الاثنين، 12 نوفمبر 2012

قراءة في الخطاب السامي (1)


بمناسبة الانعقاد السنوي للفترة الخامسة لمجلس عمان لعام 2012م، ألقى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد خطاباً سامياً استعرض فيه جلالته – حفظه الله – عدداً من الملفات والمحاور المتعلقة بمسيرة العمل والتنمية التي تحققت في ربوع السلطنة.

وقد اشتمل الخطاب السامي على تناول خمسة محاور مهمة هي محور الشورى، ومحور التنمية الشاملة، ومحور القطاع الخاص، ومحور التعليم، ومحور ملامح السياسة الداخلية والخارجية للسلطنة.

بدأ جلالته خطابه بمدخل معنوي روحاني وذلك من خلال استغلال هذا اللقاء الكريم كفرصة لشكر الله على ما أنعم به من فضل ونعمة، والابتهال إليه بأن يزيد عمان وأهلها من خيره العميم، وأن يوفق أبناءها وبناتها إلى ما فيه صلاحهم.

ومن هذا المدخل نلمح مدى التواضع الجم الذي أبداه حفظه الله، وهو تواضع العظام، فبرغم أن ما حوته سيرة هذا القائد العظيم ينبغي أن تدرس في أعرق كليات الإدارة والتخطيط، إلا أنه يشعر من حوله بأن ما تحقق هو بفضل توفيق الله أولاً وأخيراً، كما أن دعوته أن يوفق الله أبناء عمان وبناتها دليل على الاهتمام الذي أولته الدولة للمرأة العمانية، وعلى مدى القرب الروحي بين القائد وشعبه.
ثم تناول جلالته المحور الأول من الملفات التي ركز عليها خطابه السامي، ألا وهو محور الشورى من خلال مجلس عمان بغرفتيه الشورى والدولة، حيث أكد بداية على نجاح تجربة الشورى في عمان من خلال مراحلها المختلفة في السنوات السابقة،واتساقها مع مراحل النهضة، وتوافقها مع قيم المجتمع ومبادئه.

كما أشاد جلالته بمستوى الوعي والإدراك والفهم التي تمتع بها المواطن العماني من خلال تعامله مع الآخر في حواراته وآراءه، وهنا يؤكد جلالته على أنه لا حل لمناقشة قضايانا المجتمعية سوى بالحوار الهادئ الذي تغلب عليه لغة العقل والهدوء والوسطية وعدم التطرف أو الغلو في طرح الآراء والأفكار، متبنين ثقافة التسامح التي عرف بها مجتمعنا على امتداد تاريخه الطويل، مؤكداً على دور مجلس عمان في ترسيخ هذه الثقافة من خلال تناولهم للقضايا المطروحة في أروقة المجالس النيابية بأسلوب حضاري يحترم الرأي والرأي الآخر، ويبتعد عن سياسة الصوت العالي، طالباً منهم أن يكونوا قدوة للآخر، ومضرباً للمثل، وأنموذجاً سياسياً وحضارياً يحتذى على المستويين المحلي والعالمين، خاصة وأن العمانيين قد عرفوا على امتداد تاريخهم الطويل باستلهامهم نهج الشورى في أنظمتهم السياسية المختلفة، وما السبلة العمانية و"البرزة" سوى نماذج لهذا النهج. ونلمح هنا في إشادة جلالته بحكمة أعضاء المجلس في تناولهم للقضايا المختلفة، وإشارته إلى التاريخ العماني العريق، رسائل تحفيز أراد جلالته – بحكمته المعهودة – أن يبثها إلى الأعضاء من أجل مزيد من البذل والعطاء.

وفي المحور الثاني من الخطاب تناول جلالته ملف التنمية الشاملة، حيث بدأ حديثه بالتذكير بوضع السلطنة قبل النهضة، ومدى التحديات التي واجهت الحكومة من أجل نشر مظلة التنمية في كل رقعة من رقاع الوطن، وهو الأمر الذي كان يستلزم الاهتمام بتوفير البنية الأساسية من تعليم وصحة وتدريب وتأهيل وإيجاد فرص عمل متنوعة، على اعتبار أنها ركيزة أساسية لعملية التنمية الشاملة التي شملت فيما بعد كافة التجمعات السكانية في المدن والقرى والسهول والجبال وفي بطون الأودية وفيافي 
الصحاري الواسعة.
وهنا قد تكون رسالة إلى كل مواطن كي يتذكر مدى الجهد الكبير، وصعوبة التحديات التي واجهت جلالته حفظه الله في سبيل تحقيق تنمية شاملة تعود بالرفاهية والرخاء والنماء على مواطني هذا البلد، وإدراك أن أي تقصير أو إهمال من قبل مسئول أو جهة خدمية معينة لا يعني إلغاء كافة الجهود التي بذلت، أو تناسي التضحيات التي قدمت من أجل تحقيق الرخاء والازدهار التي تنعم به البلد في مختلف المجالات.

