بين الفينة والأخرى تطلّ علينا تصريحات حكوميّة من هنا
وهناك برفع الدعم جزئيّاً عن الطاقة بسبب انخفاض أسعار النفط، وأنّ خطوة كهذه يمكن
تطبيقها بحلول العام الميلادي القادم.
كمواطن بسيط لا يفقه الكثير في القضايا الاقتصاديّة لا
يوجد لديّ أدنى اعتراض على قيام الحكومة برفع الدعم كلّيّاً كان أم جزئي ما دام
هذا الأمر يصبّ في المصلحة العامّة للبلد، ويحقّق لها الاستقرار المنشود. ولكنّي
(كمواطن) كذلك يحقّ لي أن أطرح التساؤلات الآتية، والتي طرحها غيري من خلال سلسلة
من المقالات والتغريدات التي تناقش النقاط ذاتها، من منطلق الاطمئنان على وضع بلدي
الاقتصادي كونه يؤثّر بشدّة على بقيّة الأوضاع، وللإطمئنان كذلك على وضعي المعيشي
المستقبلي، ولعلّني سأبدأ بالتساؤل البديهيّ التالي: إلى متى سنعيش تحت هاجس الخوف
من انخفاض أسعار النفط أو معدّلات انتاجه في أيّ لحظة، ونظلّ نتابع كلّ صبح وعشيّة
أسعار النفط في الأسواق العالميّة كي نتأكّد أنّنا ما زلنا بخير، وأنّه لم يحن بعد
التفكير في التقاعد والبحث عن أيّة وظيفة أخرى في القطاع الخاص خوفاً من تأثّر
رواتبنا جرّاء أيّ انخفاض يطرأ على سعر البرميل!!
ومادامت الحكومة تعلم جيّداً أنّ الاعتماد على النفط كمصدر
أساسي للدخل قد يجعل استقرار البلد الاقتصادي تحت رحمة هذا المصدر والتقلّبات التي
تطرأ عليه، فلماذا لا تبحث عن مصادر دخل أخرى تردفه وتعزّزه، ونحن البلد التي
تمتاز بمقوّمات مهمّة ليس أقلّها الاستقرار السياسي، ولا السواحل الطويلة، ولا
التنوّع الجغرافي والمناخي والثقافي والسّياحي الهائل، وأين هي استثماراتنا في
مجالات مهمّة كالزراعة والسيّاحة والصناعات البتروكيماويّة وغيرها! بل أين هي رؤية
(عمان 2020) بكلّ المشاريع والخطط التي تضمّنتها، ولماذا لم نصل بعد إلى تنويع
مصادر الدخل برغم مرور حوالي 19 عاماً على اعتماد تلك الرؤية!
تساؤل آخر يتعلّق بالشّركات والمصانع العاملة في البلد
وبعضها غير مملوك للحكومة: ماذا عن دعم الطّاقة المخصّص لهذه الشركات!! هل سيتم
رفع جزء منه أم لا! وهل أحصل أنا كمواطن على أسعار مناسبة للمنتجات والخدمات التي
أشتريها أو تقدّم لي من بعض هذه الشركات نتيجة للدّعم الذي قدّمته الحكومة لها
بحجّة تشجيعها ودعم الاستثمار وخلافه! وفي المقابل بماذا تسهم هذه الشركات في
الإقتصاد الوطني!
وهل يعقل مثلاً أن تعطي الحكومة أحدهم قطعة أرض
لاستثمارها سياحيّاً وتقدّم له الدّعم الكامل من أسعار طاقة مخفّضة، ورسوم انتفاع
بسيطة ..ألخ بحجّة أنّه مواطن صالح يسعى لتشجيع اقتصاد بلده، وأنّ مشروعه سيسهم في
فتح بيوت لعدد من المواطنين، ثم أفاجأ كمواطن أن هذا المشروع لم يقدّم لي كمواطن
من الأساس، بل يستهدف السيّاح الأجانب، وأنّ أسعار الخدمات من غرف، ومأكولات
وغيرها مبالغ فيها بشكل خرافي، مّما يضطرّني للمكوث في عراء أحد الأودية أو
السواحل، أو انفاق (تحويشة) العام في دولة أخرى برغم كلّ السّلبيات الاقتصاديّة
والاجتماعيّة والفكريّة التي قد تنتج عن خطوة كهذه!
