"اكتشف مأمورو الضبطية القضائية خلال الجولة التفتيشية الإعتيادية التي يقومون بها، وجود كميات من التبغ المحظور بيعه، والخمور المهرّبة في أحد المحلات التي تمارس نشاط بيع الأدوات المنزلية والكماليات في ولاية السيب، حيث تم ضبط 21 زجاجة خمر، وكميات كبيرة من التبغ غير المدخن والسجائر المخالفة".
هذا الخبر ذكّرني بخبر سابق مشابه مفاده "ضبط أحد الباعة من الجنسية الآسيوية بمحل لبيع الملابس النسائية في الخوض يبيع مشروبات كحولية (خمور)، حيث وجد بحوزته أكثر من 70 زجاجه مشروبات كحولية ( خمور) يقوم بالترويج لها وبيعها لبعض المتعاملين معه".
تخيّلوا معي.. محلّ لبيع المواد والأدوات المنزليّة، وآخر لخياطة الملابس، وكلاهما يقع وسط حيّ شعبيّ مأهول بالسّكّان، وكلاهما كذلك يتعامل مع شرائح مجتمعيّة مختلفة الفئات والأعمار، يبيعان مشروبات (روحيّة) وسط مجتمع يسوده طابع التديّن والمحافظة والتمسّك بالقيم. قد نجد لهؤلاء بعض المبرّرات الواهية إن كانت هذه الضبطيّات قد اكتشفت وسط أحياء خاصّة بالعمالة الوافدة، أو في أماكن منزوية بعيدة عن الأعين، أو في محلّ يقع على قارعة طريق صحراويّ بعيد، أمّا أن يتم ضبطها في محلّات خصّصت أساساً فهي قمّة الجرأة، أو .. اللامبالاة.
إذاً هي سوق سوداء لبيع الممنوعات في منتصف النّهار، وتحت ضوء الشمس، وعلى مرأى من العامّة، ومادامت هناك خمور تباع بهذه الطريقة فهناك بالتأكيد أشياء لا تقلّ خطورة ليس أقلّها حلويّات الأطفال المغشوشة، ولا الإطارات القديمة المعاد استخدامها، ولا البطاطا التي يعاد بيعها بعد جلبها من المرادم، ولا بقايا الجلود والعظام المجلوبة من المسالخ، ولا الأطعمة والمأكولات المعاد استخدامها، ولا المواد الغذائيّة منتهية الصلاحيّة والتي تباع علناً أو بعد تغيير تواريخ انتهائها، ولا زيوت السّيّارات المغشوشة، وليس أهونها المخدّرات بأشكالها وأنواعها "، والتي سمعت أحد متعاطيها البائسين يجيب القاضي في إحدى الجلسات التي حضرتها عندما سأله عن كيفيّة الحصول عليها: " إنها تعرض علينا علناً في الشوارع، جرّب أن تسأل أي آسيوي تقابله وهو سيدلّك بكل بساطة على من يبيعها لك".
بالمختصر المفيد هناك شبكات وافدة تدير جلّ هذه الممارسات المشبوهة والتي تهدّد أمن البلد وسلامته على كل المستويات والأصعدة، وسط حالة صمت رهيبة من قبلنا بحيث أصبح الخوف من الوقوع في الجرم لدى هؤلاء غير موجود إن لم يكن منعدماً من الأساس، يدفعهم إلى ذلك عوامل كثيرة يمكن اختصارها في ضعف سطوة القانون، وثقافتنا الاستهلاكية السلبية في كثير من جوانبها، والصورة الذهنيّة المرسومة لدى هؤلاء عن أنّنا مجتمعات مرفّهة لا مبالية، ويمكن الضحك عليها بأبسط الطرق.
