الثلاثاء، 6 يناير 2015

معاليك.. وعدك متى!!


قال لي: أفكّر في بيع بيتي الجديد والعودة إلى بيت العائلة مكتفياً بملحق صغير هناك يأويني وعائلتي. أجبته: ولكنّ منزلك الجديد لم يكمل السّنة منذ انتقالك إليه، وهو مشيّد في أهدأ أحياء جعلان، فما الذي حدث وجعلك ترغب في الانتقال منه بهذه السرعة! هل اكتشفت به عيوباً فنيّة، أم أنّ سعر البيوت في المنطقة قد ارتفع وتودّ بيعه! ردّ عليّ: لا هذا ولا ذاك، كلّ ما في الأمر أنّنا لم نعد نستطع العيش وسط الظروف البيئيّة التي تحيط بنا، فالحشرات، والهواء المختلط برائحة الدّخان، والروائح الكريهة الأخرى، والديدان التي بدأت تخرج من التربة، وحالات الرّبو التي بدأت تتفشّى بين أطفالنا كلّها أمور تجبرني على ذلك، والفضل في ذلك يعود إلى المردم المجاور، والمصنع القريب!!

أذكر أنّني قبل حوالي ثلاث سنوات من الآن كتبت هنا مقالاً بعنوان " كارثة بيئيّة"، أوضحت فيه كثيراً من النقاط المتعلّقة بوضع جعلان بني بو علي البيئي، وأذكر أنّ مسئوليّ الوزارة تواصلوا معي يومها ووعدوني بمعالجة الموضوع، وبشّروني بقرب افتتاح المردم المركزي بالكامل خلال ستّة أشهر، أي بحلول شهر يونيو 2012. وبرغم مرور كل هذه السنوات إلا أنّ الأمور ما زالت على حالها، ويبدو أن الشّهر في الوزارة المعنيّة يعادل سنة في توقيتنا المعروف، يعني على سكّان الولاية أن ينتظروا ثلاث سنوات قادمة على أمل أن يتحقّق الوعد. المشكلة لو كان الشهر لديهم يعادل قرناً، هذا يعني أنّهم لن يكونوا بحاجة إلى نقل المردم بعد ستّة قرون من الآن، لأنّه ببساطة.. لن يتبقّى أيّاً من السكّان على قيد الحياة!!

المشكلة، أو الطّامّة، أو المصيبة، أو الداهية، أو البليّة (ولتختر من المصطلحات السّابقة ما يناسبك) أنّنا لا نتحدّث عن فعل مستتر يمارس في حلك الظّلام، ولا نناقش قضيّة تتعلّق بفئة دون غيرها. نحن نتحدّث عن ممارسات عامّة تضرّ بالبيئة التي يشترك فيها الجميع، ويراها الأعمى قبل البصير، ويسمع أصواتها الأصمّ قبل صحيح السّمع، ويشمّ تأثيراتها مرضى الزّكام الدّائم قبل غيرهم، فلماذا هذا الصمت المطبق على مدى سنوات متوالية! المواطن يراها ويضرب كفّاً بكفّ ويقول: لقد بحّ صوتي وأنا أطالب بإزالة هذه الظّواهر المشوّهة للبيئة، ولم أترك مكاناً لم ألجأ اليه. والمشايخ والأعيان وأعضاء المجالس البرلمانيّة والبلديّة يقولون إنّ صلاحيّاتنا محدودة، وسبق لنا وأوصلنا شكاوي المواطنين، ورفعنا بعض المقترحات دون أيّة ردود!

وماذا عن الموظّفين العاملين بالإدارات الحكوميّة المتعلّقة بالبيئة والعمل البلدي بالولاية!! ألا يرون هذه الظواهر البيئيّة وهم في طريقهم إلى مكاتبهم كلّ صباح! ألا تصلهم روائحها الكريهة مع كلّ نسمة تهبّ على مناطق سكنهم! ألم يلمحوها عند ذهابهم عصراً إلى الصناعيّة لتغيير إطار، أو شرب كوب من الكرك! وإذا كانوا قد رأوها فماذا كانت ردّة فعلهم! هل حرّروا المخالفات لمن يقوم بإلقاء تلك المخلّفات! هل راقبوا المكان وقاموا بعمل جولات تفتيشيّة مفاجئة! هل جهّزوا تقارير فنّيّة متكاملة ورفعوها لمسئوليهم في المديريّة أو الوزارة! وإذا لم يقوموا بكلّ هذا فما الجدوى من إنشاء إدارات تستنزف أموالاً تدفع على هيئة رواتب وحوافز وقيمة إيجارات ومصروفات نثرية ومتكررة...ألخ، مادام أن الغرض والهدف من إنشاء تلك الإدارات لم يتحقّق! أنا لا أتحدّث عن بضعة وريقات مرميّة هنا، أو عدد من الأكياس متناثرة هناك ويمكن وقتها أن نجادل ونقول أنّها تصرّفات فرديّة لا يمكن الحدّ منها بسهولة، أو وضع رقابة لصيقة على من يقوم بها. أنا أتحدّث عن تصرفات (مهولة). أتحدّث عن ممارسات تحدث بشكل يومي وعلى مدى سنوات، وتحت وضح النّهار، وبدون أن يجد أصحابها من يقول لهم : توقفوااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا.

