الاثنين، 25 فبراير 2013

اعتذارية.. الى سيدي المعلم


اعتذارية .. إلى سيدي المعلم

سيدي. سليل الأنبياء وخليفتهم  وحامل رسالتهم.  لأن رسالتك هي الأهم ، ولأنها الأسمى والأرقى،  وجب علي أن أكتب لك هذه الاعتذاريات التي قد لا تفيك حقك، ولا تقلل من مكانتك التي تحفظها القلوب قبل الدفاتر والكشوف والمحاضر.

سيدي ..اعتذر منك أولاً  نيابة عن ابني الذي أتاني ذات صبيحة كئيبة طائراً على جناح الفرح لأن مدرسته سوف تقوم بصرفهم بعد العاشرة لأنها ستحتفل بيوم يدعى (يوم المعلم)، وبالتالي فلا حصص ولا دراسة برغم أنه (أي ابني)ليس من المحسوبين على أعداء المدارس من الطلاب الذين لم يستوعبهم المجتمع جيداً. لست أدري هل هو خطأه، أم خطأي وخطأ المجتمع أجمع لأننا لم نغرس فيه معناك وقيمتك ومكانتك.

أعتذر منك كذلك لأننا لا نرى في رسالتك تلك الأهمية التي تستدعي تمييزك أو حتى مساواتك بالبعض، حتى ولو قلنا عكس ذلك في وصلات النفاق التي نمارسها هنا وهناك حول دورك وأهميتك ومكانتك وبقية الطقم الذي يقال في كل مناسبة. كتب عليك أن تلعق العلقم بينما الشهد لغيرك، و لا تستغرب لو طاولك أحد طلابك بعد سنة من توظفه . نتحدث عن مكانتك بينما نميز غيرك بالرواتب والهبات والمكافآت والكوادر الخاصة ونمن عليك بذلك، على الرغم من أن رسالتك هي الأخطر، وعلى الرغم أيضاً من أن هؤلاء جميعاً قد خرجوا من تحت عباءة فكرك وجهدك وتضحيتك. هل رأيت أستاذي  تناقضاً أشد من ذلك؟

أعتذر منك سيدي لأنهم لا يتذكرونك سوى مرة كل عام، بخطبة متكلفة أعدت مسبقاً، وغيرت بعض كلماتها وتواريخها. كتبها أناس يجيدون دبج الكلمات لا المشاعر ، وراجعها آخرون بالحذف والاضافة عشرات المرات كي ترضي المسئول، وكي لا ترهقه وتأخذ من وقته الثمين في تعديلها مرة أخرى، ثم صدرت بشأنها عشرات المراسلات كي تصل إلى وجهاتها المعنية، ثم  قرأها ببرود وسط ضجيج الطلاب وصخبهم ولا مبالاتهم،  مدير  أو مساعد أو مدرس أو طالب مجتهد. ليس لأنها تعني لهم شيئاً مهماً،  ولكن لأنه طلب منهم أن يقرأوها كما اعتادوا ذلك كل عام.

اعتذر منك بحجم الملايين التي تصرف على المشاريع والندوات والورش والاحتفالات والزيارات  وقائمة أخرى تطول، بداعي تحقيق الجودة التعليمية، ورفع كفاءة الأداء التربوي، وتحقيق الإنماء المهني لك، بينما لا يتطلب تحقيق أبسط معايير تلك (الجودة ) سوى معاملة كريمة لك تتمثل في توفير مقعد مناسب تجلس عليه بعد ساعات وقوف طويلة  كرسول علم ومعرفة، وخلق بيئة اجتماعية مناسبة  تجعلك أكثر تحفزاً وارتياحاً ورغبة في العطاء،  ولن أتحدث عن حقوقك الأخرى ، فسنتركها بعد توفير المقعد أولاً.

أعتذر منك بعدد آلاف اللجان والفرق  التي تشكل سنوياً لغرض أو بدونه، والتي ترى فيك حقلاً لتنفيذ برامج وفعاليات أغلبها غير ذي جدوى، فهي لا تفعل شيئاً سوى أن تسلب منك وقتاً ثميناً كان يمكن أن تستغله في تعديل سلوك أحد طلابك، أو غرس قيمة نبيلة، أو إضافة معلومة مهمة، أو حتى التفكير في مشروع تربوي هادف.

اعتذر منك  بحجم آهات معلم ناضل كثيراً من أجل استكمال دراسته هنا أو هناك، وبعد أن قطع شوطاً كبيراً في ذلك، وضحى بالمال والأهلون وبأشياء أخرى كثيرة ، كان نصيبه ركن مظلم خلف كرسي عتيق أكلت عوامل الدهر منه كثيراً، أو وظيفة إدارية علاقته بها كعلاقة كاتب المقال باللغة الصينية،  بينما السؤال الأبدي الملح هو لماذا سمح له باستكمال الدراسة مادامت لا توجد الرغبة الصادقة والأكيدة في الاستفادة من خبراته وإمكاناته.

