة، أم أن هؤلاء العمال
ليسوا أساساً من صنف البشر؟
أتذكرها أيضاً عندما أقود سيارتي
في شارع جانبي وفجأة أشعر بصاروخ يمرق من جواري بسرعة البرق، ضارباً عرض الحائط
بقواعد المرور، والسرعة المقررة، والسيارة القادمة من الاتجاه الآخر، ثم يقف بكل
برود أمام أحد المطاعم المحاذية للشارع وكأن شيئاً لم يكن.
وأتذكرها عندما يحدث عكس الموقف
السابق بحيث تقود سيارتك في أحد الشوارع الرئيسية السريعة، وتفاجأ بصاحب السيارة
التي أمامك وهو يقودها بسرعة السلحفاة، ممسكاً بهاتفه المحمول، وابتسامته تملأ
وجهه، وكأن الشارع من أملاك العائلة.
أتذكر هذه العبارة عندما أكون
نائماً في أمان الله بعد يوم عمل مرهق، أو في جو رمضاني روحاني، فأستيقظ منزعجاً
على أصوات نشاز لعدد من الدراجات النارية المهجنة التي اعتقد بعض الفتية أن اللهو
بها في الحارات السكنية، وفي أوقات الراحة لساكني هذه الحارات، هو أمر اعتيادي
لمجرد أنهم لم يجدوا من يقول لهم إن ما يقومون به يتنافى مع المبدأ القائل"
إن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".
أتذكرها أيضاً عندما أرى مجموعة من الشباب منكوشي
الشعر، يلبسون ملابس غربية لا علاقة لها بالبلد وعاداتها وجوها، ولا مانع من وجود
بعض السلاسل أو الأساور في معصم اليد، وهم يرقصون على أنغام موسيقى غربية صاخبة لا
يكادون يفقهون شيئاً من كلماتها، تنبعث من سيارة رياضية شوهت الرسوم والعبارات معالمها.
أتذكرها عندما تتناول الطعام برفقة عائلتك في أحد مطاعم الوجبات السريعة،
فيصر أحدهم على أن يتخذ مكاناً مقابلاً لكم كي يتناول طعامه برغم وجود أماكن أخرى،
ونفس الأمر يتكرر عند زيارة عائلية نادرة لأحد الشواطئ أو الأماكن السياحية،
فتفاجأ بمن يحاول (التنكيد) عليكم من خلال ممارسة (الغلاسة) و(اللماظة)، وهي
مصطلحات مصرية تعني ثقل الدم، من خلال الاقتراب من مكان جلوس عائلتك، أو لبس ملابس
غير لائقة، أو استعراض بعض المواهب التي تعبر في نهاية المطاف عن مشكلة أخلاقية
لديه بحاجة إلى وقفة جادة من قبل أطراف عدة.
أتذكرها عندما أرى مجموعة من
الفتيات يدخلن مجمعاً تجارياً معيناً وهن في كامل زينتهن وبهرجتهن، تغطي روائح
عطورهن المكان بأسره، وتسمع صدى ضحكاتهن من أقصى ركن بالمكان، وتعبث أياديهن بأحدث
موديلات الهواتف النقالة، ثم يغضب الأخ الذي يرافقهن بشدة لأن هناك من تجرأ وحاول
معاكسة إحداهن.
أتذكرها عندما يحل الدمار بشعب
أعزل كالشعب السوري، لا تكل قيادته عن التنكيل به يومياً لمجرد الحفاظ على كرسي
السلطة، ثم تجد من يدافع عن هذا النظام على طول الخط، ويجد له المبررات المختلفة
لمجرد تشابه المصالح والأفكار السياسية أو العرقية أو المذهبية، ودون الالتفات إلى
ما تعنيه مصطلحات كالإنسانية، وقدسية الحياة، وبراءة الطفولة، والتعايش السلمي،
وغيرها من المصطلحات التي غابت في ظل شريعة أقرب إلى شريعة الغاب أحياناً.
