الأربعاء، 1 أبريل 2015

عن عاصفة الحزم!!

فجأة وبدون مقدّمات شعرت السعوديّة ومن يتبعها من الدّول العربيّة والإسلاميّة أنّ اليمن أصبح في خطر، وأنّ الشرعيّة أصبحت مهدّدة، وأن هناك ظلماً يمارس من قبل فصيل بعينه تجاه بقيّة المكوّنات السّكّانيّة في اليمن، فرأت من باب الواجب الإنساني والإسلامي أن تتدخّل لإرجاع الحقوق إلى أهلها، ووقف الظّلم والحيف عن اليمنيّين، واستعادة الشّرعيّة التي كادت أن تسلب!! فكانت عاصفة الحزم التي شاركت فيها حوالي 10 دول عربيّة واسلاميّة لدوافع مختلفة، قد يكون البحث عن منافع اقتصاديّة، أو الخوف من فقدان مكاسب معيّنة أبرزها بغضّ النظر عن مدى ايمانهم بالشعارات التي تنادي بها الحملة!

شخصيّاً أرى أن عاصفة الحزم تعدّ خطأ سياسيّاً جسيماً لم تتم دراسته بعناية؛ وربّما كان الدّافع ورائها هو خوف السعودية في أن تقع بين كمّاشتين إحداهما من طرف العراق وأخرى من اليمن؛ وقد يكون السّبب كذلك رغبة السعودية في القيام بعمل يعيد لها دورها السابق كحاضن سنّي بعد شعورها بالفشل في سوريا؛ ونجاح إيران في لعب دور إقليمي كبير بالمنطقة.

وقد تكون أيضاً محاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعد أن أساءت السعوديّة ومن يتبعها التعامل مع الملفّ اليمني من البداية، فهي من أطلق المارد من قمقمه، وهي من دعمت الحوثيّين نكاية بحزب التجمّع اليمني للإصلاح المحسوب على الاخوان، وهي من سهّلت لصالح وأتباعه التحرّك، وهي من أتت بابنه أحمد سفيراً في الامارات تمهيداً لدور مستقبليّ يقوم به بعد التخلّص من العقبات المتمثّلة في الاخوان وبقيّة القوى السياسيّة المعارضة لتوجّهاتها، في تكرار للسيناريو المصري سابقاً، وربّما الليبي والفلسطيني لاحقاً، وفوجئت بعدها بتمدّد الحوثيين وتوسّعهم، وعدم وجود مقاومة من قبل الإخوان أو القوى القبلية والسياسيّة الأخرى، فانقلب السحر على الساحر كما يقال.

وإذا كان بعض مؤيّدي الضربة أو العاصفة قد فرحوا بعدم وجود ردّة فعل مباشرة لإيران، واعتبروا هذا الأمر بمثابة خوف وتراجع ايراني، الأمر الذي طالبوا معه التحالف باستغلال الفرصة والتدخّل في سوريا كذلك، فهم في هذا لا يجيدون قراءة الواقع السّياسي والتّاريخي جيّداً، فأهمّيّة اليمن بالنسبة لإيران قد تكون ثانويّة سياسيّاً ودينيّاً وتاريخيّاً مقارنة بأهمّيّة العراق وسوريا اللاتي تعتبرهن ايران ضمن نطاقها الحيويّ، لأسباب دينيّة تتمثّل في وجود مكوّنات سكّانيّة شيعيّة، ومزارات ومراقد مقدّسة، إضافة إلى العلاقات التاريخيّة، والأحلام المستقبليّة، لذا فاليمن مع بعدها الجغرافي قد تكون ورقة مفاوضات تكسب من خلالها ايران بعض المزايا؛ خاصة وأنّها لا تستطيع الدّخول في مغامرة عسكريّة هناك بسبب إنهاك جهودها الماليّة والعسكرية في عمليّاتها الدائرة بسوريا والعراق.

شخصيّاً أرى أن نتائج الضربة قد تؤدي فقط إلى إيقاف تقدم الحوثيين لبعض الوقت؛ أو إبقاء الوضع كما هو عليه لحين الدخول في مفاوضات؛ خاصّة وأنّني أستبعد التدخل البرّي لحسم المعركة، فهو يعدّ مغامرة كبيرة؛ وما زال هؤلاء يتذكّرون المغامرة المصرية في الستّينات وفشلها؛ كما أن وعورة تضاريس اليمن، وعدم وجود قوات متمرسة على حرب العصابات، ومعرفة الحوثيّين بجغرافيّة بلدهم كون مناطقهم في الأساس جبليّة وعرة، قد يكون عاملاً أساسيّاً لفشلها؛ مع ضعف الاعتماد على قوات يمنيّة للسيطرة على الوضع هناك؛ خاصّة وأنّه لا يوجد فصيل يمني قويّ يمكن الاعتماد عليه في ظلّ تشرذم هذه القوى، وقد يكون اللجوء إلى طاولة المفاوضات هو الخيار الوحيد المتاح لحلحلة الأزمة.

