ربّما لم يقتنع زملائي في العمل حتّى الآن بعدم قدرتي
على تحميل المقطع الصوتيّ الذي قام أحدهم بعرضه في جروب الواتساب الخاص بالدائرة
كي يأخذ رأينا الفنّيّ فيه قبل رفعه إلى المسئولين لاعتماده، وذلك على الرغم من
قيامي بأخذ (سكرين) للشاشة وعليها العبارة الخالدة "
لم يكتمل التحميل. الرجاء المحاولة لاحقاً" بعد كلّ محاولة تحميل فاشلة كنت
أقوم بها، ذلك أنّ المقطع لم يتجاوز حجمه (660) كيلو بايت، كما أنّني كنت وقتها في
صور وليس في مجاهل الرّبع الخالي، فكيف لمدينة تعدّ من كبريات المدن في السلطنة،
ومركزاً إداريّاً لإحدى محافظاتها، وحاضرة عرفت بنشاطها التّجاريّ والسياحيّ
البارز أن تكون خدمات الإنترنت بها رديئة للدرجة التي لا يستطيع معها الشخص أن
يحمّل مقطعاً صغيراً أو حتّى يتصفّح موقعاً عاديّاً إلا بشقّ الأنفس؟ وإذا كان
الوضع هو كذلك في مدينة بهذا الحجم والأهمّية، فما بالكم بعشرات المدن والحواضر
والقرى الأخرى!!
وفي كلّ مرّة يتكرّر هذا
الوضع أعمد إلى مراجعة برمجة هاتفي فلربّما كان الخلل منه لا من الشركة المزوّدة
للخدمة، فما زلت غير مستوعب (بتاتاً) أن تكون الخدمة بتلك الرداءة في عصر أصبحت
فيه التكنولوجيا من متطلّبات العصر المهمّة التي لا يقدر المرء على تسيير أمور
يومه بدونها، فما بالكم ونحن في دولة عصريّة تسدّ فيها الإعلانات التي تحث على
استخدام التكنولوجيا في كلّ مناحي الحياة عين الشمس، فهذا إعلان يدعو إلى تسجيل
رغبات الدراسة عن طريق الموقع الإلكتروني، وذلك يهدّد بعدم استقبال الطلبات إلا لو
كانت مرسلة عبر البريد الإلكتروني، وثالث يعد بجوائز مغرية لمن يستخدم العناوين
الإلكترونيّة للشركة من مواقع تواصل، ورسائل sms، وبريد،
وموقع في دفع الفواتير أو الاستفسار عن قيمتها، وما بالكم كذلك وأنا أتحدّث عن
أماكن ليست بالوعرة جغرافيّاً، أو مصنّفة كأماكن ذات نقاط حمراء لأسباب مختلفة.
وفي كلّ مرّة كذلك أتأكّد
أنّه لا علاقة لهاتفي بالمشكلة، فهو حديث الصّنع، ذو علامة تجاريّة معروفة، ومن
نوعيّة الهواتف الذكيّة التي صمّمت للتعامل مع مختلف البرامج ذات العلاقة بشبكة
المعلومات، كما أنّه كان قبل بضعة سويعات قادراً على التصفّح والتحميل عندما لم
أكن قد غادرت مسقط بعد!
أين المشكلة إذاً! ما أعرفه
أنّ الشركات المزوّدة لخدمات الإتصالات المختلفة من هاتف وانترنت وغيره تعدّ من
أكثر الشركات ربحيّة واستقراراً على المستوى المادّي، كما أن كثير من موظّفيها يتمتّعون بمزايا قد لا يحصل عليها
أمثالهم ممّن يعملون في قطاعات أخرى من حيث الرواتب والبدلات والمكافئات والأسهم
والدورات التدريبيّة، وحتّى الدورات المتعلّقة بتنمية الذات، ناهيك عن حفلات
العشاء والغداء والإفطار، وو..ألخ، ويكاد أن تميّز موظّفي هذه الشركات من بين
الآخرين عند مصادفتك لهم في أيّ مقهى أو مطعم فاخر، ناهيك عن اعلانات هذه الشركات
التي تكاد تتعثّر بها في أيّ مكان تمرّ به من حيث الحديث عن العروض والمزايا
المختلفة لخدماتهم بحيث تعتقد أنّ تيّاراً هوائيّاً سيطيح بك وأنت توشك على
استخدام المتصفّح الالكتروني من فرط سرعته.
