(1)
هطلت الأمطار فامتلأت الشوارع بالمياه، وغرقت مسقط في
"شبر ماء". ليست المرة الأولى التي ينزل فيها المطر، وليست كذلك المرّة
الأولى التي تمتلئ فيها الشوارع والأزقّة والحارات بالمياه وتجمعات البرك، مما يفقد
الكثيرين حلاوة الاستمتاع برحمة السماء، بل يصل الأمر إلى حجز البعض في بيوتهم أو
في الشوارع بسبب ارتفاع منسوب المياه، وتطغى موضوعات التذمّر والنقد الساخر على
حديث النّاس في وسائل التّواصل المختلفة!
إذا كان هذا الأمر دائم الحدوث في مدينة كبيرة ومهمّة كمسقط،
فماذا عن كثير من الولايات والقرى الأقل إمكانات!! هناك دول أكثر تنوّعاً وصعوبة
في تضاريسها، ومع ذلك فالمطر يهطل بدون أن يسبّب أي ارتباك مجتمعي لأن الحلول قد
وضعت بعد أوّل ملاحظة فنّيّة أو بيئيّة تمّت مواجهتها. يبدو أننا سنتحدث كثيراً عن
إدارة الأزمة. أتمنى أن تكون هذه القضية من أولويّات المجالس البلدية.
(2)
تبذل الحكومة جهوداً كبيرة، ومبالغ طائلة في سبيل إنشاء المشاريع
الخدمية المختلفة من مدارس ومراكز صحية وشوارع وغيرها، ولكن سوء التخطيط يقلّل أحياناً
من قيمة تلك الجهود، ويكلّف الدولة مبالغ وجهود أخرى لمعالجة الأخطاء الناتجة عن ذلك.
الأمطار التي تشهدها السلطنة في الآونة الأخيرة، وقبلها الأنواء
المناخية، كشفت عن جوانب من سوء التخطيط، بعد تأثّر عدد من المنشآت الحكومية بتأثيرات
تلك الظروف المناخية، وذلك بسبب إقامتها في أماكن غير مناسبة.
لا أعلم لم يصرّ البعض على إقامة المشاريع في أماكن يعرف
الصغار قبل الكبار من سكّان المكان بأنها غير صالحة لذلك!! من المهم دراسة واقع المنطقة
الجغرافي دراسة مستفيضة، والتواصل مع الأهالي القاطنين للمكان، قبل التفكير في إنشاء
أي مبنى خدمي.
(3)
لا يمر يوم أفتح فيه صحيفة محليّة أو موقع تواصل
الكترونيّ دون أن أطالع خبراً أو صوراً لبعضهم وهم يستعدّون للسّفر إلى دول مختلفة
لتمثيل السلطنة في محافل فكريّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة مختلفة!
الفكرة في حدّ ذاتها مهمّة ومطلوبة للتعرّف على انجازات
الآخرين وأين وصلوا، برغم أنّنا لم نفلح حتّى الآن في تطبيق الكثير من الأفكار
الجميلة والبسيطة التي طبّقها الآخرون، والتي لا تتكلّف سوى الرغبة والإرادة
الحقيقية، وقليل من المال.
اعتراضي على بعض هذه الرّحلات والزيارات هي في مدى
الاستفادة الحقيقيّة منها، واتّخاذها فرصة لدى البعض لتغيير الجو أكثر من رغبة
الاستفادة، فعادي أن ترى أحدهم يتنقّل من دولة لأخرى، ولغرض أو بدونه، فتجده تارة
في ندوة تتحدّث عن التاريخ، ثم تطالع صورته بعد أقل من أسبوع في مؤتمر عن الاحتباس
الحراري، وبعدها ببضعة أيّام تسمع عن مشاركته في مؤتمر يناقش تقنية المعلومات!
