الثلاثاء، 12 يونيو 2012

السياحة الداخلية - الأشخرة أنموذجاً


دخل الصيف بحره المرهق، وبدأت إجازة المدارس، وأصبح التفكير الذي يشغل بال البعض هو أين سيتم قضاء إجازة الصيف، وما هي الأماكن السياحية الداخلية المناسبة التي يمكن للعائلة أن تقضي فيها بعض الوقت  الجميل بشرط أن تتناسب تلك الأماكن وميزانية الأسرة، وتلاؤمها مع المستوى الثقافي والاجتماعي لها.

 ومن يتأمل وضع السياحة الداخلية في السلطنة فإنه يجد الكثير من الملاحظات التي هي بحاجة إلى وقفة جادة وإعادة نظر، فكثير من الأسر العمانية والجاليات المقيمة لا تجد الفرصة الكافية للاستمتاع بالسياحة الداخلية في السلطنة برغم التنوع الجمالي الهائل، وبرغم المقومات الطبيعية والتاريخية التي تتميز بها السلطنة، وذلك بسبب أمور عدة لعل من بينها: ضعف التوعية الإعلامية المتعلقة بالسياحة الداخلية، وضعف المقومات السياحية الجاذبة من حيث انتشار المرافق المتعددة، وقلة عدد أماكن الإيواء السياحي، والمغالاة في أسعار الإقامة في هذه الأماكن إن وجدت، وقلة عدد الوكالات والمكاتب السياحية الفاعلة في مجال السياحة الداخلية،  فباستثناء فصل الخريف في محافظة ظفار وما يرتبط به من سياحة فصلية، وباستثناء بعض المجمعات التجارية في مسقط، فإن كثيراً من المعالم والنزل السياحية في بقية المناطق تكاد تكون مجهولة، أو لا تتوافر المعلومات الكافية المتعلقة بها، أو لا توجد عروض سياحية مناسبة تغري قطاع كبير من الأسر والأفراد بالحصول عليها، أو قد لا تتوافر بها المرافق التي تشجع على ارتيادها.

وتعد نيابة الأشخرة والمناطق المحيطة بها جنوباً وشمالاً من الأماكن السياحية الجميلة التي يمكن أن تكون رديفاً سياحياً مناسباً وقليل التكلفة لمن لا يستطيع الذهاب إلى خريف صلالة أو السفر خارج السلطنة، أو تحمل كلفة الشقق الفندقية المرتفعة في مسقط، ولم لا فكثير من العوامل التي تدخل في صناعة السياحة متوافرة بها، فالجو معتدل طوال العام، والشواطئ ذهبية صافية، والبنية التحتية من طرق وهاتف محمول وخدمات تجارية متنوعة متوافرة، إضافة إلى التنوع الثقافي من فلكلور مغنى ، وصناعات تقليدية مختلفة، والترحيب الواضح لسكان تلك المناطق بضيوفهم، أضف إلى ذلك موقعها الاستراتيجي على بحر العرب، وأهميتها كميناء صيد مهم، وموقعها كمحطة توقف للقادم من ولايات صور وجعلان وبقية الولايات باتجاه مصيرة أو الوسطى وظفار.
ولكي تتطور الأشخرة سياحياً، وتصبح منطقة جذب للسياحة الداخلية فإن ذلك يتطلب العديد من الخطوات لعل من أهمها  تحويلها إلى مركز إداري مستقل إدارياً ومالياً كي نتخلص من (عاهات) البيروقراطية والروتين وضيق الأفق الذي يميز عمل بعض المؤسسات الحكومية التي يقع على عاتقها مسئولية الإشراف الإداري والبلدي على المنطقة، على أن يتم توفير كافة المرافق من مركز خدمات بلدية، وخدمات أمن، ومركز خدمات سياحية، وأسواق شعبية، وتخطيط عمراني يتناسب وموقع النيابة، ويمكن للقائمين على مجال السياحة أن يدرسوا تجربة مدينة (الأقصر) أو (شرم الشيخ) في مصر على سبيل المثال.