كما أشاد جلالته بدور الخطط الخمسية للتنمية والتي اشتملت على مشاريع وخطط وبرامج ساهمت في إيصال كافة الخدمات التنموية إلى أرجاء السلطنة المختلفة متغلبة بالعزيمة، والهمة، ووضوح الهدف، والتحديد الجيد للأهداف والبرامج على كثير من المعوقات الجغرافية والاقتصادية التي واجهتها خلال مسيرتها التي امتدت لأكثر من أربعين عاماً، مؤكداً في الوقت ذاته على استمرار هذه الخطط الطموحة، نتيجة للتطور العمراني والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه السلطنة، والرغبة في تعزيز حياة المواطن ايجابياً، وتوفير كافة متطلباته الحياتية.
كما ركز جلالته من خلال خطابه على توضيح اللبس الذي يقع فيه البعض حول اعتقادهم بان الدولة تولي اهتمامها بالبنية التحتية على حساب التنمية البشرية للمواطن، وهو رأي قاصر وفيه ظلم للجهود المبذولة على امتداد أربعة عقود من عمر النهضة، ذلك أن التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رافقت النهضة، وخلة السلطنة من أية مظاهر للبنية التحتية الأساسية عدا بعض المؤسسات البدائية، إضافة إلى التحديات الجغرافية المتمثلة في تباعد المناطق، وتنوع أنماط الاستقرار البشري، وتحديات التضاريس المختلفة، مع محدودية الدخل القومي، كل ذلك أدى إلى اهتمام الدولة بإيصال خدمات البنية الأساسية إلى كافة المناطق دون استثناء، مع الأخذ في الاعتبار أن الاهتمام بمجالات كالتعليم والصحة والتجارة والصناعة والاقتصاد يصب في المحصلة في تنمية الإنسان العماني بشرياً، فالتنمية لم تقتصر على الجوانب المادية فقط، بل تعدتها لتشمل كذلك الجوانب البشرية والمعنوية، وهي دعوة إلى محاولة التأكد قبل إشاعة أي معلومة قد تؤثر سلباً على الوضع المجتمعي.

وتأكيداً لاهتمامه حفظه الله بأهمية التنمية الاجتماعية من خلال جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن، فقد أشار جلالته إلى أن الخطط المستقبلية سوف تشهد مزيداً من التركيز والاهتمام بجوانب هذه التنمية من خلال إتاحة المزيد من فرص العمل وبرامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الإنتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي، وهو أمر أكد عليه جلالته في كثير من خطاباته السامية نقتطف منها هذه المقولة السامية "أولت مسيرتنا عناية كبيرة لإنجاز البنية الأساسية في مجالي التعليم والتدريب وأكملنا بذلك مراحل مهمة حرصاً منا على إعداد أبنائنا للمشاركة في بناء وتنمية البلاد"، وما برنامج ا لألف بعثة دراسية لمرحلتي الماجستير والدكتوراه سوى أنموذج بسيط جداً من نماذج اهتمام جلالته بهذا المجال.

وهو هنا يؤكد ما ذهب إليه – رعاه الله- في الفقرة السابقة من هذا الخطاب من أنه لم يكن هناك إهمال للتنمية البشرية للمواطن العماني بقدر ما كانت هناك تحديات فرضت نشر مظلة البنية التحتية الأساسية كمقدمة للتنمية الشاملة في مختلف المجالات.

وفي ختام هذا الملف أكد جلالته على متابعته الشخصية الكريمة لكافة الخطوات المتخذة في مجال التنمية الاجتماعية، مما يدل بكل وضوح على مدى القرب والتلاحم بين القائد وشعبه، وعلى الاهتمام اللا متناهي الذي يبديه بأبنائه المواطنين من خلال تلمسه لاحتياجاتهم ومتابعته لأوضاعهم المعيشية. نلمح ذلك من خلال الجولات السامية السنوية التي يقوم بها، واستجابته الكريمة لبعض المطالب التي تمت المناداة بها، والتي أكدت مدى الانحياز الكبير الذي يبديه هذا القائد الفذ نحو شعبه الوفي، والتي كانت نتيجتها مشاعر ود واحترام وتقدير لا حدود لها، ويكفي أن جلالته قد ختم هذا الملف بعبارة " وندعو الله العلي القدير أن يوفقنا إلى مزيد من النجاح من أجل عمان وأبنائها البررة المخلصين" .(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.