وأخيراً وليس آخراً أتذكرها عندما تكتب رأياً معيناً لا يعجب بعضهم ، فيعمد
إلى الدخول على بريدك الالكتروني باسم مستعار، ويظل يكيل إليك بعبارات السباب
واحدة تلو الأخرى، ولا بأس ببعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وكل ذلك كي
يقول لك إنك مخطئ في طرحك.
ترى هل ستقوم القيامة لو حاورك بشكل حضاري جميل وفنـﱠـد لك بعض النقاط التي طرحتها والتي يراها – من وجهة نظره – خاطئة؟
فعلاً..الإحساس نعمة.
د.محمد بن
حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
الأحد، 15 أبريل 2012
الأربعاء، 11 أبريل 2012
الثلاثاء، 10 أبريل 2012
أي شريعة سيطبقون؟؟
تابعت بالأمس القريب على إحدى الفضائيات
المصرية لقاءاً مع الدكتور جمال صابر مدير حملة "لازم حازم" وكان يتحدث بحماس منقطع النظير عن وجوب تطبيق
الشريعة الإسلامية بحذافيرها في مصر، وهو الأمر الذي جعلهم يؤيدون
(الشيخ) حازم صلاح أبو إسماعيل أحد مرشحي الرئاسة المحتملين في مصر، ويدافعون عن برنامجه،
لأنه الوحيد – حسب وجهة نظره – الذي قال ذلك صراحة في برنامجه الانتخابي، وبالتالي
فهو المرشح الإسلامي الوحيد.
واطلعت كذلك على تصريحات للمرشح الإخواني المحتمل خيرت الشاطر في اجتماع للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح- الذي
هو أحد أعضائها - مع شخصيات تنتمي إلى المدرسة السلفية، والتي أكد
فيها على أن تطبيق الشريعة هي هدفه وغايته من الترشح، وذكر بالنص أن "الشريعة كانت وستظل مشروعي وهدفي
الأول والأخير".
وأضاف الشاطر في تصريحات نشرت في بيان صدر عن الهيئة "سأعمل على
تكوين مجموعة من أهل الحل والعقد لمعاونة البرلمان في تحقيق هذا الهدف".
وحاولت
من خلال بحثي في موقع (الشاطر) الالكتروني أو من خلال موقعي حزب الحرية والعدالة،
وجماعة الإخوان المسلمين أن أجد نفياً أو توضيحاً أو حتى مجرد تبرير لهذا التصريح
فلم أجد، علماً بأن الحزب والجماعة قد صرحوا عشرات المرات أنهم يسعون إلى إنشاء
دولة مدنية بمرجعية دينية، وهي العبارة التي عجزت عن إيجاد تفسير واضح لها، وعلماً
بأن خيرت الشاطر نفسه قد صرح لجريدة (واشنطن بوست)، ولبرنامج (بلا حدود) التي تبثه
قناة الجزيرة قبل بضعة أشهر بأنه مع قيام الدولة المدنية ضمن تصريحات عدة لعل من
بينها نفيه القاطع لنية الجماعة في الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر .
وهذه
التصريحات من وجهة نظر الدكتور نبيل عبد الفتاح، رئيس مركز الدراسات التاريخية
والاجتماعية بالأهرام تدل على جمود العقل الفقهي والسياسي لجماعة الإخوان
المسلمين، معللاً رأيه أن طرح الشاطر يعنى خلق ازدواجية بين مؤسسات الدولة
المنتخبة التمثيلية، وبين هيئة تكون لها الولاية تحت مسمى وشعار الدور الاستشاري، بينما يراها الدكتور مصطفى اللباد، رئيس
مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة، "محاولة للقفز فوق
الأطر الدستورية والقانونية المتعارف عليها في مصر منذ عشرات السنين، من أن
المرجعية الدينية هي مرجعية روحية ليس لها علاقة بالسياسة".
