الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

مدارس سبيشل

مدارس سبيشل

ذهلت عندما أخبرني محاسب تلك المدرسة الخاصّة الصغيرة الواقعة في أطراف العاصمة مسقط بأن رسوم ابنتي الدراسية لعام دراسي واحد في مرحلة رياض الأطفال يبلغ 600 ريال عماني، وهذا ما جعلني أقوم بحسبة رياضيّة بسيطة: فلو افترضنا أن رسوم الدراسة لعام دراسي كامل في مرحلة رياض الأطفال (600) ريال كمتوسط، وأن عدد طلاب المدرسة يبلغ (200) طالب، وأن طاقم الهيئة الإدارية والتدريسية في حدود (10) معلمات وإداريات، يتقاضين راتباً شهرياً في حدود (200) ريال عماني، فهذا يعني أن إجمالي الرسوم المحصّلة لعام دراسي واحد يبلغ 120 ألف ريال عماني، إذا ما خصمنا منه مبلغ 12 ألف ريال كمتوسط قيمة استئجار المبنى المدرسي لعام كامل، و24 ألف ريال كقيمة رواتب شهرية لمدّة عام كامل، وحوالي 25 ألف ريال كمصروفات نثرية سنوية وقيمة فواتير مياه وكهرباء وغيرها ، فهذا يعني أن صافي الربح السنوي لإدارة المدرسة، والتي في كثير منها تعود إلى أشخاص غير عمانيين، لن يقل عن 60 ألف ريال في السنة، فما بالكم لو كانت رسوم الطلبة في نفس المدرسة للمراحل الدراسية التي تلي مرحلة التمهيدي أعلى من المبلغ الذي حدّدته، وقيمة استئجار المبنى المدرسي أقل من المبلغ المذكور في المقال.
أنا هنا أتحدّث عن مدارس تقع في أطراف العاصمة، فما بالكم بأسعار المدارس الأخرى في قلب مسقط والتي تصل أحياناً إلى الضعف، وهي لا تقل في غالبها عن هذه المدارس من حيث نوعية المباني، أو مستوى الطاقم الإداري والتدريسي، أو نوعية الخدمات التعليمية المقدّمة. 

في صور، كانت رسوم دراسة ابني طوال عام دراسي كامل في مدرسته التي تتكون من طابقين، وتحوي على ملعب ثلاثي لممارسة الألعاب الرياضية المختلفة، وآخر لكرة القدم، وقاعات علمية متعددة الأغراض، ووسائل نقل حديثة، وأنشطة تربوية متنوعة، (300) ريال فقط طوال عام دراسي كامل شامل لقيمة النقل من وإلى البيت، فما هو وجه الاختلاف بين صور أو غيرها من المدن والولايات وبين مسقط؟ سيقول البعض إن قيمة استئجار المباني في مسقط تفوق مثيلاتها في باقي المدن، وهذا كلام مردود عليه، فهذا ليس سبباً رئيساً يجعل أسعار الرسوم تتضاعف بهذا الشّكل، فكثير من مباني المدارس الخاصة في المدن والولايات الأخرى أكثر سعة وتنظيماً وحداثة وأغلى سعراً أحياناً من مدارس خاصّة عديدة بالعاصمة.

وقد يقول آخر إن الإمكانات العالية للكوادر الإداريّة والتدريسيّة بالمدارس الخاصّة التي تقع في نطاق العاصمة هي من تجعل رسوم الدراسة بهذه المدارس مرتفع، وهو رأي أختلف معه كلّية، فكثير من الطواقم التدريسيّة بهذه المدارس هن إما من حملة الدّبلوم العام واللّاتي ينتظرن فرصة التوظيف مستقبلاً في أماكن أخرى بها امتيازات وظيفية أفضل، وإمّا من معلّمين ومعلّمات أتوا كمرافقين لأسرهم، وبالتالي يقبلون بأي راتب يقدّم لهم كوسيلة لتحسين الوضع المعيشي، وإمّا من معلّمين وافدين تم إنهاء عقودهم لدى وزارة التعليم، فالتحقوا بالعمل في هذه المدارس من أجل القيام بتقديم الدّروس الخصوصيّة التي تجلب لهم دخلاّ يوازي أضعاف ما يحصلون عليه من رواتبهم الأساسيّة، لذا فهم يقبلون العمل بهذه المدارس ليس من أجل رواتبها الهزيلة، وإنما كوسيلة للحصول على اقامة قانونية تسهّل لهم مزاولة الدروس الخصوصية التي استشرت كاستشراء النار في الهشيم. 

