الثلاثاء، 21 مايو 2013

بنصف عين


"بنصف عيــن"

قلت له مازحاً: أهل لديك طريقة مثلى كي أصبح من أصحاب الأموال بدون أن أرهق نفسي أو أحملها ما لا تطيق من التعب والعناء، خاصة وأنني لست لاعباً مشهوراً، أو فناناً معروفاً، أو أديباً مقرباً.

قال لي وهو يبتسم: الأمر سهل. مخزن منزوٍ عن الأنظار مع كمية كافية من الأكياس البلاستيكية وبضعة أختام وتواريخ مزورة، وبضاعة فاسدة أو رديئة أو منتهية الصلاحية، وسيتحقق لك كل ما تحلم به. هي الموضة السائدة في هذه الأيام. فقط احذرهم،  يقولون إن سرهم (باتع) هذه الأيام، ولديهم القدرة على كشف المستور. تعرف من أقصد بالطبع.

قلت له: ربما تقصد "حماية المستهلك"، برأيك ما السر في نجاحاتهم المتوالية في الكشف عن كثير من القضايا التي تهدد الاقتصاد الوطني، وقبله صحة وسلامة المستهلك في هذا البلد. هل صحيح الكلام الذي يقال عن الميزانية المفتوحة،  والطلبات التي لا ترد.
أجابني ضاحكاً: وماذا لو قلت لك إنها تعمل بنصف عين فقط؟ ثم أردف وهو يعتدل : شوف. دعنا نتفق أن الحكومة جادة ومهتمة بحماية المستهلك، وتسعى لتوفير كل ما من شأنه إنجاح عمل الهيئة وتحقيق أهدافها المنوطة، ولكني أعتقد أن النظرة العامة لهذه الهيئة وأدوارها المهمة لم تتبلور  بشكل واضح في أذهان المجتمع وكثير من مؤسساته وأفراده. ما زال البعض لا يعي حجم (البلاوي) التي تمارس من قبل بعض المتنفّذين في مجال الاقتصاد المحلي وخطورة ذلك عليه، وما زالت هناك فئة لا تعرف الاختصاصات الحقيقية الحالية للهيئة وتلقي عليها باللوم في كل مصيبة تحدث، هل تعلم أن الميزانية السنوية للهيئة لا تتجاوز المبلغ المرصود لبند التدريب في إحدى الوزارات، وأن معظم هذه الميزانية يذهب كرواتب ومصروفات جارية. هل تعلم أن عدد الأخصائيين والمفتشين قد لا يتجاوز المائتين، وهو رقم  لا يتناسب مع العدد الكبير جداً من المحلات التجارية والتي يبلغ عددها مئات الآلاف على مساحات ممتدة في كل أرجاء الوطن، بل إنهم معرضين لكثير من المخاطر الصحية والجسدية. هل تعلم أن الهيئة لا تمتلك أية مختبرات أو معامل بحثية يمكن الاستفادة منها في عمليات فحص السلع والبضائع والحكم على مدى صلاحيتها، أو كشف بعض العيوب التصنيعية في السلع المختلفة كالسيارات والأجهزة وغيرها، هل تعلم أن هناك  قلة في عدد  الكوادر المتخصصة في المجالات الفنية كالهندسة والتغذية والقانون ، يصاحب ذلك عشوائية في التعيين بالرغم من تخصصية المجالات التي تتبع اختصاصات الهيئة، هل تعلم أنها  لا تملك الصلاحية في الرقابة على البضائع التي تدخل من خلال المنافذ المعتمدة، أو على الإعلانات التجارية، والعروض الترويجية التي يتخذ كثير منها طابع الغش والتضليل. ولن أحدثك طبعاً عن  القانون الحالي الخاص بحماية المستهلك والملاحظات المتعلقة به، أو التحديات المتعلقة بالمستهلك نفسه ومدى امتلاكه للوعي الاستهلاكي المناسب. باختصار الهيئة ما زالت تعمل بنصف عين، قد يكون كونها هيئة جديدة جعل من أخبارها ذات تأثير على  الرأي العام، ولكن الأهم من ذلك أنها تتمتع بكاريزما قيادة قد لا تتوافر لدى كثير من أعضاء الحكومة الجديدة. القيادة في الهيئة تفعل ثم تقول وليس العكس. وقاموسها لا يعرف العاهات اللفظية من مثل " دراسات، مقترحات، خطط قادمة"، كما أن خططها تمتاز بوضوح الرؤية وبعد المدى يتبعها القرار الصائب، والأهم من ذلك عدم الخوف على فقدان المقعد. القرارات تتخذ من الميدان وليس من طاولة الاجتماع الفارهة. باختصار هي قيادة تجاوزت مرحلة إدارة المرؤوسين إلى إدارة الكيان بأكمله.

ستسألني عن المطلوب في المرحلة القادمة. المطلوب ببساطة هو اعطاء صلاحيات أوسع للهيئة من الناحية الهيكلية، يعني بالعربي أن توسع قاعدتها الوظيفية، بحيث تتبعها مراكز أو قطاعات متخصصة في مجال مراقبة الغذاء والدواء والخدمات والتأمين والاتصالات وبورصة الأسعار، وكل ما من شأنه سلامة المستهلك في صحته وغذائه وفكره كذلك، ومن ناحية الاختيار الحر من قبل مسئوليها للعناصر المطلوبة بالفعل والتي يمكن أن تضيف شيئاً مهماً في مجال حماية المستهلك، وليس لمجرد توظيف الكوادر الشبابية بغض النظر عن تخصصاتهم أو مستوياتهم، وتوفير الموارد المالية المناسبة كي تتمكن الهيئة من ممارسة أدوراً أكبر في مجال الرقابة والتوعية، وانشاء المختبرات والمعامل المناسبة للقيام بعمليات الفحص والتحليل، وكذلك نقل بعض الصلاحيات الخاصة ببعض الجهات إلى الهيئة كتصاريح العروض الترويجية والتخفيضات الموسمية، وحبذا لو تم دمج الجهات الفنية المتعلقة بمراقبة الأسواق والتابعة ضمن الهيكل العام للهيئة بحيث لا يكون هناك تضارب اختصاصات.

يعني بالمختصر مقعد في مجلس الوزراء ما دمنا قد اتفقنا على أن دورها لا يقل أهمية عن أدوار مؤسسات أخرى كالصحة والتعليم والإسكان والزراعة وغيرها. نتحدث الآن عن انجازات تحققت بنصف عين. تخيل وقتها ماذا سيحدث عندما تعمل بعينين مفتوحتين عن كاملهما.

د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.