أعتذر منك بحجم طاقات الإبداع  المختلفة المهدرة وسط روتين العمل واللجان والأوراق والقرارات  وتوصيات الاجتماعات واللقاءات التي تشهدها أرقى الفنادق وأفخمها، والتي لم تستطع أن تجعل نهر عطائك متدفقاً رقراقاً فحرم الكثيرون من نبع معينك، ومن شهد عسلك.

أعتذر منك بعدد دمعات عجوز ذاق الأمرين كي يعلم ابنته البكر لتكون له عوناً وظهراً وسنداً بعد أن حنت ظهره مرارات السنين، وعندما أتى ميعاد فرحه أخيراً  فجع بها (شهيدة) في محراب العلم بعد عودتها من تلك القرية النائية البعيدة التي  فشلت لجان التخطيط الكثيرة في أن توفر مقاعد (استثنائية) لعدد من أبناءها كي يقوموا  مستقبلاً بدورهم في تنميتها والنهوض بها فكرياً واجتماعياً، فكان حتماً على تلك البنت أن تضحي بنفسها من أجلهم حتى لو كلفها ذلك حادث أليم بسبب وعورة الطريق أو بعد المسافة، وحتى لو كان الثمن مصير أسرة بكاملها كل ذنبها أنها قدمت للمجتمع فلذة كبدها بعد أن ذاقت الصعاب في سبيل تنشئته وتكوينه كي يكون مواطناً صالحاً باراً بهم.. وبمجتمعه.

أعتذر منك بعدد الذين تركوا وظيفتهم السامية وانتقلوا لجهات أخرى،  والذين يجاهدون لفعل الشيء ذاته بعد أن أيقنوا بصعوبة الاستمرار في تأدية الرسالة لأسباب نفسية ووظيفية مختلفة، والذين هم ذاتهم يحققون معادلة النجاح الكاملة عند انتقالهم لتلك الجهات، ويصبحون مدارس تتعلم منها فئات أخرى في هذه المؤسسة أو تلك.

أعتذر إليك بعدد من علمتهم وساهمت في تشكيلهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وعبرت بهم مخاطر كثيرة، وكنت أباً وأخاً وصديقاً وحاضناً رحوماً عطوفاً بهم،  وأخذت بأيديهم إلى طريق النجاح  ليشقوا طريقهم وسط أمواج الحياة العاصفة، وليكونوا لبنة حقيقية تضاف إلى لبنات هذا الوطن الغالي.
سيدي. أعتذر منك لأشياء كثيرة وكثيرة  قد لا أجد في ذكرها سوى مزيد من الألم، وكثير من الحسرة ، ولكن العزاء هو في دعوات الكثيرين لك  وذكرهم لك بالخير. وفي ابتساماتهم وسلامهم الحار أينما التقوك. فهو أرقى وأصدق تقدير لك. وشرف لك أن تكون الأساس  الذي لولاه لما قامت الحضارات أو بنيت.

سيدي ومعلمي  وتاج رأسي . عذراً لأني تذكرتك اليوم فقط، وعذراً لأني قد أنساك بعد قليل حتى يذكرني بك بعد عام من الآن خبر صحفي صغير عن يوم ابتدعناه لك سرعان ما ننساه.
د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الاثنين، 18 فبراير 2013

قاطعوهم


"قـاطعوهم"

 

  حين قام تجار اللحم زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب برفع سعره من غير سبب لتكثر
 أرباحهم، ذهب وفدٌ إلى الفاروق يطلب منه التدخل لتخفيض الأسعار، فقالوا له: غلا اللحم فسعّره
 لنا،  فقال لهم: أرخصوه أنتم، فقالوا: وكيف نرخصه وليس في أيدينا يا أمير المؤمنين؟ قال: اتركوه
 لهم. فترك الناس شراء اللحم أياماً، وبعد أن تعفن لدى الجزارين أرخصوه مجبورين.

وحين غلا الزبيب بمكة كتب أهلها إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر. أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص . وإن لم يرخص فالتمر خير بديل .

وعندما أراد (غاندي) مقاومة المستعمر الانجليزي ونيل استقلال بلده الهند كانت جملته الشهيرة "احمل مغزلك واتبعني" سلاح مقاطعة فعال كانت له نتائجه الإيجابية الفعالة فيما بعد.

وعندما توحد العرب يوماً ما واستخدموا سلاح المقاطعة في ظاهرة استثنائية غريبة قد لا تتكرر قريباً كانت النتيجة هي انتصار عسكري وسياسي رائع في حرب 1973، ونتائج اقتصادية مبهرة من خلال ارتفاع سعر برميل البترول من دولار واحد إلى ما يقارب الأربعين، مما حقق طفرة عمرانية وتنموية واسعة في بلدان النفط العربي.

وعندما استيقظ المواطن الأرجنتيني يوماً على ارتفاع طفيف في سعر البيض بسبب جشع تجار
 الدواجن، لم يستسلم للأمر وكأن شيئاً لم يكن، إنما أخذ الطبق وأعاده إلى مكانه وقال " هناك أمور
 تعوضني عن البيض فلا داعي له"، وأجبروا التجار بعدها على تقديم اعتذار رسمي للشعب
الأرجنتيني عن طريق جميع وسائل الإعلام، وتخفيض سعر البيض عن سعره السابق بربع القيمة السابقة.

