الثلاثاء، 5 يونيو 2012

ماذا جرى للعمانيين


ماذا يحدث في البلد هذه الأيام؟ وما هذا التراشق  الفكري الذي يسود المنتديات السياسية المحلية، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؟ ولماذا وصل الأمر إلى قيام الادعاء العام باتخاذ الاجراءات القانونية ضد مروجي الكتابات المسيئة والدعوات التحريضية؟ ماذا جرى لنا معشر العمانيين؟ ولماذا حشرنا أنفسنا في خانتين : مع أو ضد؟

لست مع  الطرح المغالي في تشاؤمه، والذي يرى في البلد مجرد ضيعة منهوبة الخيرات لصالح فئة بسيطة على حساب البقية، ولست كذلك مع التطاول الذي يقوم البعض تجاه عدد من رموز البلد تحت دعوى حرية الطرح والديمقراطية، فالأوضاع ليست بتلك الصورة السوداوية، والحرية المفتوحة  قد تتحول إلى عبث مالم تكن حرية مسئولة. وعلى هؤلاء أن يدركوا  أنه لا توجد هناك ديمقراطية كاملة، وأن هناك الكثير من المنجزات قد تحققت في هذا البلد، وأن هذا القائد قد أعطى الكثير الكثير لبلده وشعبه، وأن هناك حراك ايجابي يشمل كثيراً من المجالات، والسبب في ذلك هو حالة الحوار الفكري التي تسود البلد منذ سنوات، والتي أثرت ايجاباً على مختلف المناحي السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، فأصبحنا نشعر أخيراً بأن هناك مجلساً حقيقياً للشورى يمارس دوره في التشريع والرقابة، وهو بحاجة إلى مزيد من الوقت كي تنضج أدواره بحيث يشعر بها الشارع السياسي في البلد،  وبدأنا نلمس في إعلامنا  حرية رأي لا بأس بها  يشيد بها  كثير ممن  يتعاطون  مع وسائله المختلفة، وما نتابعه من حالات تعسف أمني  أو حالات سحل أو تعذيب أو امتهان لكرامة المواطن في دول تدعي الديمقراطية وحرية الرأي لا نراه في بلدنا بذلك الشكل الذي يثير الرعب والتخوف، وحدودنا مع دول الجوار محددة ومرسومة وفق اتفاقيات دولية مما يقينا من خطر براميل موقوتة قد تكلفنا الكثير لو لم نقفل ملفها، وتماسكنا الاجتماعي لا يختلف عليه اثنان، فالطائفية والمذهبية والعنصرية يكاد لا وجود لها عدا بعض التصرفات الشخصية التي لا تعبر عن سياسة السلطة ونهجها القائم على أن أفراد المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات،  وفرص الإبداع تكاد تكون متاحة للجميع دون استثناء، بل إن الشاب العماني الذي كان البعض يتهمه بالكسل والرغبة في الوظيفة الجاهزة أصبح الآن يشق طريقه في مختلف المجالات، ويشهد على ذلك الكثير من المؤسسات الثقافية والاقتصادية التي تعود ملكيتها لهؤلاء الشباب.

ولست كذلك مع من يمارس التطبيل على طول الخط، دون تفكير في الأسباب التي أدت بالبعض إلى إبداء اعتراضهم  أو نقدهم لبعض الممارسات، فحالة الارتياح المادي أو الوظيفي أو المجتمعي لدى بعض هؤلاء ، أو ولادة بعضهم الآخر بملاعق من ذهب، أو ضحالة ثقافتهم المجتمعية وعدم اطلاعهم على الأوضاع السائدة لا تجيز لهم ممارسة "التشبيح الفكري" على الطرف الآخر، ففي الوقت الذي ينعم بعضهم بخيرات هذا البلد بأسلوب أو بآخر، فإن هناك من يعاني ، وفي الوقت الذي  تلبى طلباتهم بسرعة البرق، فإن هناك آخرين قد ينتظروا لسنوات كي يمن عليهم أحد المسئولين بمساعدة هي من صميم عمله أساساً وليست منة يقدمها لهم.