وفي الحقيقة فإن هذه التصريحات التي تنادي بوجوب تطبيق الشريعة ليست
بالجديدة، بل سبق طرحها في العديد من اللقاءات الفكرية الخاصة ببعض التيارات
الإسلامية، ونادت بها شعارات ولافتات كثيرة رفعت في أكثر من جمعة مليونية شهدتها
العاصمة المصرية، وهي تطرح تساؤلاً مهماً ألا وهو : أي شريعة تتحدث بعض التيارات
الإسلامية عن تطبيقها؟
لست ضد تطبيق الشريعة الإسلامية، أو العمل بها، بل على العكس من ذلك، فأنا
أجد في تطبيقها الصحيح حلاً لكثير من المشاكل المتفاقمة، وما الأوضاع السيئة التي
يعيشها العالم الإسلامي في القرون الأخيرة إلا نتاجاً لابتعادنا عن تطبيق تعاليم
هذه الشريعة السمحة، ولكن السؤال المهم الآخر الذي يتبادر إلى الأذهان هو: كيف ومتى
يتم تطبيق الشريعة في بلد متعدد الأديان والطوائف والثقافات؟ وفي ظل أوضاع
اقتصادية واجتماعية سيئة يرزح تحتها قطاع كبير من الشعب المصري؟
من
السهل أن يتولى أحد التيارات الإسلامية مقاليد الحكم في مصر، ويعمل على تطبيق
تعاليم الشريعة بحذافيرها، كما فعل الرئيس السوداني جعفر النميري في أواخر حكمه
بعد تحالفه مع حسن الترابي ، وهي تجربة كشف التاريخ بعد ذلك عن فشلها الذريع وخلفت
أحقاناً وإحناً كثيرة ما زال السودان يقاسي مرارتها حتى الآن، ولكن هل يمكن لهذه
التجربة أن تنجح، وأن تحقق أهداف الثورة التي بذل الشعب المصري من أجلها الكثير من
التضحيات؟
برأيي أن مصر لا تريد الآن مرشحاً يتحدث عن وجوب تطبيق الشريعة وإقامة شرع الله بقدر ما تريد مرشحاً يقدم لها رؤية شاملة لمصر العصرية المتقدمة، ويخطط لإقامة مشروعات تنموية في مختلف المجالات تسهم في إخراجها من كبوتها، وتعيدها إلى سابق مجدها، فمشكلة مصر في الوقت الحالي لا تكمن في تطبيق الشريعة، ولكن في وجود مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية مختلفة، ليس أقلها وجود فوضى سياسية خلاقة، وعدم وجود عدالة في توزيع الدخل، وتآكل الطبقة الوسطى لصالح الطبقتين الأخريين، ووجود تطرف فكري لا يقتصر على أتباع فكر بعينه، ونظام تعليمي سيء، وانتشار البطالة والجريمة والفوضى في الشوارع، وفي ظل وجود أزمة مالية خانقة تتمثل معطياتها في وجود حوالي خمسة ملايين عاطل عن العمل، ووجود عجز في الموازنة وصل إلى حدود 150 مليار جنيه في السنة المالية الحالية، وارتفاع الدين العام إلى حوالي تريليون جنيه، وانخفاض الاحتياطي المعلن لدى البنك المركزي من 36 مليار دولار إلى 18 مليار دولار خلال عام واحد، وانخفاض نسبة الإشغالات في الفنادق إلى حوالي 10%، وفي ظل تخرج حوالي 800 ألف طالب سنوياً من الجامعات والأكاديميات والمعاهد المختلفة.