وعندما دخلت سيدة بريطانية عجوز إلى محل البقالة الكائن في قريتها الصغيرة وتفاجأت بارتفاع
 سعر الطماطم، قامت بإرسال رسالة نصية قصيرة إلى كافة معارفها وصديقاتها قائلة لهم " بلاها طماطم اليوم".

وعندما طفح الكيل في دول عربية عدة من الممارسات الجشعة لبعض التجار كان الحل هو تنظيم
 حملات مقاطعة اعلامية منظمة كحملة "اتركها على الرف"، و"لا ترفع الأسعار فالبديل في
 الانتظار"، و"خلوها تصدى"، و"خلوها تغبر"، و" خلوها تفسد "، وهي حملات كان لها أثر ايجابي
 فيما بعد، واضطر التجار لإعادة الأسعار كما كانت.

إذن هي ثقافة أمم  وشعوب لم ترض أن يبتزها أحد في حاجاتها الأساسية، أو يحرمها من قوتها
 اليومي، فكانت المقاطعة أمضى سلاح يتم استخدامه كتعبير معنوي عن الاحتجاج ورفض الإهانة.  

والمقاطعة في أبسط تعريفاتها هي قطع العلاقات بين المستهلك والمُنتِج أو مُقدم الخدمة والتي
 تنطوي على الامتناع عن شراء أو استخدام هذه السلعة أو الخدمة، كتعبير عن الاحتجاج، وعادة
 ما تكون بسبب رفع السعر بلا مبرر واضح أو سوء في الخدمة من توفير قطع الغيار أو سوء في التعامل.

ويعد توجه المستهلكين نحو ثقافة مقاطعة السلع إحدى الوسائل المهمة لإعادة الأسعار لوضعها الطبيعي، وتعد رسالة إلى التجار بعدم مناسبة السلع لقدرات المستهلك الشرائية، وعلى المستوى الاجتماعي تعد ثقافة مقاطعة السلع أمر إيجابي معبر عن موقف اجتماعي تجاه مؤثرات اقتصادية تشهدها السلع من غلاء وتدني مستوى جودة السلع وما قد يلحق بها من عيوب لا يرضاها المستهلك، كما أن ظهور حملات المقاطعة على السطح الاجتماعي يدفع لتنشيط سوق العرض والطلب ومن شأنه المنافسة بين الشركات في طرح منتجات ذات جودة عالية وأسعار تنافسية وفق القدرات الشرائية للمستهلكين.

ومتى كانت المقاطعة مدروسة ومنظمة وتم تطبيقها بأكبر عدد ممكن من مؤيدي المقاطعة قولا وفعلا  فسوف تؤتي ثمارها المرجوة، وبالتالي تحقق أهدافها.

وبرغم الحديث عن دعوات لمقاطعة بعض السلع والمنتجات هنا وهناك إلا أن ثقافة المقاطعة تكاد تكون غائبة بشكل كبير عن مجتمعنا المحلي، ولعل ذلك يعود إلى أسباب عدة لعل من بينها عدم وجود تنظيم يجمع قطاعات المستهلكين حول إرادة واحدة تحمى مصالحهم، بينما في المقابل هناك تنظيمات تحمى مصالح التجار وتتيح لهم فرصة الاتفاق على رفع الأسعار وممارسة الاحتكار، وكذلك عدم وجود أدوار مهمة للمجتمع المدني في هذا الشأن، وأقصد به تنظيمات مجتمعية  خاصة بحماية المستهلك يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في ذلك، لذا فإن كثيراً من الدعوات للمقاطعة يكون محكوماً عليها بالفشل في غالبها من أول وهلة.

وكي يكون سلاح المقاطعة ناجحاً وفعالاً فلابد له من عوامل مهمه كقوة الحجة واقتناع الناس بما يكفي لمقاطعة هذا المنتج أو ذاك، والتهيئة والتنظيم للمقاطعة إعلانيا، وجدية المستهلكين وصبرهم بمقاطعة المنتج حتى لو لم تتوفر لديه البدائل المناسبة في بعض السلع الغير ضرورية جداً، ووجود جمعيات تعاونية تتوفر فيها السلع لكافة الشرائح لمواجهة غلاء الأسعار، والتوجه إلى شراء البدائل من المنتجات أو الاستغناء عن السلعة إذا كانت الحاجة لها غير ملحة، وانشاء المجموعات التوعوية من خلال (قروبات الكترونية) في وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك تطبيقات الهواتف الذكية يتضمن أسعار السلع التي طالتها الزيادة ويفيد أيضا بالمنتجات ذات الجودة الأقل، ويساهم في نشر الثقافة الاستهلاكية ليميز المستهلك بين الجيد والرديء.

