دخل الصيف بحره المرهق،
وبدأت إجازة المدارس، وأصبح التفكير الذي يشغل بال البعض هو أين سيتم قضاء إجازة
الصيف، وما هي الأماكن السياحية الداخلية المناسبة التي يمكن للعائلة أن تقضي فيها
بعض الوقت الجميل بشرط أن تتناسب تلك
الأماكن وميزانية الأسرة، وتلاؤمها مع المستوى الثقافي والاجتماعي لها.
ومن يتأمل وضع السياحة الداخلية في السلطنة فإنه
يجد الكثير من الملاحظات التي هي بحاجة إلى وقفة جادة وإعادة نظر، فكثير من الأسر
العمانية والجاليات المقيمة لا تجد الفرصة الكافية للاستمتاع بالسياحة الداخلية في
السلطنة برغم التنوع الجمالي الهائل، وبرغم المقومات الطبيعية والتاريخية التي
تتميز بها السلطنة، وذلك بسبب أمور عدة لعل من بينها: ضعف التوعية الإعلامية
المتعلقة بالسياحة الداخلية، وضعف المقومات السياحية الجاذبة من حيث انتشار
المرافق المتعددة، وقلة عدد أماكن الإيواء السياحي، والمغالاة في أسعار الإقامة في
هذه الأماكن إن وجدت، وقلة عدد الوكالات والمكاتب السياحية الفاعلة في مجال
السياحة الداخلية، فباستثناء فصل الخريف
في محافظة ظفار وما يرتبط به من سياحة فصلية، وباستثناء بعض المجمعات التجارية في
مسقط، فإن كثيراً من المعالم والنزل السياحية في بقية المناطق تكاد تكون مجهولة،
أو لا تتوافر المعلومات الكافية المتعلقة بها، أو لا توجد عروض سياحية مناسبة تغري
قطاع كبير من الأسر والأفراد بالحصول عليها، أو قد لا تتوافر بها المرافق التي
تشجع على ارتيادها.
وتعد نيابة الأشخرة والمناطق المحيطة بها جنوباً وشمالاً من الأماكن
السياحية الجميلة التي يمكن أن تكون رديفاً سياحياً مناسباً وقليل التكلفة لمن لا
يستطيع الذهاب إلى خريف صلالة أو السفر خارج السلطنة، أو تحمل كلفة الشقق الفندقية
المرتفعة في مسقط، ولم لا فكثير من العوامل التي تدخل في صناعة السياحة متوافرة
بها، فالجو معتدل طوال العام، والشواطئ ذهبية صافية، والبنية التحتية من طرق وهاتف
محمول وخدمات تجارية متنوعة متوافرة، إضافة إلى التنوع الثقافي من فلكلور مغنى ،
وصناعات تقليدية مختلفة، والترحيب الواضح لسكان تلك المناطق بضيوفهم، أضف إلى ذلك موقعها الاستراتيجي على بحر العرب، وأهميتها كميناء صيد
مهم، وموقعها كمحطة توقف للقادم من ولايات صور وجعلان وبقية الولايات باتجاه مصيرة
أو الوسطى وظفار.
ولكي تتطور الأشخرة سياحياً، وتصبح منطقة جذب للسياحة الداخلية فإن ذلك
يتطلب العديد من الخطوات لعل من أهمها
تحويلها إلى مركز إداري مستقل إدارياً ومالياً كي نتخلص من (عاهات)
البيروقراطية والروتين وضيق الأفق الذي يميز عمل بعض المؤسسات الحكومية التي يقع
على عاتقها مسئولية الإشراف الإداري والبلدي على المنطقة، على أن يتم توفير كافة
المرافق من مركز خدمات بلدية، وخدمات أمن، ومركز خدمات سياحية، وأسواق شعبية،
وتخطيط عمراني يتناسب وموقع النيابة، ويمكن للقائمين على مجال السياحة أن يدرسوا
تجربة مدينة (الأقصر) أو (شرم الشيخ) في مصر على سبيل المثال.
