(1)
أظهرت القوائم النهائية للمرشحين لعضوية مجلس الشورى
للفترة الثامنة تقدّم (674) مرشحاً لنيل (85) مقعداً لعضوية المجلس، وهو عدد يقل
بحوالي (459) مترشّحاً عن الدورة السابعة التي شهدت ترشّح (1133) شخصاً، وقد تكون
هناك عدّة أسباب وراء هذا الانخفاض لعلّ من بينها عدم انطباق بعض الشّروط على كثير
من المترشّحين التقليديّين في المراحل السّابقة وبالأخص شرط المؤهّل العلمي، واستبعاد
بعض المترشّحين لأسباب مختلفة، وربّما يأس البعض وخاصّة من أصحاب الشهادات العليا
بعد أن أدركوا أن الشّهادة والثّقافة لوحدها قد لا تكون عاملاً مهماً لحصد
الأصوات، إضافة إلى اختلاف الظروف الحاليّة عن تلك التي صاحبت الترشّح للدورة
السّابقة، والتي شجّعت البعض وقتها على الترشّح أملاً في تحقيق مكاسب معيّنة.
من الملاحظ كذلك انخفاض عدد النساء المترشحات للتنافس
على مقاعد عضوية المجلس للدورة القادمة حيث بلغ عدد النساء المترشّحات (21) امرأة،
مقارنة بـ (77) امرأة نافسن على الترشح لعضوية مجلس الشورى للفترة السابعة، وفازت منهن
امرأة واحدة فقط، وهو أمر غريب خاصّة ونحن نتحدّث عن فارق يبلغ (56) امرأة، علماً
بأن كثير من المترشّحات في العادة هن من اللواتي تنطبق عليهنّ شروط الانتخاب خاصّة
فيما يتعلّق بالمستوى العلمي، وكثير من المترشّحات كذلك هنّ من اللواتي لهنّ إسهام
ملموس في الحياة المجتمعيّة من خلال عضويّة عدد من الجمعيّات التطوّعيّة، أو من
خلال دورهنّ الوظيفي في المؤسّسات التربويّة والخدميّة، فهل هو اليأس من النّجاح
في ظلّ ضعف قدرة بعضهنّ على حشد أصوات الناخبات على الأقل؟! وهل هي النتيجة
المخيّبة للآمال التي ححصلت عليها المرأة العمانيّة في الدورة السابقة من خلال
الفوز بمقعد واحد فقط؟! هل السبب يكمن في المجتمع الذي مازال ينظر قطاع منه للمرأة
على أنّها غير قادرة على تحمّل المسئوليّات الجسام، أم هي ضعف قدرة المرأة على
التسويق الجيّد لنشاطها وبرامجها وقدرتها على اثبات نفسها كلاعب مجتمعيّ مهم لا
يقل قدرة عن الرجل، أم هي أسباب مشتركة؟!!
(2)
هل ما زال طموح (البعض) من خلال ترشّحه لعضويّة
المجلس في دورته القادمة هو الوصول إلى أحد المناصب العليا، خاصّة بعد اختيار عدد من
أعضاء مجلس الشورى في المرحلة السّابقة لتولي مسئولية بعض الوظائف العليا، وأمله
في أن يصبح مسئولاً كبيراً يشار إليه بالبنان؟!
هل لدينا بالفعل نماذج من "عبده مشتاق" في
مجتمعنا؟!!
(3)
مع ملاحظة تكرار ترشح بعض الأسماء التي لم يحالفها النجاح
في الدورات السابقة، ومع كل التقدير لعدم يأس هؤلاء، ومحاولاتهم الدءوبة للنجاح كل
مرة، إلا أن السؤال المطروح هو : هل حاول هؤلاء تقييم الأسباب التي أدّت إلى فشلهم
في المرات السابقة، وتقديم أنفسهم بشكل يشعر فيه المجتمع أنهم يستحقون الوصول إلى المقعد
البرلماني، أم أنهم تركوا الأمر لظروف الانتخابات القادمة؟!
(4)
يبالغ (البعض) من المترشّحين الجدد في التفاؤل
بالنّجاح في الدورة الانتخابيّة القادمة، وسبب تفاؤلهم وثقتهم الكبيرة هي حصولهم
على الدعم المعنوي والوعد بالترشيح من قبل عدد من الفاعلين في مجالات السياسة
والثقافة والعمل التطوّعيّ، وقيامهم بالتواصل الفكريّ وعرض برامجهم على عدد من
الاشخاص والمؤسسات الفاعلة في هذه المجالات.