مرّة أخرى.. ما دامت تلك
الشركات تتمتّع بكل هذه الإمكانات، ومادامت تستقطب كل أولئك الكوادر المدرّبين
جيّداً فأين المشكلة، وأين هيئة تنظيم الإتصالات عمّا يحدث، وهل لها دور فيما نتحدّث
عنه؟ أقسم لكم أنني ظللت أسبوعاً بأكمله طوال إجازة العيد لم أتمكّن من تحميل مقطع
واحد من المقاطع التي أرسلت إليّ عبر الواتساب، وكنت أنتظر حلول الفجر كي أتمكّن
من ارسال تهنئة استعضت فيها بالكلام بدلاً من الصور، وكي أتمكّن كذلك من الحصول
على رفاهيّة أكبر تتمثّل في تصفّح الفيسبوك أو التويتر برغم أن بعض المنشورات كانت
تظلّ لساعات دون تغيير بسبب البطء الرهيب الذي تعانيه الشبكة.
هل يعقل أن يحدث هذا في مدن
تقع في قلب عمان، وفي القرن الحادي والعشرين! وهل لنا (عين) أن نتحدّث عن تطوير
السياحة أو الإقتصاد أو منظومات التعليم والصحّة وغيرها، أو أن نشجّع الشباب على
تبنّي مشاريع اقتصاديّة تخفّف من الأعباء الملقاة على كاهل الحكومة، في ظلّ رداءة
خدمات الإتصالات المقدّمة! وهل يعقل كذلك أن تظلّ قرى يتجاوز عدد سكّانها الخمسة
آلاف نسمة وتتميّز بمقوّمات سياحيّة واقتصاديّة واعدة دون خدمات الهاتف الثابت
وملحقاته من فاكس وتلكس وانترنت أرضي وغيره!
أتذكّر أنّني قبل حوالي
شهرين من الآن وبينما كنت في زيارة عمل إلى مصر، أن قمت باستخراج شريحة هاتف كي
أستخدمها في اتصالاتي خلال الفترة التي سأقضيها هناك فكان عرض شركة الاتصالات التي
صادفني فرعها هو الحصول على ثلاث شرائح ذات أرقام مميّزة تحوي كلاً منها (1600)
دقيقة مكالمات محليّة مجّانيّة، مع (1.700) جيجابايت اشتراك انترنت، وكل ذلك بسعر
مائة جنيه مصري فقط للشرائح الثلاث مجتمعة، أي ما يعادل حوالي خمسة ريالات ونصف،
وأذكر أنّني وقتها وبرغم اقامتي في أحد فنادق الخمسة نجوم التي توفّر خدمة (الواي
فاي) المجّانيّة، إلا أنّني كنت أستخدم شريحة الهاتف في عمليّات التصفّح والتحميل،
واستفدت منها في تحميل سلاسل من الكتب والروايات التي لم أكن لأقدر على تحميلها
هنا، وبرغم تكرار زيارتي لمصر مرتين بعد ذلك، واستخدامي لها في كلتا المرّتين إلا
أنّ العرض ما زال سارياً، ومازال بالشريحة حزمة بيانات كافية تسمح بالتصفّح
والتحميل دون أدنى مضايقة أو بطء أو انقطاع متكرّر كما يحدث هنا، علماً بأنّ
الشركة التي قدّمت لي هذا العرض كانت أقلّ الشركات الثلاث (هناك شركة رابعة ستدخل
السوق المصريّة قريباً) في الإمكانيّات وجودة الخدمات.
على المسئولين في شركات
الاتصالات مصارحتنا بحقيقة الأمر، فأمر كهذا لا يمكن (ابتلاعه) أو السكوت عنه،
فلقد سئمنا الدّفع دون تلقّي الخدمات التي تتناسب والقيمة المدفوعة، وسئمنا اختزال
عمان في مدينة أو اثنتين، وسئمنا الوعود التي نسمعها منذ زمن الجاهليّة بأنّ هناك
مقسماً سيتم افتتاحه قريباً، وآخر في طور الإنشاء، وأنّه سيتم الانتقال قريباً (
وهي كلمة مفتوحة الحدود) إلى استخدام الألياف البصريّة..ألخ، وهي ذات النغمة التي
تكرّرها كثير من الجهات عند تقديم انتقاد معيّن لخدماتها، بحيث تشعر وكأنّ السماء
ستمطر خدمات لا حدود لها، ثم يهدأ كلّ شيء، ويعود الوضع إلى حاله، ويا دار ما
دخلتك شر.
د.محمد بن
حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.