عزيزي المواطن. التاجر لا يحترم المستهلك السلبي والذي يتبعه دون تفكير، التاجر يحترم فقط من يقول له: بضاعتك لك لا نريدها. لن يضيرنا شيئاً لو توقفنا عن شراء منتج معين اعتدنا عليه، ولن تقوم القيامة لو استبدلنا هذا المنتج بمنتج آخر يؤدي نفس الغرض، ولن ينتهي الكون لو راجعنا سياستنا الشرائية الخاصة بمستلزماتنا المختلفة، ولا تقل أين البديل، فلو التفت حولك فستجد عشرات البدائل، فالعجوز البريطانية ليست أكثر وعياً منا أحفاد الفاروق، والشعب الأرجنتيني ليس أكثر ثقافة من أبناء علي، وغاندي ليس شخصاً خارقاً. المسألة تتعلق بالمبدأ يتبعه العزم والتصميم، وهناك من التجار من يعتقد بسلبيتنا وسذاجتنا وعدم قدرتنا على اتخاذ مواقف مضادة. أفلم يحن الوقت كي نقول لهم كفى؟

 

قـاطعوهم


"قـاطعوهم"

  حين قام تجار اللحم زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب برفع سعره من غير سبب لتكثر أرباحهم، ذهب وفدٌ إلى الفاروق يطلب منه التدخل لتخفيض الأسعار، فقالوا له: غلا اللحم فسعّره لنا،  فقال لهم: أرخصوه أنتم، فقالوا: وكيف نرخصه وليس في أيدينا يا أمير المؤمنين؟ قال: اتركوه لهم. فترك الناس شراء اللحم أياماً، وبعد أن تعفن لدى الجزارين أرخصوه مجبورين.

وحين غلا الزبيب بمكة كتب أهلها إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر. أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص . وإن لم يرخص فالتمر خير بديل .

وعندما أراد (غاندي) مقاومة المستعمر الانجليزي ونيل استقلال بلده الهند كانت جملته الشهيرة "احمل مغزلك واتبعني" سلاح مقاطعة فعال كانت له نتائجه الإيجابية الفعالة فيما بعد.

وعندما توحد العرب يوماً ما واستخدموا سلاح المقاطعة في ظاهرة استثنائية غريبة قد لا تتكرر قريباً كانت النتيجة هي انتصار عسكري وسياسي رائع في حرب 1973، ونتائج اقتصادية مبهرة من خلال ارتفاع سعر برميل البترول من دولار واحد إلى ما يقارب الأربعين، مما حقق طفرة عمرانية وتنموية واسعة في بلدان النفط العربي.

وعندما استيقظ المواطن الأرجنتيني يوماً على ارتفاع طفيف في سعر البيض بسبب جشع تجار الدواجن، لم يستسلم للأمر وكأن شيئاً لم يكن، إنما أخذ الطبق وأعاده إلى مكانه وقال " هناك أمور تعوضني عن البيض فلا داعي له"، وأجبروا التجار بعدها على تقديم اعتذار رسمي للشعب الأرجنتيني عن طريق جميع وسائل الإعلام، وتخفيض سعر البيض عن سعره السابق بربع القيمة السابقة.
وعندما دخلت سيدة بريطانية عجوز إلى محل البقالة الكائن في قريتها الصغيرة وتفاجأت بارتفاع سعر الطماطم، قامت بإرسال رسالة نصية قصيرة إلى كافة معارفها وصديقاتها قائلة لهم " بلاها طماطم اليوم".

وعندما طفح الكيل في دول عربية عدة من الممارسات الجشعة لبعض التجار كان الحل هو تنظيم حملات مقاطعة اعلامية منظمة كحملة "اتركها على الرف"، و"لا ترفع الأسعار فالبديل في الانتظار"، و"خلوها تصدى"، و"خلوها تغبر"، و" خلوها تفسد "، وهي حملات كان لها أثر ايجابي فيما بعد، واضطر التجار لإعادة الأسعار كما كانت.

إذن هي ثقافة أمم  وشعوب لم ترض أن يبتزها أحد في حاجاتها الأساسية، أو يحرمها من قوتها اليومي، فكانت المقاطعة أمضى سلاح يتم استخدامه كتعبير معنوي عن الاحتجاج ورفض الإهانة.  
والمقاطعة في أبسط تعريفاتها هي قطع العلاقات بين المستهلك والمُنتِج أو مُقدم الخدمة والتي تنطوي على الامتناع عن شراء أو استخدام هذه السلعة أو الخدمة، كتعبير عن الاحتجاج، وعادة ما تكون بسبب رفع السعر بلا مبرر واضح أو سوء في الخدمة من توفير قطع الغيار أو سوء في التعامل.

ويعد توجه المستهلكين نحو ثقافة مقاطعة السلع إحدى الوسائل المهمة لإعادة الأسعار لوضعها الطبيعي، وتعد رسالة إلى التجار بعدم مناسبة السلع لقدرات المستهلك الشرائية، وعلى المستوى الاجتماعي تعد ثقافة مقاطعة السلع أمر إيجابي معبر عن موقف اجتماعي تجاه مؤثرات اقتصادية تشهدها السلع من غلاء وتدني مستوى جودة السلع وما قد يلحق بها من عيوب لا يرضاها المستهلك، كما أن ظهور حملات المقاطعة على السطح الاجتماعي يدفع لتنشيط سوق العرض والطلب ومن شأنه المنافسة بين الشركات في طرح منتجات ذات جودة عالية وأسعار تنافسية وفق القدرات الشرائية للمستهلكين.

