الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

"مشاهد بلديّة"



(1)
في مثل هذا اليوم قبل عام من الآن كنت قد كتبت مقالاً يتناول رؤيتي للمجالس البلديّة ودورها المجتمعي، ومدى التأثير الذي (يفترض) أن تحدثه في المجتمع والذي من شأنه أن يلقي حجراً كبيراً في بحيرة العمل البلدي الراكدة، ويساهم في تغيير كثير من المفاهيم المجتمعية المغلوطة أو المغيبة تجاه نوعية وآلية العمل البلدي، وبالتالي يحمل معه عملاً مجتمعياً يختلف عن سابقه، ويسهم في شمولية التنمية.

كان ذلك الحديث قبيل انتخابات المجالس البلدية. والآن، وبعد عام واحد من أول انتخابات بلديّة شهدتها السلطنة، ماذا حملت هذه التجربة خلال عام من تطبيقها؟ ألم يحن الوقت بعد للقيام بتقييم دقيق متأنّ لها، والاستماع لكافة الملاحظات المتعلقة بها؟

(2)
مازالت النظرة السائدة للعمل البلدي تنحصر في القيام ببعض الأعمال الروتينية كمراقبة وتفتيش المحلات والمطاعم، ورصف بعض الطرق الداخلية، وإصدار تصاريح افتتاح المحلات التجارية المختلفة، والإشراف على المرادم وأماكن التخلص من النفايات، وملاحقة الحيوانات السائبة.

نظرة قديمة تجاوزتها المجتمعات الحديثة منذ عقود.

(3)
إنشاء ملاعب رياضية في كل حارة سكنية بدلاً من لجوء بعض الفتيان إلى مواقف السيارات وأرصفة الشوارع، والاستفادة من البيوت الأثرية القديمة بتحويلها إلى مزارات أو مؤسسات ثقافية وسياحية مختلفة، وتحويل بعض الأماكن البيئية إلى متنزهات طبيعية أو أماكن تخييم، وتوحيد نمط العمران بما يضيف بعداً جمالياً للحي السكني، والاهتمام بالجوانب الثقافية المتمثل في إنشاء المكتبات العامة، وإقامة المهرجانات الثقافية، ومعارض الكتاب، والندوات الفكرية المتنوعة.

هل ستظل مثل هذه الأفكار والمشاريع البلديّة أحلاماً مؤجّلة لأمد طويل، أم أنها يمكن أن تتحقّق في ظلّ وجود فكر منظّم، وتخطيط دقيق، وإرادة قوية لا تعرف الكلل.

(4)
لم تمض سويعات قليلة على توقف جريان أحد الأودية في أحد شوارع مسقط الجانبيّة إلا وكان العمّال يشتغلون بكلّ همّة ونشاط على تنظيف الشارع وإزالة كل مخلّفات الوادي.
أعرف شوارع رئيسة في محافظات أخرى لم تطلها يد التنظيف أو التعديل منذ إعصار (فيت).
يبدو أن مسقط.. غير

(5)
على مسافة أمتار قليلة من منطقة تجمع مياه الأمطار في أحد شوارع المدينة جلس أحد المترشحين لعضوية المجلس البلدي في المقهى القريب من المكان يتحدث بكل زهو عن مشروعه الانتخابي.

المترشح أسهب كثيراً خلال تلك الجلسة في الحديث عن خطط وبرامج سوف يكتسح بها بقية المترشحين، ليس أقلّها المطالبة بإنشاء بمجمع تجاري ضخم أسوة بمجمعات العاصمة، وكالعادة تجميل الشوارع وإنشاء الحدائق والمتنزهات والاهتمام بالصيادين والمزارعين، وبقية طقم العبارات الذي نسمعه كلما اقترب موعد إجراء أية انتخابات .

الغريب أن البرنامج المتخم بكثير من التفاصيل والأحلام لم يأت من قريب أو بعيد على سيرة المياه المتجمعة في الشارع القريب كظاهرة قبيحة تتكون بعد كل رشّة مطر تهطل على المدينة، والتي لا يحتاج لإزالتها سوى دراسة وضع شوارع المدينة، وتحديد مناطق تجمع هذه المياه، والتعامل معها خلال فترة زمنية وجيزة وفق خطة واضحة المعالم .

بعد عام كامل من نجاح ذلك المترشّح (الثري) مازالت المياه متجمّعة في نفس الشارع، ومازال هو يجلس كل يوم في المقهى القريب.
التغيير الحقيقي يأتي من خلال معالجة السلبيات البسيطة قبل التفكير في الأحلام الكبيرة.