أتحدّث عن مساحات كبيرة تجاوزت عدة كيلو مترات أشبه ما تكون بمقلب قمامة كبير يمكن أن تجد فيه كلّ ما يضر بالبيئة، من إطارات محروقة وأخرى مكدّسة، وحيوانات نافقة، وبقايا مواد بناء، ومخلّفات مصانع تعليب الأسماك، ومواد بلاستيكية وزجاجية غير قابلة للتحلل، وآلاف من أكياس القمامة السوداء الملقاة على امتداد تلك المساحات، والتي تناثرت محتوياتها في كل أرجاء المكان، وغيرها من المخلفات الأخرى.

أتحدّث عن مستنقعات أشبه ما تكون بالبحيرات الرّاكدة التي تحيط بها غابات من الذّباب والحشرات المختلفة نتيجة قيام عربات الصّرف بتفريغ حمولتها فيها دون مبالاة بما يخلّفه ذلك من أضرار بصحّة وسلامة بني البشر!

أتحدّث عن سحّابة كثيفة من الدخان الأسود تنتشر على امتداد المكان، بكل ما تحمله من مخاطر تحتاج إلى صفحات عدة للحديث عن أضرارها الخطيرة على البيئة والناس والكائنات الحية الأخرى، الأمر الذي يجعلني أتساءل: هل هو مردم أم محرقة؟

ولن أبالغ إذا قلت أن جزء كبير من مساحة مركز الولاية قد تحوّلت إلى مرادم، فالأمر لم يعد مقتصراً على المردم الرئيسي ولا على مصنع الأسماك الذي عجزت كل المساحات الهائلة في جعلان والتي تكفي لإقامة دول بكاملها من استيعابه، بل إنّ الأمر قد تعدّاهما إلى أماكن عديدة، كالصّناعيّة التي كنت أتعرّض فيها إلى الإغماء وظللت لمدّة يومين لا عمل لي سوى شرب السوائل المختلفة من ماء وعصائر بأنواعها لأنّني ارتكبت حماقة كبرى عندما اعتقدت ساذجاً أنّني يمكن أن أمارس رياضة المشي في البقعة الخالية التي تجاور الصناعيّة أملاً في نسمات الكوس التي اشتهرت بها الولاية، ثم اكتشفت أنّني أمشي وسط أطنان من بقايا السّمك الفاسد، والإطارات، والطّابوق، والأكياس وأشياء أخرى لا أعرف كنهها.

المؤلم أنّ كلّ تلك الأماكن لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن المخطّطات السكنيّة القريبة، وعن الشّوارع الرئيسة، الأمر الذي يجعلني أتساءل بدهشة ممزوجة بالألم: ألم تراعى جوانب الصّحّة والسلامة عند تخطيط تلك الأماكن وتوزيعها على المواطنين! أوليست هناك أيّة أهمية أو قيمة لهذا المواطن القاطن في المنطقة المحيطة؟

مرّة أخرى أذكّر معالي الوزير بوعده السابق، ومرّة أخرى أدعوه لزيارة الولاية والوقوف على الأمر بنفسه، وألا يعتمد على التقارير الفنّيّة التي سترفع له حول أنّ كلّ شيء تمام، وأنا متأكد أنّ معاليه سيفاجأ بكثير من الأمور التي تستدعي إعمال المحاسبية خلال المرحلة القادمة ، فما هذا المكان سوى أنموذجاً لحالات مشابهة تراكمت نتيجة اللامبالاة ، وضعف المحاسبية، وقلة الوعي بأهميّة البيئة.

ومرّة عاشرة أعيدها "المواطنون لا يريدون حدائق أو متنزّهات، أو مهرجانات ثقافية وفكرية، أو مكتبات عامّة، أو تخطيطاً جمالياً لأحيائهم السكنية، أو ترميماً واستفادة مما تبقى من شواهد تاريخية عريقة، فهذه الأفكار هي فوق مستوى تفكير (بعض) المسئولين عن العمل البلدي بالولايات، وتطبيقها قاصر على العاصمة والمدن الكبرى، ولكنهم على الأقل يريدون لبيئتهم أن تبقى نظيفة، ولأبنائهم أن ينشئوا في بيئة صحّيّة  لا تستنزف صحّتهم وجهدهم وأموالهم، وألا تشوّه هذه البيئة بفعل ممارسات وظيفية خاطئة ظلّت متراكمة لسنوات طويلة، دون أن يأتي من يحاول تصحيح المسار، فقد علّمنا قائد مسيرة نهضة هذا الوطن أن الإنسان العماني هو أهمّ ما في هذا الوطن، وهو الثروة الحقيقية له، والمعني بكل البرامج التنموية على امتداد سنوات النهضة المباركة، ومن الخطأ أن نشوّه مسيرة هذه النهضة المباركة ببعض التصرفات الغير مسئولة من قبل البعض نتيجة لغياب المحاسبية والمساءلة الوظيفية الحقيقية". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.