القضيّة الأولى من وراء هذا الطرح هي أن ما يمرّ به مجتمعنا من تفشّي وتنامي لمثل هذه الحالات من الممارسات الاقتصادية والاجتماعية (اللا إنسانية) سبق وأن مرّت بها دول مجاورة ، عانت منها واكتوت بنارها، واتخذت مقابلها عدداً من الخطوات والإجراءات التصحيحيّة، أما نحن فلن نقوم بدراسة تجارب تلك الدول، ولن نتحرّك إلا إذا وقع الفأس في الرأس، أو "بعد خراب مالطا" كما يقولون، هذا إذا تحرّكنا من الأساس.
القضيّة الأخرى هي أنّ (بعضنا) لا يفرّق بين (الجيب) العام والخاص، أو بين الجسد الكبير والصغير، فمادام جيبه الخاص يمتلئ نهاية كل شهر ببعض الفتات، فلا مانع أن يثقب الجيب العام للدولة ككل، وأن يتم استنزاف مواردها بتصرّفات (شيطانيّة) كهذه، ومادام جسده سليماً لم يتأثر بعد بنتائج مثل هذه التصرّفات، فلا يهمّه أن يتم نخر الجسد الكبير للمجتمع بالأمراض الفتّاكة، وتدمير الطاقات الشبابية، وخلخلة الاقتصاد، وسلّم لي على.. الكفيل.
القضيّة الثالثة هي أنّنا حتّى الآن لسنا جادّين في التصدّي لهذه الممارسات، أو حتّى محاولة تقنينها، والدليل على ذلك هي القوانين التي لم تستطع أن تحدّ من خطورة هذه الممارسات التي هي في ازدياد، والتي تكشف لنا الضبطيات اليوميّة للجهات المختصّة عن عشرات الممارسات التي تصيبنا بالذّهول والاستغراب، ومازالت مشاريع القوانين الجديدة أو المعدّلة تتناقل كحجر النّرد من مكتب لآخر، ومن جهة لأخرى.
القضيّة الرابعة هي نظرتنا المغلّفة بالرحمة والعطف، أو بالمصلحة أحياناً تجاه تلك الفئات، فبعضنا يغضب عندما يتم مسّ ممارسات هؤلاء ولو بكلمة، أو الحديث عن تقنين أو ضاعهم، أو الحدّ من سطوتهم الزائدة وسيطرتهم على المفاصل الأساسيّة للسوق والاقتصاد بشكل عام، وأقصد تحديداً ذوي "الشنبات السوداء" الذين تراهم أمامك في كل مكان يصل إليه بصرك في العاصمة، في الشارع، وفي المجمّع التجاري الكبير، وفي المطعم الفخم، وفي البنك، وفي الحديقة العامّة، بسيّاراتهم الفارهة، وبالأختام والأساور وسلاسل الذهب التي تغطّي المعصم والرّقبة، وبالشّعر الكثيف الذي يملأ الظّهر والرقبة ولا تسألني كيف عرفت ذلك، على اعتبار أنّ هؤلاء يسهمون في دفع عجلة الاقتصاد، والمساهمة في بناء الوطن. وبعضنا الآخر ينظر للفئة الأخرى التي يراها (تشحت) بطريقة غير مباشرة عند مكائن سحب الأموال، وفي مواقف السيارات، على أنّهم بسطاء يستحقّون العطف والشّفقة، وهو الأمر الذي يجعلهم يستغلون هذه النظرة للتمادي في السلوكيات التي ما تلبث أن تتحوّل إلى سلوكيّات أكثر خطورة على المجتمع، اعتماداً على منطق (بلد الفرص الوافرة)، و(الناس اللامبالية).
والحلّ.. سنظل نردّد كثيراً كلاماً من قبيل التوعية والتثقيف للمجتمع حول بعض السلوكيّات الاستهلاكيّة، والنظر في قوانين العمل والاستثمار الحاليّة ، وسنّ قوانين أكثر حزماً وصرامة، ووو. ولكن يبدو أن كل ما قلناه، وما سنعيده مستقبلاً ، هو من قبيل الفضفضة فقط، وقد نطالع في المستقبل أخباراً أكثر فظاعة وذعراً، عن ممارسات تقوم بها هذه العمالة أو تلك، وكعادتنا في كل مرّة سنغصب مؤقّتاً، ثم "تعود ريمه إلى حالتها القديمة".