تحتاج الأشخرة إلى تسويق سياحي جيد من خلال تشجيع رأس المال المحلي والخارجي على الاستثمار السياحي فيها، بما يخلق (صناعة) جيدة للسياحة فيها، بحيث يتعرف المستثمر على مقومات السياحة المتنوعة التي تمتاز بها النيابة، على أن يتواكب ذلك مع وضع رزمة من التسهيلات التي تجذب المستثمرين لعل من بينها الإعفاءات الضريبية، وتخصيص مساحات مناسبة من الأراضي لإقامة المشاريع السياحية على أن تكون وفق ضوابط معينة، تمنع البعض من حجز هذه الأراضي وإعادة التصرف فيها سواء بالبيع أو في استغلالها في إنشاء مشاريع أخرى لا علاقة لها بقطاع السياحة.
تحتاج الأشخرة كذلك إلى إعادة النظر في التصميم الجمالي والحضاري الحالي للنيابة، فمن موقعها الحالي، يمكن أن نخلق (موناكو) أو (نيس) أو (مايوركا)،أو حتى (غردقة)، و(شرم شيخ) جديدة، فكثير من المقومات الطبيعية متوافرة بهذه النيابة، ومن يقف على شاطئها لا يمكن إلا أن يتخيل تلك المدن إذا كان قد زارها.

ويستطيع كثير من الشباب العماني المجيد أن يضعوا تصاميم جميلة للأشخرة الجديدة، تتضمن تطوير مصنع السفن الحالي، وتجميل الواجهة العمرانية ابتداء من ميناء الصيد الجديد، وحتى ساحل الاستراحات، وإنشاء كورنيش عصري ، واستزراع بعض أشجار المناطق الموسمية كالنارجيل و(الفافاي) التي يتناسب جو النيابة مع نموها على امتداد الكورنيش،مع تخصيص مكان لوجود أسواق حرفية وشعبية تنهض بالسياحة، وتربط الحاضر بالماضي، وتوجد مصادر دخل لعدد من الحرفيين.
كما أن الطرق المؤدية إلى مداخل النيابة سواء من رأس الحد أو مركز ولاية جعلان بني بو علي بحاجة إلى إعادة نظر، فهذه الطرق تعاني من عدد من المعوقات التي تؤثر سلباً على حركة السياحة بها من حيث مصابيح الإنارة التي لا تعمل ليلاً، ومن تقاطعات مريعة، ومجاري أودية مختلفة، وتراكم للكثبان الرملية على امتداد الطريق، وحيوانات سائبة تعبر الطريق ليلاً ونهاراً، بحيث لا يمر شهر دون أن نسمع عن حادث مريع راح ضحيته الكثيرين خلال الفترات السابقة.

ولأن الأشخرة - كغيرها من مناطق عمان المختلفة – تتميز بموروث غني من الفلكلور الثقافي المتنوع كالفنون العمانية المغناة، فإن تطوير هذا القطاع، من خلال توفير مسارح العرض المهيأة بكافة الإمكانات التقنية والمادية، وتشجيع القائمين عليه على إنشاء الفرق المختلفة يعد رافداً مهماً من روافد الحركة السياحية بالمنطقة، كما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحفاظ على هذا الإرث الحضاري المهم الذي بدأ في الاندثار نتيجة قلة التشجيع، وابتعاد المهتمين به لأسباب تتعلق بضعف التشجيع.
بدون هذه الخطوات وغيرها فلن تتطور المنطقة، أما في ظل الوضع الحالي، فستظل العشوائية السياحية موجودة، وسيتكرر منظر السياح الذين يتوزعون على مظلات إسمنتية صغيرة متآكلة الجدران، تضطرك الرياح المحملة بالأتربة إلى أن تستنجد بها، وقد تعود أدراجك في حال لم تلق مظلة خالية.