ومع وجود أسماء
تستحق بالفعل دخول المجلس، إلا أنه لا يمكن المراهنة أو الاعتماد على أصوات هذه
الشّرائح لوحدها، وأحياناً قد لا يكفي الصوت المفوّه، والفكر المتّقد، والحماس العالي،
فالانتخابات لعبة سياسية معقّدة لها أساليبها وخباياها، وقطاع كبير من المنتخبين (بكسر
الخاء) هم من الأغلبية الصامتة، الذين قد يكون اطلاعهم السياسي ضعيف، ورؤيتهم للأحداث
مختلفة، وقد لا تشغلهم العملية الانتخابية بالشكل الذي يجعلهم يبدون اهتماماً جدياً
بها وبعملية اختيار المرشح المناسب، وأحياناً يطبّقون مبدأ (القريب من العين قريب
من القلب)، لذا فإن الاشتغال الحقيقي على هذه الشريحة أمر مهم للنجاح في العمليّة
الانتخابيّة.
(5)
هل مجرد الاعتقاد بكون الفرد مواطناً له حقوق سياسية
تكفل له الترشّح يعني قطعاً أحقيته في ذلك! أم إن الحصول على العضوية البرلمانية يتطلب
إمكانات وقدرات فكرية وسياسية واجتماعيّة تتناسب والدور الذي ينبغي أن يمارسه البرلمان،
وبالتالي على المرشّح التفكير ألف مرّة قبل اتّخاذه قرار خوض الترشّح ؟!
في بلدان العالم المتقدمة والتي تلعب فيها البرلمانات
دوراً واضحاً في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصاديّة بها، يتقدم المرشّح متسلّحاً
بالعديد من الانجازات الخدمية المجتمعية، ومجهزاً لبرنامج انتخابي واضح الملامح ودقيق
الخطوات، وقابلاً للتطبيق، ويكون ملتزماً بتطبيقه متى ما تحقق له النجاح، وأساس الانتخاب
هناك هو البرنامج وليس الشخص، فمتى كان البرنامج الانتخابي ملامساً لواقع المجتمع،
معبراً عن تطلعاته واحتياجاته بعيداً عن التركيز على الأعمال الخدميّة التي هي من
صميم جهات أخرى حكوميّة وبلديّة كتب له النجاح، وهذا الوعي لم يأت بين يوم وليلة، بل
أتى بعد مخاضات عسيرة، وتجارب طويلة خاضتها برلمانات تلك الدّول.
(6)
خلال الدّورة الحاليّة التي ستكمل الأربع سنوات يلحّ
عليّ سؤال مهم: ترى هل اشتغلنا خلال المرحلة السّابقة على توعية المجتمع بكافّة
شرائحه بثقافة الانتخاب؟! وهل قامت الجهات المختلفة ابتداء من المدرسة وانتهاء
باللجنة الوطنيّة للشباب مروراً بمؤسسات مختلفة كالاعلام والأندية والمؤسسة
الدينيّة ومؤسسات المجتمع المدني كلّ بدوره في هذا المجال من خلال البرامج
المختلفة التي ليس أقلّها انشاء البرلمانات الطلابيّة المصغّرة في المدارس
والكلّيات، وتنظيم الورش العمليّة للشباب في مجال التنشئة السياسيّة، وتقديم برامج
اعلاميّة تركّز على الحوار والنقاش حول قضايا مهمّة كالمواطنة وتعزيز الهويّة
يشارك فيها الشباب جنباً إلى جنب مع المختصين؟! وهل قمنا بعمل استطلاعات رأي تقيس
مدى وعي المجتمع بدور المجالس البرلمانيّة كسلطة مهمّة ضمن السلطات الثلاث التي
تشكّل النظام السياسي، والمقارنة بين الآراء المجتمعيّة المختلفة لواقع أداء
المجلس خلال الفترة السّابقة والحاليّة؟! وهل، وهل، وهل؟!!
(7)
توقعاتي الخاصة لشكل المجلس في دورته القادمة هي أنه
لن يحصل ذلك التغيير الكبير في تشكيلته، وسيكون النجاح حليف عدد لا بأس به من الأعضاء
الحاليين، ذلك أن خبرتهم الانتخابية السابقة، وتوافر الإمكانات المادّيّة والاجتماعية
لدى كثير منهم، وحداثة عهد كثير من المرشحين الجدد بأساليب العملية الانتخابية قد تكون
عوامل رئيسة لنجاحهم، بالإضافة إلى عدم ترشّح بعض أصحاب الكتل الأنتخابيّة وبالأخص
من المشايخ والرشداء والأعيان في المناطق التي ما زالت (القبليّة) تشكّل تأثيراً
كبيراً في سير العمليّة الانتخابيّة، واستبعاد بعض المترشّحين من الحاليّين أو
الجدد الذين كان (يعتقد) أنّهم سيكونون مرشّحين أقوياء، لأسباب مختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.