ومتى كانت المقاطعة مدروسة ومنظمة وتم تطبيقها بأكبر عدد ممكن من مؤيدي المقاطعة قولا وفعلا  فسوف تؤتي ثمارها المرجوة، وبالتالي تحقق أهدافها.

وبرغم الحديث عن دعوات لمقاطعة بعض السلع والمنتجات هنا وهناك إلا أن ثقافة المقاطعة تكاد تكون غائبة بشكل كبير عن مجتمعنا المحلي، ولعل ذلك يعود إلى أسباب عدة لعل من بينها عدم وجود تنظيم يجمع قطاعات المستهلكين حول إرادة واحدة تحمى مصالحهم، بينما في المقابل هناك تنظيمات تحمى مصالح التجار وتتيح لهم فرصة الاتفاق على رفع الأسعار وممارسة الاحتكار، وكذلك عدم وجود أدوار مهمة للمجتمع المدني في هذا الشأن، وأقصد به تنظيمات مجتمعية  خاصة بحماية المستهلك يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في ذلك، لذا فإن كثيراً من الدعوات للمقاطعة يكون محكوماً عليها بالفشل في غالبها من أول وهلة.

وكي يكون سلاح المقاطعة ناجحاً وفعالاً فلابد له من عوامل مهمه كقوة الحجة واقتناع الناس بما يكفي لمقاطعة هذا المنتج أو ذاك، والتهيئة والتنظيم للمقاطعة إعلانيا، وجدية المستهلكين وصبرهم بمقاطعة المنتج حتى لو لم تتوفر لديه البدائل المناسبة في بعض السلع الغير ضرورية جداً، ووجود جمعيات تعاونية تتوفر فيها السلع لكافة الشرائح لمواجهة غلاء الأسعار، والتوجه إلى شراء البدائل من المنتجات أو الاستغناء عن السلعة إذا كانت الحاجة لها غير ملحة، وانشاء المجموعات التوعوية من خلال (قروبات الكترونية) في وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك تطبيقات الهواتف الذكية يتضمن أسعار السلع التي طالتها الزيادة ويفيد أيضا بالمنتجات ذات الجودة الأقل، ويساهم في نشر الثقافة الاستهلاكية ليميز المستهلك بين الجيد والرديء.

عزيزي المواطن. التاجر لا يحترم المستهلك السلبي والذي يتبعه دون تفكير، التاجر يحترم فقط من يقول له: بضاعتك لك لا نريدها. لن يضيرنا شيئاً لو توقفنا عن شراء منتج معين اعتدنا عليه، ولن تقوم القيامة لو استبدلنا هذا المنتج بمنتج آخر يؤدي نفس الغرض، ولن ينتهي الكون لو راجعنا سياستنا الشرائية الخاصة بمستلزماتنا المختلفة، ولا تقل أين البديل، فلو التفت حولك فستجد عشرات البدائل، فالعجوز البريطانية ليست أكثر وعياً منا أحفاد الفاروق، والشعب الأرجنتيني ليس أكثر ثقافة من أبناء علي، وغاندي ليس شخصاً خارقاً. المسألة تتعلق بالمبدأ يتبعه العزم والتصميم، وهناك من التجار من يعتقد بسلبيتنا وسذاجتنا وعدم قدرتنا على اتخاذ مواقف مضادة. أفلم يحن الوقت كي نقول لهم كفى؟


الاثنين، 11 فبراير 2013

نجاة الصغيره - نسي يا خساره نسي

فشريكك يا ولدي.. مفقود


"فشريكك يا ولدي...مفقود"

بعد أن أفاق الرأي العام من الصدمة الكبيرة التي تلقاها بعد أن أعلنت هيئة حماية المستهلك عن ضبط كميات كبيرة جدا تجاوزت في أعدادها المليون وثمانمائة ألف سلعة منتهية الصلاحية ويتم إعادة تغيير تواريخ انتهائها وكتابة تواريخ صلاحية جديدة تمتد لسنوات عدة وجميعها من علب وأكياس الحلوى والمنتجات المخصصة للأطفال، كان السؤال الذي يدور (وما يزال) في أوساط المجتمع المحلي : أين الشريك العماني للمستثمرين الوافدين المتهمين في هذه القضية، أو بالمصري " هو ابن مين في البلد دي"، ولماذا لم يتم تقديمه للرأي العام بحجة أنه شريك في المؤسسة المتهمة، كما تنص قوانين تنظيم الاستثمار في السلطنة من حيث ضرورة وجود شريك عماني لأي مستثمر  أجنبي يود الاستثمار في السلطنة.

وعندما تم ضبط مؤسسة تتلاعب في تواريخ صلاحية وجودة وسعر 31 الف كيس من الارز بولاية صحم، تكرر نفس السؤال : أين الشريك.
وعندما قامت مجموعة من العمالة الوافدة المخالفين لقانون العمل بصناعة الخبز العماني ( خبز الرقاق) منزلياً وبصورة غير شرعية، تكرر السؤال ذاته ولكن بصورة أخرى هذه المرة: أين الكفيل.
وعندما نسمع يومياً عن مئات (البلاوي) التي تقوم بها هذه العمالة الوافدة بمستثمريها وبسطاءها، والتي تستهدف أمن البلد الغذائي، وعاداته، ومعتقداته، وبيئته، وسلامة أبناءه، يتردد صدى نفس السؤال المؤلم : أين الكفيــــــــــــــــــــل...أين الشريـــــــــك.