إن إقامة الشريعة لا
تأتي فقط بتطبيق حدودها المختلفة، من قطع ليد السارق، ورجم الزاني، وقتل المرتد،
وتعزير شارب الخمر، وغيرها من الحدود المختلفة، ولكنها تأتي من خلال العمل على
توفير الظروف التي تجعل الآخرين لا يقومون بهذه الأفعال، فالسارق غالباً ما كان له
ليسرق لو وجد فرصة عمل مناسبة، أو أحس بشيء من التكافل الاجتماعي، والبلطجي ما كان
له أن يكون كذلك لو وجد جواً مناسباً من العدالة الاجتماعية، والمرتشي ما كان له
ليرتشي لولا ضعف الأجور وغلاء المعيشة، وإحساسه بالظلم المجتمعي، فالظروف
المجتمعية الغير سوية هي من تسهم في إفراز أمثال هؤلاء، لذا فإن تطبيق الحدود
عليهم لمجرد ارتكابهم لمخالفات شرعية معينة ليس حلاً مناسباً للمشكلة، ولن يكون هو
السبيل المناسب للنهوض بالبلد من مشاكله المختلفة، فالأولى والأهم هو أن تقدم البديل
المناسب الذي يجعل هؤلاء يشعرون بقيمتهم في ظل مجتمع يطبق شعار المساواة
الاجتماعية دون تمييز، تكفله قوانين راعية للحريات الشخصية، وتتوافر فيه فرص العمل
والنجاح للكل، ويميزه نظام تعليمي يتناسب وروح البلد الجديدة وتطلعاتها
المستقبلية.
إن جماعة كبيرة ومنظمة
كالإخوان المسلمين بما تملكه من قدرات تنظيمية وكوادر مدربة في مختلف المجالات
وتأييد شعبي لقادرة على أن تضع مشروعاً حضارياً مناسباً يمكن أن ينهض بمصر في
الفترة القادمة، في ظل اهتمام التيارات الأخرى بالشو الإعلامي، والركون للتنظير
والتأطير دون وجود أفعال حقيقية، ولكن هذا يستلزم من الجماعة أن تستفيد من أخطاء
الماضي، وألا تحشر نفسها في معارك كلامية وهمية مع جبهات أخرى كالمجلس العسكري،
وألا تسعى إلى سياسة المغالبة و(التكويش)، أو مغازلة التيارات الإسلامية الأخرى
بضرورة تطبيق الشريعة لمجرد كسب التأييد، فالتركة ثقيلة، والحمل كبير، والتحديات
كثيرة، والفرصة الآن سانحة لكي يقنع الإخوان الشعب المصري بنتاج تجربة 80 عاماً من
العمل السري المنظم، فالفرص الذهبية لا تتكرر كثيراً.
د.محمد بن
حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
الأربعاء، 4 أبريل 2012
كثير من الكلام..قليل من العمل
لا أدري لم تذكرت هذا الشعار وأنا أتابع المشهد السياسي
المصري الحالي، وأرى الضجة الكبيرة التي يحدثها عدد من رموز التيارات والأحزاب
الليبرالية واليسارية ومن يطلقون على أنفسهم (أنصار الدولة المدنية).
سبب هذه الضجة الكبيرة، والتي تفرغت كثير من القنوات
الفضائية المصرية لعرضها من خلال برامجها الحوارية المختلفة هو سيطرة حزب الحرية
والعدالة ( الذراع السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين ) على تأسيسية لجنة الدستور وفرض عدد من الأسماء المنتمية إليهم أو
المتعاطفة معهم، وذلك بالتحالف مع حزب النور السلفي، وبعدها مباشرة قرار الجماعة الدفع
بمرشح لانتخابات الرئاسة المصرية بالرغم من تأكيداتهم السابقة بعدم المشاركة بممثل
لهم في هذه الانتخابات.
