الاثنين، 3 يونيو 2013

يحدث كل يوم

يحدث كل يوم

كان صباحاً أغبر ليس له صاحب عندما وقعت عيناي على تلك الوريقة الصفراء والتي تحوي إيصالاً بمعاملة أكملت الثمانية أشهر في رفوف إحدى الوزارات الخدمية. كان الايصال يحوي البيانات الخاصة بالطلب، وفي أسفله كتبت العبارة الآتية: "للمتابعة (يرجى) الاتصال على الأرقام الأربعة التالية".

يا الله. أربعة أرقام دفعة واحدة ورجاء باتصال؟ ما هذا الكرم الحاتمي والحرص الكبير على تسهيل أمور المواطن وخدمته. إذاً لماذا تلك الموضوعات والمقالات السوداء التي نقرأها كل يوم هنا وهناك مندّدة بسياسة الوزارة وسوء تعامل (بعض) موظفيها.

في تمام الساعة العاشرة بدأت أولى اتصالاتي بالأرقام الموجودة. أتصل على الأول فلا أحد يجيب، أحاول في الثاني، يليه الثالث والرابع، ونفس الأمر يتكرر. أعيد الكرّة من جديد ولا فائدة، أجرّب للمرة الثالثة ولا مجيب.

يساورني الشك في تلفوني، أجرّب الاتصال بهاتفي النقّال فيرن وأسمع صوتي واضحاً. شيطاني الذي بداخلي يقول لي: ربما كان الموظفين مشغولين بالصلاة. ولكن موعدها مازال بعيداً ونحن مازلنا في العاشرة. إذا ربما ذهبوا لتناول الإفطار، اعذرهم وتحمّلهم قليلاً، الغائب عذره معه.

وما الحل يا إبليسي الخبيث؟ فلتجرب أن تتصل بأرقام أخرى، ما رأيك أن تدخل موقع الوزارة الالكتروني، فقد تجد رداً على استفساراتك، ويغنيك عن الاتصال وإزعاج الموظفين.

فكرة طيبة، ثم إن المواقع الالكترونية وجدت لتسهيل المعاملات، أولسنا نتحدث عن عصر الحكومة الإلكترونية، هكذا قلت لنفسي وأنا أفتح موقع الوزارة الإلكتروني. الموقع جميل، ومنظّم بشكل جيد، وتتصدره صورة (معاليه) بابتسامته العريضة وهو يتسلم جائزة الإجادة في الخدمات الحكومية الالكترونية.

باحثاً عن (خانة) أو وصلة أضع بها رقم الطلب أو أية بيانات أخرى تتعلق بي فلا أجد. ما الحل إذاً. هناك وصلة خاصة بدليل الهاتف، فلأفتحها فلربما وجدت من يجيب على طلبي.

أفتح الصفحة فإذا بكل أرقام مسئولي وموظفي الوزارة منسدلة أمامي. يا للهناء. إذا ستحل مشكلتي بعد أول اتصال. ولكن بمن سأبدأ، فلأبدأ بدائرة خدمات المراجعين فقد تكون هي الجهة المخوّلة بالرد على استفسارات مواطن مثلي. أتصل بالأرقام الخمسة الخاصة بالدائرة ونفس الأمر يتكرر، لا مجيب. أعاود الاتصال مرة ثانية وثالثة ولا فائدة. لا يهم، فلأجرب الاتصال بدائرة التنسيق فهواتفهم الستة قد تغنيني عن البقية. ولكن ما هذا، أيضاً لا أحد يرد. لا بأس سأتصل بمكتب رئيس مكتب الوزير فالموظفين في مثل هذه المكاتب غالباً ما يكونون ودودين لطيفين مجاملين بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك لطلبك، أيضاً لا مجيب. أجرب الاتصال بمكتب معاليه وسعادته وبقية المكاتب من شئون قانونية وعلاقات عامة ونقليات وغيرها ولا فائدة. ما هذا يا جماعة. هل موظفي الوزارة في إجازة رسمية وأنا لا أدري. هل اليوم عطلة رسمية. ولكن زملائي في مكاتبهم. ماذا يحدث. وزارة بأكملها لا أحد فيها يرد على هاتف مكتبه ولو عن طريق الخطأ؟

 متسلحاً بما تبقى لي من صبر أيوب، أعاود الاتصال بالأرقام الأربعة الأولى الموجودة بالإيصال، وأيضاً لا فائدة، يدخل عليّ زميلي طالباً مني إنجاز عمل معيّن فيجدني في حالة هيستيرية سيئة، قالعاً عمامتي، فاتحاً جيب دشداشتي، رافعاً أكمامي، وأنا أضغط على أرقام الهاتف بشكل عصبي، ورأسي وألف سيف ألا أخرج من مكتبي قبل أن يرد عليّ أحدهم.