على هؤلاء أن يدركوا أن هناك كثيراً من القضايا المجتمعية التي تستدعي توقفنا عندها، وهناك من الممارسات الخاطئة لدى بعض المسئولين ما يتطلب تصدينا لها، ولا يعني حجم المنجزات أن نظل طوال الوقت نتغنى بها ونمجدها دون الإشارة إلى أية هفوات أو أخطاء قد ترتكب،  هناك أموال تهدر في غير موضعها، وهناك فئات اجتماعية تعاني التهميش، وهناك مؤسسات لا يتوازى انتاجها مع ما تم اعتماده لها من ميزانيات، وهناك مسئولين تسلقوا السلالم الوظيفية بسرعة البرق لمجرد (موالستهم) للمسئول فلان، أو قرابتهم من الشيخ علان، أو صداقتهم للسيد ترتان، وهذه (الطحالب) تسهم في عرقلة منظومة العمل وإرجاعه إلى الوراء، ففاقد الشيء لا يعطيه . هناك أشياء كثيرة هي بحاجة إلى وقفة جادة وصادقة للتعامل معها قبل أن يستفحل تأثيرها السلبي على باقي مناحي المجتمع.

والحل...علينا أن نستمر في الحوار ، لن تتقدم البلد بدون حوارنا الوسطي الهادف ، وحسن اختيارنا للأطروحات والقضايا، وبدونه لن نحقق ما نصبو إليه من نواقص تتعلق بالتجربة السياسية، والعدالة الاجتماعية والحرية الإعلامية، والتوزيع العادل للخدمات، فالصوت العالي ليس هو الوسيلة المناسبة دائماً لتحقيق كل ذلك.

يكمن الحل كذلك في إعادة النظر في ثقافتنا السياسية ، فلا يكفي أن نفتتح قسما للسياسة في الجامعة ما لم  يواكبه تأهيل مسبق يتمثل في مناهج للتربية المدنية أو الوطنية أو السياسية يتعلم فيها النشء المبادئ العامة . مناهج تغرس لديه احترام الرأي الآخر، وتجعله مشاركاً نشطاً في قضايا وطنه المختلفة، وفرداً فاعلاً في مجتمعه. تعلمه احترام القانون وعدم التعدي على حقوق الآخر والحفاظ على مكتسبات بلده المختلفة، وتجيب على أسئلته المتعلقة بآلية المشاركة السياسية الفاعلة ابتداء من اختيار رئيس الفصل الدراسي وانتهاء بانتخاب عضو مجلس الشورى المؤهل.

نحتاج إلى تفعيل أكبر لدور البرامج الاعلامية القائمة على الحوار ومناقشة القضايا المجتمعية المختلفة بكل شفافية ووضوح، وتقلص الهوة بين المواطن والمسئول, فمتى ما شعر المواطن بأن هناك قنوات تتيح له التعبير الصادق عما يشعر به، وما يراه ويلامس واقعه، فإنه سيكون أكثر تفاؤلاً وأقل حدة وتشاؤم.

نحتاج إلى مؤسسات مجتمع مدني تحقق مبدأ الشراكة ، وتعين الحكومة على أداء أدوارها المجتمعية، فجهود الحكومة قد تكون قاصرة في الوصول إلى كل رقعة أو حالة انسانية أو اجتماعية معينة .

نحتاج إلى مراجعة شاملة لجهود قطاعات مهمة كالتعليم والثقافة والتنمية الاجتماعية، فبرأيي أن الجهود التي تقوم بها هذه الجهات به جانب من القصور لا يتوافق والميزانيات المخصصة لها ، فحالة الحنق والغضب التي يبديها البعض هي بسبب شح الخدمات الثقافية والمجتمعية المقدمة لهم، فهل يعقل أن تظل كثير من الولايات والقرى  بدون مكتبات عامة، أو مراكز ثقافية، أو أماكن لممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية المختلفة ونحن في الألفية الثانية؟ وماذا تنتظر من شاب لا يعرف في قريته سوى المدرسة والمسجد، وباقي وقته يقضيه بلا تخطيط مسبق  لأنه لا يجد ما يشغل به هذا الوقت.

نحتاج إلى الاختيار الجيد لأعضاء اللجنة الوطنية للشباب، وسرعة الانتهاء من ذلك كي تتمكن من ممارسة دورها في التوعية والتثقيف وغرس  الفكر السياسي الواعي.

الأهم من هذا وذاك أن نعي أن هذا الوطن الغالي لا يحتمل المغامرة، ولا يحتمل  التشتت بقدر ما يحتاج إلى التعدد والتنوع وإقامة جسور التواصل بين كافة الاتجاهات مهما تباعدت المسافات، فلنرفق بهذا الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.