(6)
عندما أتجوّل في كثير من الأحياء السكنيّة في أي بقعة من بقاع السلطنة ترهق عينيّ الألوان المتنافرة للبيوت، فهذا أخضر، وذاك أحمر، والثالث أزرق، والرابع بنفسجي، وهكذا، في ظل الحديث عن مخططات سكنية حديثة، يفترض أن تنظّم آلية البناء والتشييد فيها قوانين محددة تحافظ على الطابع المعماري الجمالي المحدد سلفاً.

(7)
هل يمكن أن نرى الحمامات العمومية في المدن والقرى المختلفة؟ الفكرة بسيطة وغير مكلفة، ويمكن أن تطبق برسوم زهيدة كما هو الحال في كثير من الدول.
لو تفرغ بعض المسئولين عن العمل البلدي للاطلاع على بعض تجارب الدول المختلفة لوجدوا كثيرا من الأفكار الجديدة والمهمة القابلة للتنفيذ بدلاً من العيش في (جلباب) من سبقهم.

(8)
ينصّ النظام الأساسي للدولة في مادّته السابعة عشر على أنّ "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقـوق والواجبـات العـامـة".

وبناء على ذلك أفكّر جدّيّاً أن أستغل هذه المادّة لحلّ مشكلة حصولي على أرض سكنيّة في مسقط والتي يبدو الحصول عليها أصعب من ولوج الجمل في سمّ الخياط، وذلك بالبحث عن أيّ أرض فضاء واسعة وتحويلها إلى (عزبة) أسوة بالكثيرين من إخواني المواطنين الذين فعلوا نفس الشيء في بقيّة محافظات السلطنة، وقاموا باستقطاع أراضي واسعة في مواقع بيئيّة وسياحيّة مهمّة، ومن ثمّ تحويلها إلى استراحات تبدأ ببناء بسيط من المواد غير الثابتة، ثم يتم عمل سور يحيط بها، وبعدها يضاف إليها غرفة أو اثنتان بمواد ثابتة، ثم المطالبة بتملكها القانوني تحت عدّة دعاوي مختلفة، وكل المراحل السابقة تحدث في غفلة أو تجاهل أو لامبالاة من المسئولين.

صحيح إنها تعتبر تحايلاً على القانون، ومعلوم أنها تسهم في تشويه المنظر العام، واختلال البيئة الفطرية، ومؤكّد أنها تؤثر على منظومة التخطيط السكاني مستقبلاً، ولكن هل هناك من يبالي بكل هذا وذاك؟

ماذا لو نفّذت أمراً كهذا في مسقط؟ ماذا لو نصبت أسلاكي الشائكة في رمال بوشر، ماذا لو اقتطعت جانباً من شاطئ العذيبة، هل سأترك كما ترك الآخرون، أم سأتعرض للمسائلة لأن الموضوع يتعلق بمسقط؟

(9)
يقترح صديقي بأن تقوم الصحف المحلية بعرض بعض الصّور الفوتوغرافيّة التي تجسّد التجاوزات البيئية أو الإسكانية أو الثقافية، التي يقوم بها البعض إهمالاً أو تعمداً أو لا مبالاة، وذلك على صفحاتها الأولى، وذلك بقصد التوعية، وكي يتفاعل معها أفراد المجتمع بمختلف شرائحهم، ويقوموا برفد تلك الصحف ببعض تلك الصور من خلال ملاحظاتهم اليومية، ولكي تنبّه المسئولين بأهمية المتابعة المستمرة ، كي لا تتكرر تلك التجاوزات .
الفكرة جميلة ، ومنفذه في عديد من الصحف العربية والعالمية، وأعتقد أنه في حال قيام إحدى صحفنا بتنفيذها فإنها ستفاجأ بكمّ الصور التي ستردها من قبل القراء والمهتمين.

(10)
يقولون إن الصين هي أكثر الأماكن ازدحاماً بالسيارات.
ماذا عن مواقف المستشفى السلطاني!
بل ماذا عن مواقف جراند مول!!

(11)
لو قام كل منا بالاهتمام بنظافة المنطقة المحيطة بمنزله ولو لمرة واحدة في الأسبوع لأصبح لمجتمعنا شأن آخر، فما بالنا بكثير من الأعمال المجتمعية التطوعية التي هي في انتظارنا للقيام بها. إذا لم تكن لدينا القدرة على فعل ذلك، فلنكفّ فقط عن أي سلوك قد يضير بالبيئة.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.