وهي أسئلة يبدو أننا سنظل نطرحها كثيراً في ظل عدم وجود تشريعات صارمة تتناسب وفداحة ما يحدث من تجاوزات (صارخة) تنم عن لا مبالاة واستهتار واستغفال وضحك على الذقون واعتبارنا مجموعة من السذج الذين ينطلي عليهم أي شيء، وفي ظل قوانين عتيقة بحاجة إلى جهود برلمانية وتشريعية صادقة ومخلصة تتتبعها بمراجعة موادها، وإعادة النظر فيها، وتعديلها، أو استحداث قوانين جديدة تتناسب وطبيعة المرحلة، وتكون أكثر قدرة على جعل المجتمع أكثر أماناً وسلامة وصحة ونظافة وتكافؤ فرص بين أبناءه ، وفي ظل جشع البعض وركضهم الملهوف وراء ريالات قليلة لا بأس من قبضها مادامت العملية سهلة ولا تتطلب أي مجهود يبذل، وفي ظل انتظام وصول التحويلات المطلوبة إلى الحسابات الشخصية للبعض في بنوك العالم المختلفة من قبل (اللوبي) الذي يدير المؤسسة الضخمة لهذا أو ذلك من (الحيتان)، وفي ظل اشكالية كبيرة في تفسير مفهوم المواطنة لدى البعض، وضعف الوعي والادراك لمفهوم خطير وكبير يدعى (الوطن).

لا يهم أن تحترق (روما) بما فيها، فالمصلحة الشخصية أهم، وهذا الشريك أو المكفول سيظل الأقرب إلى القلب ما دامت الجيوب عامرة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة وطن بمؤسساته وأبناءه و.. فلذة أكباده.

ليست حجة مقبولة أن لا يتم معاقبة الشريك أو الكفيل بحجة عدم علمه بما قام بها شريكه أو مكفوله، وليست مشكلة الوطن أو مشكلة أبناءه البسطاء أن هؤلاء الشركاء قد تركوا (الحبل على الغارب) لشركائهم ومكفوليهم في أن يمارسوا ما يحلو لهم، وأن يتخذوا منا حقل تجارب في ظل (شبق) مادي باعتبارنا لا نبالي بما في جيوبنا، أو لا نهتم بما نصرفه، أو كما لقنوهم في بيئاتهم الأصلية قبل أن يأتوا إلينا نحفاء ضامري البطون سرعان ما تتحول وجناتهم المقعرة إلى كرات تضاهي (الجابولاني) التي استخدمت في نهائيات كأس العالم الأخيرة من معلومات تتركز حول آبار النفط التي توجد في كل بيت من بيوتنا، وكمية النقود التي نستخدمها أحيانا كوقود للطبخ من كثرتها. وعلينا أن ندرك أنه لا كبير أو صغير ، فالمعيار هو الصواب والخطأ، وما دمنا نطالب بإثابة المصيب والمخلص والمنجز، فإننا في الوقت ذاته نطلب عقاب المخطئ وتحمله للمسئولية مهما كانت، ومهما كان وضعه ومكانته الشخصية، خاصة إذا كانت الجريمة بحجم الوطن وأبناءه.

ترى هل سيقتنع (هواميرنا) الكبار أن شباب وطنهم لديهم من القدرة والكفاءة ما يجعلهم يستطيعون الاعتماد عليهم في إدارة مؤسساتهم بدلاً من (لوبي) الوافدين الذي يقنعونهم طوال الوقت بأن لا يشغلوا أنفسهم بأي شيء في ظل وجودهم ( وإخوانهم وأقاربهم وسابع جار)، وهل ستعي تلك المرأة التي أبدت قدراً كبيراً من الذهول والاندهاش والاستغراب بعد أن وصلها خبر ضبط العامل الأسيوي الذي تكفله بسبب متاجرته في زيوت المحركات المغشوشة، أن نفس الوطن أكبر من حفنة ريالات تقبضها نهاية كل شهر، وهل سيشعر خلفان أو سيف أو حمد أو أي مواطن آخر وجد في تجارة (الفيز)، أو في تسريح العمالة الوافدة مقابل مبالغ معلومة، أن ما يقوم به يتنافى مع مفهوم المواطنة الصالحة الذي أشك أن يكون قد سمع به، وهل ستعي كل تلك النماذج السابقة أن الوطن ليس مزرعة نجرب فيها محاصيل رديئة، أو معمل مدرسي صغير نمارس فيه تجارب علمية ندرك مسبقاً أن مصيرها هو الفشل مع بضعة فرقعات هنا وهناك قد تصل إلى حد إحراق المكان.

إن المجتمع هو عبارة عن منظومة متكاملة الأركان، يمكن تشبيهها بالدولاب الخشبي المستخدم في بعض العربات، لا يمكن أن تسير بانتظام طالما كان هناك خلل في أحد اركانها، لذا فإن التأكد من سلامة المكونات، و(التشييك) على أجزائها المختلفة هو مطلب ضروري وملح متى ما رغبنا في انتظام المسيرة بسلامة ويسر، وهذا لن يأتي سوى باستحضار قيمة الوطن، وباستشعار أهميته، وبتكافل أبناءه، وبحرصهم على تذليل كل ما يواجهه من عوائق ومطبات.