يسألني صديق ظريف: ترى هل هذه المشروبات أصليّة أم مغشوشة. يا راجل؟ هو دا وقته؟
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
هذا الخبر ذكّرني بخبر سابق مشابه مفاده "ضبط أحد الباعة من الجنسية الآسيوية بمحل لبيع الملابس النسائية في الخوض يبيع مشروبات كحولية (خمور)، حيث وجد بحوزته أكثر من 70 زجاجه مشروبات كحولية ( خمور) يقوم بالترويج لها وبيعها لبعض المتعاملين معه".
تخيّلوا معي.. محلّ لبيع المواد والأدوات المنزليّة، وآخر لخياطة الملابس، وكلاهما يقع وسط حيّ شعبيّ مأهول بالسّكّان، وكلاهما كذلك يتعامل مع شرائح مجتمعيّة مختلفة الفئات والأعمار، يبيعان مشروبات (روحيّة) وسط مجتمع يسوده طابع التديّن والمحافظة والتمسّك بالقيم. قد نجد لهؤلاء بعض المبرّرات الواهية إن كانت هذه الضبطيّات قد اكتشفت وسط أحياء خاصّة بالعمالة الوافدة، أو في أماكن منزوية بعيدة عن الأعين، أو في محلّ يقع على قارعة طريق صحراويّ بعيد، أمّا أن يتم ضبطها في محلّات خصّصت أساساً فهي قمّة الجرأة، أو .. اللامبالاة.
إذاً هي سوق سوداء لبيع الممنوعات في منتصف النّهار، وتحت ضوء الشمس، وعلى مرأى من العامّة، ومادامت هناك خمور تباع بهذه الطريقة فهناك بالتأكيد أشياء لا تقلّ خطورة ليس أقلّها حلويّات الأطفال المغشوشة، ولا الإطارات القديمة المعاد استخدامها، ولا البطاطا التي يعاد بيعها بعد جلبها من المرادم، ولا بقايا الجلود والعظام المجلوبة من المسالخ، ولا الأطعمة والمأكولات المعاد استخدامها، ولا المواد الغذائيّة منتهية الصلاحيّة والتي تباع علناً أو بعد تغيير تواريخ انتهائها، ولا زيوت السّيّارات المغشوشة، وليس أهونها المخدّرات بأشكالها وأنواعها "، والتي سمعت أحد متعاطيها البائسين يجيب القاضي في إحدى الجلسات التي حضرتها عندما سأله عن كيفيّة الحصول عليها: " إنها تعرض علينا علناً في الشوارع، جرّب أن تسأل أي آسيوي تقابله وهو سيدلّك بكل بساطة على من يبيعها لك".
بالمختصر المفيد هناك شبكات وافدة تدير جلّ هذه الممارسات المشبوهة والتي تهدّد أمن البلد وسلامته على كل المستويات والأصعدة، وسط حالة صمت رهيبة من قبلنا بحيث أصبح الخوف من الوقوع في الجرم لدى هؤلاء غير موجود إن لم يكن منعدماً من الأساس، يدفعهم إلى ذلك عوامل كثيرة يمكن اختصارها في ضعف سطوة القانون، وثقافتنا الاستهلاكية السلبية في كثير من جوانبها، والصورة الذهنيّة المرسومة لدى هؤلاء عن أنّنا مجتمعات مرفّهة لا مبالية، ويمكن الضحك عليها بأبسط الطرق.
القضيّة الأولى من وراء هذا الطرح هي أن ما يمرّ به مجتمعنا من تفشّي وتنامي لمثل هذه الحالات من الممارسات الاقتصادية والاجتماعية (اللا إنسانية) سبق وأن مرّت بها دول مجاورة ، عانت منها واكتوت بنارها، واتخذت مقابلها عدداً من الخطوات والإجراءات التصحيحيّة، أما نحن فلن نقوم بدراسة تجارب تلك الدول، ولن نتحرّك إلا إذا وقع الفأس في الرأس، أو "بعد خراب مالطا" كما يقولون، هذا إذا تحرّكنا من الأساس.