تحتاج الأشخرة إلى تسويق سياحي جيد من خلال تشجيع رأس المال المحلي
والخارجي على الاستثمار السياحي فيها، بما يخلق (صناعة) جيدة للسياحة فيها، بحيث
يتعرف المستثمر على مقومات السياحة المتنوعة التي تمتاز بها النيابة، على أن
يتواكب ذلك مع وضع رزمة من التسهيلات التي تجذب المستثمرين لعل من بينها الإعفاءات
الضريبية، وتخصيص مساحات مناسبة من الأراضي لإقامة المشاريع السياحية على أن تكون
وفق ضوابط معينة، تمنع البعض من حجز هذه الأراضي وإعادة التصرف فيها سواء بالبيع
أو في استغلالها في إنشاء مشاريع أخرى لا علاقة لها بقطاع السياحة.
تحتاج الأشخرة كذلك إلى إعادة النظر في
التصميم الجمالي والحضاري الحالي للنيابة، فمن موقعها الحالي، يمكن أن نخلق
(موناكو) أو (نيس) أو (مايوركا)،أو حتى (غردقة)، و(شرم شيخ) جديدة، فكثير من
المقومات الطبيعية متوافرة بهذه النيابة، ومن يقف على شاطئها لا يمكن إلا أن يتخيل
تلك المدن إذا كان قد زارها.
ويستطيع كثير من الشباب العماني المجيد أن يضعوا تصاميم
جميلة للأشخرة الجديدة، تتضمن تطوير مصنع السفن الحالي، وتجميل الواجهة العمرانية
ابتداء من ميناء الصيد الجديد، وحتى ساحل الاستراحات، وإنشاء كورنيش عصري ،
واستزراع بعض أشجار المناطق الموسمية كالنارجيل و(الفافاي) التي يتناسب جو النيابة
مع نموها على امتداد الكورنيش،مع تخصيص مكان لوجود أسواق حرفية وشعبية تنهض
بالسياحة، وتربط الحاضر بالماضي، وتوجد مصادر دخل لعدد من الحرفيين.
كما أن الطرق المؤدية إلى مداخل النيابة سواء من رأس الحد أو مركز ولاية
جعلان بني بو علي بحاجة إلى إعادة نظر، فهذه الطرق تعاني من عدد من المعوقات التي
تؤثر سلباً على حركة السياحة بها من حيث مصابيح الإنارة التي لا تعمل ليلاً، ومن
تقاطعات مريعة، ومجاري أودية مختلفة، وتراكم للكثبان الرملية على امتداد الطريق،
وحيوانات سائبة تعبر الطريق ليلاً ونهاراً، بحيث لا يمر شهر دون أن نسمع عن حادث
مريع راح ضحيته الكثيرين خلال الفترات السابقة.
ولأن الأشخرة - كغيرها من مناطق عمان المختلفة – تتميز
بموروث غني من الفلكلور الثقافي المتنوع كالفنون العمانية المغناة، فإن تطوير هذا
القطاع، من خلال توفير مسارح العرض المهيأة بكافة الإمكانات التقنية والمادية،
وتشجيع القائمين عليه على إنشاء الفرق المختلفة يعد رافداً مهماً من روافد الحركة
السياحية بالمنطقة، كما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحفاظ على هذا الإرث الحضاري
المهم الذي بدأ في الاندثار نتيجة قلة التشجيع، وابتعاد المهتمين به لأسباب تتعلق
بضعف التشجيع.
بدون هذه الخطوات وغيرها فلن تتطور المنطقة، أما في ظل الوضع الحالي، فستظل
العشوائية السياحية موجودة، وسيتكرر منظر السياح الذين يتوزعون على مظلات إسمنتية
صغيرة متآكلة الجدران، تضطرك الرياح المحملة بالأتربة إلى أن تستنجد بها، وقد تعود
أدراجك في حال لم تلق مظلة خالية.
ومن المهم التأكيد على
حاجتنا إلى "صناعة حقيقية للسياحة" ، فالسياحة لم تعد مجرد مصطلح
اقتصادي نتداوله كبقية المصطلحات دون أن نعي معناه الحقيقي، ولم يعد يرتبط
كذلك ببعض المحظورات التي يعتقد البعض أن
السياحة قد تجلبها، مما يترتب عليه تغييراً للقيم، أو إدخالاً لثقافات غير مرغوبة،
بل أصبحت تحمل في طياتها رسالة حضارية وثقافية مهمة، تحاول البلدان المختلفة من
خلالها تصدير ثقافاتها، والتعريف بحضارتها،والترويج لمنجزاتها.
د.محمد
بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com