ختاماً.. علينا أن لا نركز عند تعاملنا مع القضايا المجتمعية المهمة على التعامل مع النتائج فقط دون البحث عن المسببات، وألا تشبه ردة فعلنا الضجيج الذي سرعان ما يخفت صوته، ثم ننسى كل شيء في زحمة الأشياء وتراكمها، وقتها سنردد متأخرين كلمات أغنية نجاة "يا خسارة نسي".

د.محمد 

الاثنين، 4 فبراير 2013

"ارفعوا أيديكم عن الوطن"


"ارفعوا أيديكم عن الوطن"


لم تكن قضية ضبط الحلويات منتهية الصلاحية والتي تجاوزت في أعدادها المليون وثمانمائة الف سلعة يتم إعادة تغيير تواريخ انتهائها وكتابة تواريخ صلاحية جديدة ، سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة سابقة من الضبطيات التي لا تقل خطورة وأهمية عنها، ولكنها لم تكن تجد الاهتمام الإعلامي والمجتمعي والنخبوي والبرلماني الكافي وكأن الأمر لا يحتمل التفاتة متسائلة حول ماهية ما يحدث وأبعاد ما سيكون، وكأن الأمر كذلك لا يتعدى في نظر البعض بضعة أسطر تحاول من خلالها هيئة حماية المستهلك تلميع صورة سوداء تم رسمها لها قبيل أن تظهر للنور.

قبل هذه الضبطية كانت هناك أخبار من قبيل " ضبط 19 ألف علبة ألبان مخالفة في مصنع لمنتجات الألبان تعمد ختم علب الألبان المعدة للتسويق بتواريخ إنتاج لاحقة لتواريخ الانتاج الفعلية"، و"ضبط أكثر من 8 الاف كيلو جرام من الاسماك غير الصالحة للاستهلاك، و"ضبط عامل في أحد محلات بيع الملابس النسائية بحوزته أكثر من 70 زجاجه مشروبات كحولية يقوم بالترويج لها"، و"ضبط مطعم يقوم بطهي سلع منتهية الصلاحية ويقدمها للمستهلكين دون علم المستهلك بذلك"، و"اكتشاف كميات كبيرة من الاسفنج والملابس المستعملة يتم استخدامها لحشو الأثاث وبيعه على أنه جديد"، و" قيام أحد بائعي الفواكه من العمالة الآسيوية ببيع مجموعه من صناديق المانجو الغير مغطاة على ناصية أحد الشوارع، نصفها محشوة بالأكياس"، و"ضبط أحد العمالة الوافدة التي تعمل في إحدى محطات الوقود الزيت ذات الجودة العالية من العبوات المخصصة له بزيت أقل جوده ومن ثم بيعه للمستهلك"، وعشرات الضبطيات التي لا يتسع المجال لعرضها هنا.
القاسم المشترك في هذه الضبطيات هو ملامستها المباشرة لصحة وسلامة الإنسان المقيم على أرض هذا الوطن، وكذلك دور العمالة الوافدة في معظم هذه الضبطيات وغيرها، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول التشريعات والقوانين الحالية ومدى قدرتها على التصدي لمثل هذه القضايا، وكذلك دور بعض الجهات الحكومية والتشريعية والخاصة تجاه هذه القضايا التي تمس المجتمع وسلامته، ولبعض هؤلاء أوجه عدداً من الرسائل.

أصحاب السعادة المحترمين أعضاء البرلمان الذين فوضكم الشعب ممثلاً عنه كي تبحثون له عن حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً من خلال قيامكم بدور الرقابة، وممارستكم لسلطة التشريع، واستجواب المقصرين، بعد وعود براقة، وبرامج انتخابية لا يأتيها الباطل عن يمينها أو شمالها، أين أنتم مما يحدث؟ هل عجزت عبقريتكم التي تمكنت من (لحس) عقول الناخبين وابتزاز أصواتهم، عن استيعاب الموقف بعد؟ أيعقل أن تكونوا غير قادرين حتى الآن على تمرير قانون مازال حبيس الأدراج منذ سنة وأربعة أشهر، أو حتى سن تشريعات جديدة تكون قادرة على تأمين مستوى أفضل من العيش الكريم والصحة والسلامة للمواطن.

يا غرفة تجارة وصناعة عمان. الوطن أهم من التاجر، وحماية المستهلك شريك قبل أن تكون خصماً لدوداً، أعتقد أن الرسالة واضحة والمغزى لا يحتاج لتبيان.