من الناحية القانونية لا توجد أية مشكلة فيما قام به
الإخوان، فهم لم يزوروا الانتخابات، ولا يمتلكون أجهزة أمنية تضمن لهم ذلك، ولا
يحق للتيارات الأخرى أن تفرض عليهم ما ينبغي أن يقوموا به لمجرد وعود سابقة، كما
أن نتائج الانتخابات أو الاستفتاء هي بيد الشعب لا الإخوان، وما حققوه من مكاسب
سياسية حالية هي نتاج عمل أكثر من 80 عاماً في العمل المنظم منذ نشأة الجماعة على
يد حسن البنا عام 1928م، وكانوا بمثابة حكومة الظل في عهد النظام السابق، وذلك من
خلال الخدمات المختلفة التي كانوا يقدمونها إلى قطاع كبير من الشعب المصري، والذين
رأوا فيهم بديلاً عن الحكومة الموجودة، وبالتالي لم يكن غريباً أن يعطونهم ثقتهم
وأصواتهم ، فكسبوا معركة الاستفتاء على الدستور بنسبة تجاوزت 77%، ثم سيطروا مع
الأحزاب الإسلامية الأخرى على حوالي 75% من مقاعد مجلس الشعب، وتبعوها بسيطرتهم
على مقاعد مجلس الشورى، وكان طبيعياً على يسيطروا على تشكيل اللجنة التأسيسية
للدستور في ظل المادة (60) من الإعلان الدستوري الذي ينظم عملها وآلية اختيارها.
وفي نفس
الوقت تفرغ الليبراليون للكلام كعادتهم طوال فترة النظام السابق دون أية ملامسة
حقيقية للواقع الشعبي، ورضوا بما فرضه عليهم الواقع السياسي السابق، فكانت جل
اهتماماتهم الصراع على رئاسة بعض الأحزاب الورقية، أو الظهور المتكرر في المنابر
الإعلامية التي سمح بها النظام للفضفضة وتنفيس بعض الكبت، أو الترصد لممارسات
الإخوان المختلفة، لذا لم يكن غريباً ألا تحظى هذه التيارات والأحزاب بتأييد شعبي
حقيقي وملموس برغم أقدمية بعضها، ولمعان أسماء عدد من رموزها.
برأيي إن ما
يفعله عدد كبير من ممثلي التيار الليبرالي واليساري هذه الأيام دليل على إفلاس
سياسي واضح، فقد أصبحت تصريحاتهم تتوالى وكأنهم تحت تأثير صدمة كبيرة، بحيث أصبحنا
نستمع إلى أحدهم وهو يناشد المجلس العسكري بأن يفرض (الدولة المدنية) بالقوة، وهو
الذي كان ينتقد ديكتاتورية المجلس العسكري طوال الفترة السابقة، بينما كان منظر
الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري
مضحكاً وهو يصرح لأحد البرامج منفعلاً وكأنه أحرز نصراً كبيراً "جالكم
كلامي؟ مش قلت لكم؟ أنا قلت كده من الأول إنهم حيرشحوا حد بس مكنتوش
تصدقوني"، وهو تصريح لا يمكن لأصغر رئيس حزب في أوروبا أو أمريكا مثلاً أن
يصرح به، فما بالكم برجل أمضى أكثر من 50 عاماً في العمل السياسي.
على التيارات الليبرالية واليسارية أن تنشغل بالعمل السياسي الجاد بدلاً من
التباكي طوال الوقت، فسياسة الصوت العالي قد لا تفيد في كل الأوقات، فإذا ما
أرادوا أن يكون لهم تأثيراً جاداً وملموساً بين أوساط المجتمع، فعليهم أولاً أن
يشعروا الشعب المصري بوجودهم، وذلك من خلال التفرغ للعمل الجماهيري الحقيقي، والاقتراب
من المشاكل الحقيقية للمجتمع، وتقديم حلول جذرية لهذه المشاكل والتحديات، بدلاً من
سياسة التنظير والتأطير من الأبراج العالية التي يمارسها الكثير منهم حالياً.
عليهم كذلك التوحد في كتل قوية ومتماسكة وتقريب أوجه الاختلاف فيما بينهم، فلا
يعقل أن تكون هناك عشرات الأحزاب التي تتبنى الفكر الناصري، ومثلها من يتبنى الفكر
اليساري، وأخرى تتبنى الفكر الليبرالي الوسطي، وكل حزب من هذه الأحزاب قد لا
يتجاوز عدد المنتسبين إليه مركزاً من مراكز جماعة الإخوان المنتشرة في قرى مصر
وكفرها ونجوعها، والأغرب أن الأعضاء المؤسسين لتلك الأحزاب هم أنفسهم الذين كانوا من
مؤسسي الأحزاب الأخرى.