تساؤل ثالث : عندما تصرّح الحكومة من وقت لآخر بأنّها
سترفع الدّعم أو خلافه من الخطوات التي ستقوم بها، فهل ترتكز على سند معيّن في
تطبيق خطوات كهذه، هل تكون هذه القرارات نتيجة مقترحات مرفوعة من قبل أعضاء
المجالس البرلمانيّة بصفتهم ممثّلين للشعب والأدرى بأوضاعهم وتطلّعاتهم، وكونهم يفترض أن يمارسوا الدور الرقابي على أداء
الحكومة في مختلف المجالات! وهل تكون كذلك نتيجة توصيات دراسات وأبحاث واستطلاعات
رأي قامت بها مراكز بحثيّة مستقلّة أو تابعة لمجلس الوزراء مهمّتها دعم اصدار
القرار الحكومي بعد دراسة تأثيراته المختلفة، وردود فعل المجتمع تجاهها، أم إنها
هي صاحبة القرار الأوّل والأخير!!
تساؤل رابع: لو اضطررت أنا (أو غيري) إلى بيع سيّارتي
فيما لو تمّ تطبيق قرار رفع الدّعم بسبب عدم
القدرة على تحمّل أعباء ماليّة إضافيّة من جرّاء ارتفاع أسعار الوقود،
خاصّة وأنّ مشاويري العمليّة والعائليّة كثيرة، والمسافات متباعدة، فهل ستضمن لي
الحكومة وسيلة مواصلات مناسبة تقلّني إلى عملي أو بيتي أو مدينتي البعيدة في نهاية
كلّ أسبوع! وهل لدينا من الأساس شبكة مواصلات متكاملة تبدأ من مترو الأنفاق وتنتهي
بالقطار مروراً بمواصلات النّقل الجماعي المختلفة من ميكرو وميني وسوبر باص! بل
أين هي شركة النقل الوطني التي تملكها الحكومة، وهل صحيح أنّها تحقّق خسائر
سنويّة!!
أوليس من الأجدر بالحكومة قبل الحديث عن أيّة توجّهات
تخص أيّ قطاع أن توفّر البدائل المناسبة لكل شريحة اجتماعيّة معيّنة سواء كان
الحديث عن قطاع الإسكان أم المواصلات أم السياحة أم التعليم أم الصّحّة أم غيرها،
أم أنّنا نفترض دائماً أنّ الشعب عبارة عن طبقة اجتماعيّة واحدة لا تؤثّر عليها
المتغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة المختلفة!!
تساؤل خامس: كيف يمكن للحكومة أن تحقّق العدالة في موضوع
رفع الدّعم في ظل التباين الواضح المتعلّق باقتناء المواطنين لوسائل النّقل
المختلفة، من حيث حجمها وسعتها اللتريّة، وعدم اقتناء البعض من الأساس لأيّ وسيلة
نقل؟ وماذا عن المتقاعدين، أو صغار الموظّفين، أو العاملين في القطاع الخاص، أو
الذين لا يعملون من الأساس ويملكون وسيلة نقل خاصّة بهم. وهل ستقوم الحكومة مثلاً
بتقديم دعم مادّي محدّد لشرائح اقتصاديّة معيّنة لمساعدتهم على تحمّل تبعات رفع
الدعم ما لو تم تطبيقه!
تساؤل عاشر: معظم سيّارات الدّفع الرباعي والتي تستهلك
طاقة أكثر من غيرها في البلد تملكها الحكومة سواء كانت سيّارات مسئولين أو سيّارات
خدمات، فهل سيتم رفع الدّعم عنها أسوة بغيرها! وماذا كذلك عن دعم الطاقة
الكهربائيّة الذي تمتص كثيراً من المباني الحكوميّة الفخمة جزءاً منه!
تساؤلي قبل الأخير: ماذا عن أسعار السلع والمنتجات
أساسيّة كانت أم كماليّة والتي بلا شك سترتفع كقاعدة اقتصاديّة ثابتة؟ وقتها سيكون
ارتفاع كلفة الإنتاج بسبب رفع الدعم عن الطّاقة (لو حدث بالفعل) هو الشّمّاعة التي
ستعلّق على مدخل كل محلّ وشركة، حتّى لو لم يكن هذا هو السّبب الحقيقي والفعلي. ماذا
عن التطمينات التي ستقدّمها الحكومة في هذا الجانب، وهل سيتزامن رفع الدّعم مع
اصدار حزمة قوانين وتشريعات يمكن أن تحدث التوازن المطلوب! وهل ستعزّز قدرات هيئة
حماية المستهلك وسيتم دعمها بالوسائل التي يمكن أن تعينها على التحدّي المستقبلي
الهائل خاصّة في مجالات الرّقابة والتوعية، أم أن الأمر ليس في الحسبان من
الأساس!!
ما سبق هي بضعة تساؤلات يمكن أن يطرحها أيّ مواطن مهموم
بهذه القضيّة ويخشى تبعاتها على مستواه المعيشي، فهل لدى المختصين أيّة أجوبة
بشأنها!!