لمجرّد علاقته الوطيدة ببعض المسئولين الذين لا يلقون أيّ اعتبار للمبالغ التي
سيتم هدرها على مشاركة أمثال هؤلاء لأنّ ماليّة الدّولة هي من ستتكفّل بالمصاريف
لا هم!
الأمر الآخر المتعلّق بهذه الزيارات والمشاركات وبالأخصّ
في الجوانب الفكريّة هي فرض أسماء بعينها في معظم هذه المشاركات، فمن بين كل عشرة
فعاليات خارجيّة ستجد أسماء بعينها قد تتكرّر في ثمان منها على الأقل وكأن الزيارة
لن تتم مالم يشارك فيها هؤلاء! بل وأحياناً قد تتكرّر الزيارة سنويّاً إلى نفس
الدولة ولنفس الجهة الرّاعية بمشاركة نفس الأشخاص دون أن يكلّف أحدهم نفسه أن يتساءل
حول آلية ترشيح هؤلاء أنفسهم في كلّ مرّة، وكأنّ البلد قد عدمت من العقول والمواهب
التي يمكن أن تمثّل البلد عدا هؤلاء !!
أتفهّم أن تكون المشاركة
بهدف تقديم ورقة عمل معيّنة، أو عرض نتاج فكريّ قام به الشخص، ولكن أن تكون
مشاركتهم شرفيّة لمجرّد أنّهم لابد أن يشاركوا، أو لمجرّد (تربيطات) هنا وهناك، أو
لأنّ المسئول لا يعيه أساساً موضوع المصاريف المهدرة، فهذا هو الأمر الذي يثير
استغرابي واستغراب آخرين كثر!
ما يؤلمك أنّ (بعض) هؤلاء هم الأكثر حديثاً عن الوطنيّة،
بينما الوطنيّة الحقيقيّة لا تعني بتاتاً تطبيق مبدأ (من أين تؤكل الكتف)، ولا
تعني أيضاً المثل القائل "إذا هبّت رياحك فاغتنمها"!
لو استغلت أموال الرحلات السياحية المسمّاة بزيارات التعرف
على تجارب الدول الأخرى في دعم المشاريع الصغيرة للشباب والمنتجين لكانت أكثر جدوى!
فشراء مكائن خياطة, أو بضعة رؤوس من مواشي
التربية، أو بعض مناحل العسل، أو قوارب صيد قد لا يكلّف ثمن رحلة سياحية لبعض (المحاسيب)
بدعوى التعرف على تجارب الدول الأخرى!!
(4)
في الوقت الذي يخصّص فيه إعلامنا المرئي والمسموع
والمقروء والالكترونيّ مساحات مختلفة للتعبير عن الشكاوى والملاحظات والمطالبات
المجتمعية المختلفة، والتي يغالي (البعض) فيها لدرجة شعورك وأنت تطالع تلك الشكاوى
والمطالبات بأن الصورة المرسومة عن واقع الخدمات والمنجزات هي صورة قاتمة يسودها
القصور، فهل يمكن أن نرى برنامجاً معاكساً يستعرض الجوانب الايجابية التي نلمسها
كل يوم في حياتنا كالإشادة بخدمة حكومية معينة، أو استحسان تصرّف مسئول ما، أو
الحديث عن سلوك حياتي جميل قام به شخص أو مجموعة ما، أو تثمين إقامة مشروع مجتمعي
أو حكومي من شأنه أن يخدم شريحة مهمة من المجتمع...ألخ!
بدون المناقشة الجدية والهادفة لمشاكلنا وقضايانا
المختلفة لن نستطع التوصّل إلى حلول ناجعة لها، وعلينا ألا ندقّق النظر في النصف
الفارغ من الكأس فقط، فكما نحتاج إلى النقد الهادف؛ نحتاج كذلك إلى نشر ثقافة التفاؤل من خلال ذكر الممارسات
الإيجابية كي لا نصبغ حياتنا باللون الأسود وحده.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.