وقد يرى ثالث إن غلاء المعيشة في العاصمة يضطر أصحاب المدارس الخاصّة بها إلى دفع رواتب عالية لكوادرها التعليميّة، وهذا أمر أشكّ فيه، فعندما سألت المدرّسة العمانيّة المشرفة على مجموعة ابنتي عن الراتب التي تتقاضاه، أخبرتني أنّها تقطع مسافة لا تقل عن 100 كيلو متر يومياً من قريتها الواقعة في ولاية أخرى مقابل مائتي ريال شهرياً فقط، وهو مبلغ مشابه للمبالغ التي تدفع لنفس الكوادر في المدارس الخاصّة في بقيّة المدن، علماً بأنني أعرف كثيراً من المعلمين الوافدين السابقين الذين التحقوا بسلك التدريس في بعض المدارس الخاصّة في صور وغيرها يتقاضون رواتب مضاعفة عدا السكن العائلي المجهّز، وعدا تذاكر السّفر ورسوم العلاج. 

قس على ذلك التجهيزات التعليميّة المختلفة من كتب ومعامل حاسوب وألعاب أطفال، وحدائق، ففي غالبيتها متشابهة، مع ملاحظة أن كثير من المدارس الخاصة التي قمت بزيارتها في الحيّ الذي أعيش به، تعاني من نقص كبير في الألعاب، بسبب ضيق مساحة فناء المدرسة، بل إن المدرسة التي ألحقت ابنتي بها والتي تعتبر من أفضل المدارس في منطقتنا السكنية، لا يوجد في فنائها سوى لعبتان إحداهما مكسورة، ولا يوجد في الأفق ما ينبئ بتغييرهما أو رفدهما بألعاب أخرى، فمادامت الرّسوم قد دفعت فالأمر قد انتهى، ولا ترهق عقلي بأفكار من قبيل أهميّة الألعاب في صقل شخصية الطّفل، وغيرها من المصطلحات التي لا توكّل عيشاً ولا خبزاً.

مع تقديري واعترافي بوجود مدارس خاصّة على أعلى مستوى، تقدم مناهج عالمية متطوّرة، وترتبط بمؤسسات تعليمية مرموقة، إلا أنّه في نفس الوقت علينا أن نعترف بأن هناك مدارس أخرى كثيرة أصبحت تفتح من أجل التجارة لا من أجل تقديم خدمة تعليمية، وأصبح إنشاء مدرسة خاصّة من المشاريع التّجاريّة ذات المكسب السريع والمضمون، وأصبح الأمر لا يتطلّب منك سوى استئجار مبنى يتكوّن من دورين، والاتفاق مع مدرس وافد له خبرة في مدارس السلطنة، بحيث يدير المدرسة من الألف إلى الياء، وليأت بأبنائه أو أقاربه أو زملائه. وليدر المدرسة كما يشاء، وليضع من الرسوم ما يريد. لا ضير، ليس مهماً أن تكون رسالة المدرسة على قدر ما تقدّمه من خدمات، وعلى قدر ما يدفعه الناس من رسوم، المهم هو العائد الشهري الذي سيدفعه لك دون أن تكلّف نفسك عناء المتابعة.
سيقول البعض: أين دور الجهات المسئولة عن متابعة هذه المؤسّسات؟ وهل هناك تشريعات وضوابط ولوائح تحدّد عملها؟ ولماذا لا تكون هناك مراجعة للرسوم الدراسية بحيث تتوازى والخدمات المقدّمة من قبلها؟ ولماذا يقبل كثير من المواطنين على هذه المدارس بل ويلجؤون للاقتراض أحياناً برغم أنها ليست البديل المثالي للمدارس الحكومية في كل الأحوال، ولماذا ولماذا.

لا أجوبة لديّ عن كل التّساؤلات السابقة. كلّ ما أعلمه أن كثير من هذه المؤسسات تحقق ربحاً خرافياً ورسالة علمية لا تتوازى مع الرسوم المدفوعة في ظل انسياق مجتمعي وراء هذه المدارس ربّما لعدم وجود البديل الحكومي في مراحل ما قبل الدراسة، وربما لغياب دور الأم في مجال التربية بحجة الانشغال بالوظيفة الحكومية، وربما من باب الوجاهة الاجتماعيّة، وربما لضعف ثقة البعض في ما تقدمه المدارس الحكومية، وربّما خوفاً من بعضهم على سلوكيّات أبنائه في ظل التغييرات السلوكية والاجتماعية التي تهدّد القيم، والتي لم تستطع التربية بمناهجها وأنشطتها وميزانيتها الضخمة من مواجهتها أو تعديلها.

د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.