عليهم كذلك أن يدركوا أن سياسة الانسحاب سواء من المجالس البرلمانية أو من
تأسيسية الدستور أو غيرها، والتفرغ للتصريحات الإعلامية وتوزيع التهم ضد الإخوان
هي دليل على ضعف وقلة حيلة، ولن تجلب لهم الرضا الشعبي أو تثنيه عن دعم التيارات
الإسلامية بشكل عام، لذا فإن استمرارهم ومحاولة فرض وجودهم وإثبات جدارتهم، وتصحيح
المسار السابق، والوقوف بقوة لأي محاولات من قبل الطرف الآخر لتمرير سياسته هي
الحل المناسب الذي قد يجعل المجتمع يشعر بوجودهم، وبالتالي قد يتبنى بعض أفكارهم
مستقبلاً ويساندهم، ويكسبهم الشرعية والتأثير المطلوب.
أما مقولة إن التيارات
الإسلامية تستغل طيبة وتدين الشعب المصري، فهي مقولة ترمز إلى إهانة هذا الشعب
العظيم ووصفه بالسلبية، فالشعب المصري هو الذي خرج مع سعد زغلول في مظاهرات 1919،
وهو الذي قام بأول مظاهرة مليونية في ميدان الإسماعيلية(التحرير حالياً) عام 1951،
احتجاجاً على استفزازات المستعمر الانجليزي، وهو الذي ساند عبد الناصر في معركته
لتأميم القناة، وهو الذي خرج في مظاهرات الخبز في يناير 1977، وأخيراً وليس آخراً
هو الذي صنع ثورة 25 يناير العظيمة، لذا فإن التلميح بوصفه بالسذاجة والطيبة
الزائدة واستسلامه لتأثير المد الإسلامي ما هي إلا محاولات للتقليل من قيمة هذا الشعب، والبحث عن مبررات
تعبر عن ضعف وقلة حيلة من قبل تلك التيارات.
لا أقول هذا الكلام انحيازاً للإخوان، أو إعجاباً بما
يفعلونه الآن،فهم برغم كلامهم المستمر عن قدرتهم على حل كافة المشاكل المتعلقة
بالدولة، إلا إنه ليس لديهم حتى الآن دستوراً جاهزاً، ولم يسنوا تشريعاً واحداً
بالرغم من سيطرتهم على نسبة كبيرة من مقاعد مجلسي الشعب والشورى، وكثيراً من
العيوب المستورة ستنكشف تباعاً، فالعمل الدعوي والاجتماعي يختلف بلا شك عن العمل
السياسي المكشوف، وسياسة (المغالبة) التي يتبناها الإخوان حالياً قد تؤدي إلى مزيد
من الانشقاقات وفقدان الرصيد الشعبي، وهناك ملفات كثيرة بحاجة إلى تسليط ضوء بشكل
أكبر تتعلق بموضوعات تتناول قانونية الجماعة، والعلاقة بين الجماعة والحزب، ومدى
تأثير المرشد في حالة فوز المرشح الاخواني بكرسي الرئاسة ، ومصير تحالفهم (الهش) المؤقت
مع التيارات الإسلامية الأخرى برغم تباعد الرؤى واختلاف الأفكار المستقبلية،
وظاهرة (الاستعلاء) الذي يمارسها البعض من رموزهم والتي أصبحت محل تندر وفكاهة من
قبل شريحة من المجتمع، ومدى قدرة الجماعة على المحافظة على تماسكها والذي كان
يضمنه لها سابقاً شعور أفرادها بالظلم والتمييز من قبل النظام الحاكم، وملفات أخرى
كثيرة سيكشف مصيرها قريباً في خضم الأحداث المتلاحقة.
د.محمد بن
حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)