القضيّة الأخرى هي أنّ (بعضنا) لا يفرّق بين (الجيب) العام والخاص، أو بين الجسد الكبير والصغير، فمادام جيبه الخاص يمتلئ نهاية كل شهر ببعض الفتات، فلا مانع أن يثقب الجيب العام للدولة ككل، وأن يتم استنزاف مواردها بتصرّفات (شيطانيّة) كهذه، ومادام جسده سليماً لم يتأثر بعد بنتائج مثل هذه التصرّفات، فلا يهمّه أن يتم نخر الجسد الكبير للمجتمع بالأمراض الفتّاكة، وتدمير الطاقات الشبابية، وخلخلة الاقتصاد، وسلّم لي على.. الكفيل.
القضيّة الثالثة هي أنّنا حتّى الآن لسنا جادّين في التصدّي لهذه الممارسات، أو حتّى محاولة تقنينها، والدليل على ذلك هي القوانين التي لم تستطع أن تحدّ من خطورة هذه الممارسات التي هي في ازدياد، والتي تكشف لنا الضبطيات اليوميّة للجهات المختصّة عن عشرات الممارسات التي تصيبنا بالذّهول والاستغراب، ومازالت مشاريع القوانين الجديدة أو المعدّلة تتناقل كحجر النّرد من مكتب لآخر، ومن جهة لأخرى.
القضيّة الرابعة هي نظرتنا المغلّفة بالرحمة والعطف، أو بالمصلحة أحياناً تجاه تلك الفئات، فبعضنا يغضب عندما يتم مسّ ممارسات هؤلاء ولو بكلمة، أو الحديث عن تقنين أو ضاعهم، أو الحدّ من سطوتهم الزائدة وسيطرتهم على المفاصل الأساسيّة للسوق والاقتصاد بشكل عام، وأقصد تحديداً ذوي "الشنبات السوداء" الذين تراهم أمامك في كل مكان يصل إليه بصرك في العاصمة، في الشارع، وفي المجمّع التجاري الكبير، وفي المطعم الفخم، وفي البنك، وفي الحديقة العامّة، بسيّاراتهم الفارهة، وبالأختام والأساور وسلاسل الذهب التي تغطّي المعصم والرّقبة، وبالشّعر الكثيف الذي يملأ الظّهر والرقبة ولا تسألني كيف عرفت ذلك، على اعتبار أنّ هؤلاء يسهمون في دفع عجلة الاقتصاد، والمساهمة في بناء الوطن. وبعضنا الآخر ينظر للفئة الأخرى التي يراها (تشحت) بطريقة غير مباشرة عند مكائن سحب الأموال، وفي مواقف السيارات، على أنّهم بسطاء يستحقّون العطف والشّفقة، وهو الأمر الذي يجعلهم يستغلون هذه النظرة للتمادي في السلوكيات التي ما تلبث أن تتحوّل إلى سلوكيّات أكثر خطورة على المجتمع، اعتماداً على منطق (بلد الفرص الوافرة)، و(الناس اللامبالية).
والحلّ.. سنظل نردّد كثيراً كلاماً من قبيل التوعية والتثقيف للمجتمع حول بعض السلوكيّات الاستهلاكيّة، والنظر في قوانين العمل والاستثمار الحاليّة ، وسنّ قوانين أكثر حزماً وصرامة، ووو. ولكن يبدو أن كل ما قلناه، وما سنعيده مستقبلاً ، هو من قبيل الفضفضة فقط، وقد نطالع في المستقبل أخباراً أكثر فظاعة وذعراً، عن ممارسات تقوم بها هذه العمالة أو تلك، وكعادتنا في كل مرّة سنغصب مؤقّتاً، ثم "تعود ريمه إلى حالتها القديمة".
يسألني صديق ظريف: ترى هل هذه المشروبات أصليّة أم مغشوشة. يا راجل؟ هو دا وقته؟
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com