أعود إلى الأرقام الموجودة على موقع الوزارة ولا رد. الله، أخيراً وبعد جهد جهيد يرد علي أحدهم. مساكين لقد ظلمتهم. ألو، كيف حالك أخوي، ممكن استفسار بسيط؟ يرد علي الهاتف " أرباب سوري هزا ستور مافي أوفيس". إذا " جاءت حليمة تفرح ملقتش مطرح".

أجرّب أرقاماً أخرى فيرد علي أحدهم هذه المرة. من صوته يبدو أن حديث التعيين والخبرة، أحكي له عما عانيته، فيتأسف لما حدث، ثم يؤكد عليّ بألا أحاول، فلن يرد عليّ أحد مهما فعلت. سألته إن كان حديث التعيين، فرد بالإيجاب متعجباً كيف عرفت. يا زميلي ربما لن ترد على هذا الهاتف بعد سنة من الآن.

وقت الدوام قارب على الانتهاء وأنا ما زلت في محاولاتي المستميتة، قبل الثانية والنصف بدقائق يرد عليّ أحدهم بصوت خافت وهو يسألني عمّا أريد. أخبره عن معاناتي في التواصل معهم، فيرد عليّ: " أخوي حنوه ما مجبرين نرد ع كل متصل. بو عدنا من الشغل يسد، من الصبح وحنا نرد ع مكالماتكم"، بعيداً عن "حنوه" ودلالتها اللغوية، أجيبه: ولكنكم يا سيدي وضعتم أربعة أرقام تسد عين الشمس وكتبتم (يرجى الاتصال)، وهي صيغة رجاء، فلماذا تلحون علينا بالاتصال ما دمتم لا ترغبون في الرد، ثم إن الخطوط كانت ترن على مدار ثلاث ساعات متواصلة قضيتها في الاتصال، فكيف كنتم مشغولين بالرد على المكالمات .

متجاهلاً الرد على هذه النقطة يطلب رقم الطلب ثم يقول بعدها بثواني: طلبك مرفوض منذ ستة أشهر، لماذا أهملت طلبك ولم تتصل للاستفسار عنه إلا اليوم؟

" يا مصبر الوحش ع الجحش" أقولها في سري. ولكن يا أخي الفاضل أنت قبل قليل كنت تقول لي نحن لسنا مجبرين على الرد على كل الاتصالات، فكيف تطلب مني الاتصال، وأيضاً لم تعطونني موعداً محدداً للانتهاء من المعاملة كي أتصل في حينها، ثم إن ما أعرفه أن هناك دوائر خاصة بخدمات المراجعين في كل مؤسسة حكومية مهمتها الرد على استفسارات المواطنين، والتواصل معهم في الموضوعات التي تخصهم، وكان من البديهي أن تتصلوا بي وتخبروني برفض معاملتي.

ثم كيف لي أن أعرف الموعد بالتحديد، هل كان عليّ أن أوشوش الودع لكي أعرف تاريخ رفضكم للطلب، أم أذهب إلى كاهن من كهّان اليمن لأعرف لماذا رفض موضوعي، أم أتعلم قراءة الفنجان وضرب الودع، أم أستعين بالصبر والصلاة. ماذا أفعل بالضبط؟

والحل. ماذا أفعل الآن. كثير ممن أعرفهم تمت الموافقة على طلباتهم، فلماذا يرفض طلبي؟ جرّب أن تكتب التماساً وتطلب مقابلة أحد المسئولين فقد يتفهم ظروفك ويوافق على طلبك ويستثنيك.

ولماذا تشجّعوننا على التسوّل والاستجداء، وما الذي ستضيفه المقابلة من مبررات قانونية لقبول الطلب، إن كانت معاملتي مرفوضة من الأساس فلماذا قبلتموها بداية، ولماذا طلبتم مني أوراقاً ومستندات إضافية، ولماذا ألجأ للالتماس ما دامت لا تنطبق عليها الشروط.

وحدي ما أعرف. إذاً من الذي يعرف.

د.محمد بن حمد العريمي
mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.