على المدى البعيد قد يكون لهذه الأزمة تداعيات سلبيّة عديدة، فهي ستؤدّي إلى ازدياد الوضع السياسي المستقبلي في اليمن سوءاً، كما سيؤدّي إلى سيطرة محور واحد فقط على السّاحة السياسيّة العربيّة وهو المحور الذي يطلق على نفسه "محور الاعتدال"، وقد رأينا ذلك واضحاً من خلال القمّة العربيّة الأخيرة التي عقدت في مدينة "شرم الشّيخ"، وما نتج عنها من قرارات أهمّها تشكيل القوّة العربيّة المشتركة التي يبدو أنّها ستستخدم لتنفيذ سياسات هذه الدّول فقط، والتي قد يكون من بينها مساندة التيّارات السياسيّة الموالية لها في بعض الدّول العربيّة على حساب تيّارات أخرى بحجّة القضاء على الإرهاب، ولن أستبعد أن نسمع قريباً عن تدخّلات عسكريّة في ليبيا أو غزّة، إضافة إلى أنّها ستعمّق الهوّة بين الجناحين الشيعي والسنّي، وستزيد من حالة الاحتقان المتبادل بينهما؛ وقد تؤدي إلى المزيد من القلاقل من خلال قيام البعض بعمليات انتقام نوعيّة هنا وهناك.

أمّا بالنسبة للموقف العماني من الأزمة فهو برأيي موقف صحيح لعدة اعتبارات لعلّ من بينها: المبادئ السياسية الواردة في النظام الأساسي تنصّ على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما أنّه لا مصلحة كبيرة لعمان في دخول الحرب نيابة عن الآخرين؛ أو بسبب نزوات البعض السياسية، أضف إلى ذلك أنّ السّلطنة من أكثر المتأثرين بعدم استقرار الأوضاع باليمن؛ لأنّها جارة تربطنا بها حدود جغرافيّة ممتدّة، وعلاقات انسانيّة واجتماعيّة واقتصاديّة متداخلة؛ وستبقى كذلك إلى مالا نهاية؛ بعكس كثير من الدول الداخلة في التحالف والتي لن تتأثر كثيراً بسبب بعد المسافة نسبياً وعدم وجود حدود مشتركة مع اليمن؛ لذا فإن الحياد العماني قد يجنب السلطنة أيّة ردّات فعل سلبيّة يمنية مستقبلاً، كما أنّ تكلفة الطلعات الجوّيّة مرتفعة من النّاحية المادّيّة؛ وهذا بدوره يمكن أن يسهم في تأزيم الوضع المالي للسلطنة في حالة اشتراكها بهذا التحالف.

الأهمّ من هذا وذاك أنّ السّلطنة لعبت خلال الفترة السابقة دور راعي السلام الذي تثق به كافة الأطراف في حل الأزمات السياسيّة المختلفة؛ لذا فمن المهم أن تبقى على حيادها المعهود كي تلعب دورها القادم كمرجع للأطراف المتنازعة؛ وكوسيط لحلحلة المشكلة، وهو الأمر الذي يتنبّأ كثير من المحلّلين السياسيّين بحدوثه قريباً.

أمّا المخاوف التي تعتري البعض حول إمكانية تأثّر عمان اقتصاديّاً وسياسيّاً من جرّاء عدم دخولها الحلف؛ وبالتالي التأثر سلبيّاً من إمكانية تبنّي دول الخليج الأخرى لموقف مستقبلي سلبي تجاه السّلطنة يتمثّل في عدم مساندتها مالياً في أيّ أزمة مستقبلية، أو مضايقة رعاياها في تلك الدّول فهو كلام مردود عليه؛ فعمان موقفها ثابت في قضايا عديدة كان للبقيّة رأي مغاير بها؛ كما أن عمان لا تعتمد على أحد بشكل مباشر في حلّ أزماتها؛ وإلا لرأيناها توافق بقية دول الخليج في مواقف أخرى كالقضية السورية وإغلاق السّفارة السوريّة، أو الموقف السّابق من قطر، وغيرها من القضايا التي كان لعمان رأي خاص بها.

كشفت العاصفة عن التناقض الواضح في مواقف كثير من المثقّفين المحسوبين على التيّارات السياسيّة والفكريّة المختلفة، ففي الوقت الذي رأينا فيه تأييداً واضحاً من قبل عدد كبير من الدّعاة والمفكّرين والمثقّفين المحسوبين على التّيّارات الاسلاميّة السياسيّة بحجّة القضاء على الخطر المجوسيّ الرّافضيّ الصفويّ!! وتصفية (أذناب) إيران في المنطقة، ومنع المدّ الشيعي، وهم الذين كانوا يتباكون على دماء الأطفال والشّيوخ والنّساء في سوريا ومصر والعراق وغيرها!! فإنّنا رأينا في المقابل رفضاً لما حدث من قبل بعض المحسوبين على التّيّارات اليساريّة والقوميّة، أو التي في حالة عداء مع الإسلام السياسي بحجّة عروبة اليمن، وحقوق الإنسان، وغيرها من الحجج، وهم أنفسهم كانوا سيؤيّدون هذا التّحالف لو كان موجّهاً ضدّ حزب التجمّع اليمني للإصلاح المحسوب على الإخوان، ووقتها سينسون عروبة اليمن، والانسانيّة، وحرمة الاعتداء على النّفس البشريّة، وسيحاولون تبرير ما يحدث بأيّ وسيلة، وهم أنفسهم أيّدوا تدخّل السعوديّة وحلفائها في الشأن المصريّ من قبل، وسيؤيّدونه مستقبلاً لو تمّ توجيهه ضد فجر الاسلام في ليبيا، أو حماس في فلسطين، ولتذهب كافّة المبادئ والمعايير الإنسانيّة إلى الجحيم!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.