معشر التجار من الهوامير والصغار.. وطنكم أعطاكم الشيء الكثير، فلا تبخلوا عليه بالقليل، نحن واياكم في مركب واحد، ونحن معاً من يستطيع أن يوصله إلى بر الأمان، فلا تكونوا ثقباً في مركب هذا الوطن. خذوا ما تشاءون من تسهيلات ومنح، ولكن.. امنحونا شيئاً من انسانيتكم، فنحن لا نستحق المرض، ولا نستحق كذلك أن تأتون بمن يعبث في نسيج هذا الوطن فكرياً واجتماعياً لمجرد نظرة بعضكم أن حفنة المال التي ستضاف إلى جيوبكم (المتخمة) هي أكثر أهمية من مواطن بسيط ينظر بعين الحسرة لوافد جلبتموه كي يشاركه في رزقه، ولأمراض أصابته من جراء رغبة وافديكم في الضحك علينا كما ضحكوا عليكم من قبل عندما أوهموكم أنهم أكثر إخلاصاً وصدقاً ووفاءً وإنتاجية من أبناء جلدتكم، فكانت الضبطية الأخيرة وما سبقها دليلاً على نيتهم ولا مبالاتهم.

أيها الإعلام المحلي بمختلف أطيافه.. ستجد في الضبطيات اليومية المختلفة عشرات القضايا التي تصلح كمواد إعلامية متنوعة يمكن من خلالها أن تقوم بدورك المطلوب في مجال التوعية والتثقيف والإرشاد، فلا تنتظر المشكلة كي تقع، ثم تصنع منها مادة إعلامية تحقق مزيداً من السبق الإعلامي أو زيادة عدد المتابعين، فالقضية أكثر عمقاً وأهمية من مجرد سبق إعلامي.

خطباء مساجدنا. لقد مللنا خطب عذاب القبر والثعبان الأقرع، نريد موضوعات تلامس واقع مجتمعنا، وتجعلنا نصحو من اغفاءة النوم التي تنتابنا عند سماعنا لخطبكم تلك.

أيها المفكرين والمثقفين والنخبويين الأشاوس الذين تنظرون للوطن على أنه بقعة داكنة السواد لا مكان فيها للإجادة أو الابداع أو البذل والتضحية. ليس بالنقد الأسود وحده تصلح البلد، وإنما بتقديم المقترحات والملاحظات كذلك، وإذا كانت هناك جهات لم تراوح مكانها منذ أمد، فهناك أخرى تجاوزت مراحل عدة في سبيل العمل المخلص والجاد، فلنقف مع كل خطوة ايجابية، ولنبارك كل جهد مشكور، ولنكن شركاء لا خصوم، فبدون أفكاركم لن ينهض البلد، وبدون رأيكم لن يتقدم كثيراً.

أيها الوافد. وطننا الجميل عرف على امتداد تاريخه الحضاري الطويل باستقباله للغريب، واحتضانه لكل من يريد الخير له، وفي كتب التاريخ والأدب التي لا تعرفونها وصف أهلنا بصفات من بينها النخوة والكرم وحسن استقبال الغريب وإغاثة الملهوف. نقدر لكم دوركم في بناء هذا الوطن في بعض مراحله، لذا فوطننا يفتح أبوابه لكم ما دمتم رسل خير وسلام. كونوا إضافة لهذا البلد المضياف لا نقمة عليه، أفيدوا البلد بما تملكونه من خبرات ومهارات قد لا يمتلكها بعض أبناءه، لكن لا تعتقدوا يوماً أن بإمكانكم الضحك علينا أو اعتبارنا قطيعاً من السذج لمجرد أننا شعب ودود عطوف يساعد الغريب ويمد إليه يديه، أو لمجرد أن (بعض) أبناء جلدتنا لا يعرف قيمة هذا الوطن كما نعرفه نحن البقية، أو لمجرد أن قوانيننا ما زالت قاصرة عن مجابهة (تغول) بعضكم. سوف لن تستمروا طويلاً في محاولاتكم، ولن يكون مجتمعنا مرتعاً لتجاربكم، فتماسكنا كشعب، ووعينا لما يحدث من حولنا، واعترافنا بالقصور الحادث، ووجود جهات تعي دورها الحقيقي، كل ذلك من شأنه أن يوجد حلولاً أكثر نجاعة وقدرة على كبح جماح نظرتكم إلى الوطن على أنه بلد  " الفرص الممتنعة السهولة".

أخيراً.. هيئة حماية المستهلك. سوف لن تغردي وحيدة بعد الآن في مجابهة القضايا التي تمس صحة وسلامة أبناء المجتمع، واقتصاده، فالمجتمع قد أدرك الآن مدى الدور (الجبار) الذي تقومين به، وأن الأمر يتجاوز بمراحل مجرد الشو الإعلامي كما كان يصفه بذلك بعض (المتحذلقين)، وما كون القضية الأخيرة حديث المجالس المحلية بتعددها إلا دليلاً واضحاً على مدى المتابعة والاهتمام، ومؤشر امتنان جلي نتمنى أن يبشر مستقبلاً بمزيد من الشراكة الناجحة في سبيل تخليص الوطن من كثير من الآفات التي تهدد أمنه وسلامته الصحية والغذائية والفكرية كذلك.

أختم مقالي بخبر طريف ومحزن في آن واحد، فقد تم ضبط شخص من الجنسية الأسيوية يعمل جزارا في احدى الملاحم حاول ذبح ثور ميت في أحد الاماكن المخصصة للذبح بولاية إبراء.


د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com