ومن المهم التأكيد على حاجتنا إلى "صناعة حقيقية للسياحة" ، فالسياحة لم تعد مجرد مصطلح اقتصادي نتداوله كبقية المصطلحات دون أن نعي معناه الحقيقي، ولم يعد يرتبط كذلك  ببعض المحظورات التي يعتقد البعض أن السياحة قد تجلبها، مما يترتب عليه تغييراً للقيم، أو إدخالاً لثقافات غير مرغوبة، بل أصبحت تحمل في طياتها رسالة حضارية وثقافية مهمة، تحاول البلدان المختلفة من خلالها تصدير ثقافاتها، والتعريف بحضارتها،والترويج لمنجزاتها.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com


الثلاثاء، 5 يونيو 2012

ماذا جرى للعمانيين


ماذا يحدث في البلد هذه الأيام؟ وما هذا التراشق  الفكري الذي يسود المنتديات السياسية المحلية، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؟ ولماذا وصل الأمر إلى قيام الادعاء العام باتخاذ الاجراءات القانونية ضد مروجي الكتابات المسيئة والدعوات التحريضية؟ ماذا جرى لنا معشر العمانيين؟ ولماذا حشرنا أنفسنا في خانتين : مع أو ضد؟

لست مع  الطرح المغالي في تشاؤمه، والذي يرى في البلد مجرد ضيعة منهوبة الخيرات لصالح فئة بسيطة على حساب البقية، ولست كذلك مع التطاول الذي يقوم البعض تجاه عدد من رموز البلد تحت دعوى حرية الطرح والديمقراطية، فالأوضاع ليست بتلك الصورة السوداوية، والحرية المفتوحة  قد تتحول إلى عبث مالم تكن حرية مسئولة. وعلى هؤلاء أن يدركوا  أنه لا توجد هناك ديمقراطية كاملة، وأن هناك الكثير من المنجزات قد تحققت في هذا البلد، وأن هذا القائد قد أعطى الكثير الكثير لبلده وشعبه، وأن هناك حراك ايجابي يشمل كثيراً من المجالات، والسبب في ذلك هو حالة الحوار الفكري التي تسود البلد منذ سنوات، والتي أثرت ايجاباً على مختلف المناحي السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، فأصبحنا نشعر أخيراً بأن هناك مجلساً حقيقياً للشورى يمارس دوره في التشريع والرقابة، وهو بحاجة إلى مزيد من الوقت كي تنضج أدواره بحيث يشعر بها الشارع السياسي في البلد،  وبدأنا نلمس في إعلامنا  حرية رأي لا بأس بها  يشيد بها  كثير ممن  يتعاطون  مع وسائله المختلفة، وما نتابعه من حالات تعسف أمني  أو حالات سحل أو تعذيب أو امتهان لكرامة المواطن في دول تدعي الديمقراطية وحرية الرأي لا نراه في بلدنا بذلك الشكل الذي يثير الرعب والتخوف، وحدودنا مع دول الجوار محددة ومرسومة وفق اتفاقيات دولية مما يقينا من خطر براميل موقوتة قد تكلفنا الكثير لو لم نقفل ملفها، وتماسكنا الاجتماعي لا يختلف عليه اثنان، فالطائفية والمذهبية والعنصرية يكاد لا وجود لها عدا بعض التصرفات الشخصية التي لا تعبر عن سياسة السلطة ونهجها القائم على أن أفراد المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات،  وفرص الإبداع تكاد تكون متاحة للجميع دون استثناء، بل إن الشاب العماني الذي كان البعض يتهمه بالكسل والرغبة في الوظيفة الجاهزة أصبح الآن يشق طريقه في مختلف المجالات، ويشهد على ذلك الكثير من المؤسسات الثقافية والاقتصادية التي تعود ملكيتها لهؤلاء الشباب.

ولست كذلك مع من يمارس التطبيل على طول الخط، دون تفكير في الأسباب التي أدت بالبعض إلى إبداء اعتراضهم  أو نقدهم لبعض الممارسات، فحالة الارتياح المادي أو الوظيفي أو المجتمعي لدى بعض هؤلاء ، أو ولادة بعضهم الآخر بملاعق من ذهب، أو ضحالة ثقافتهم المجتمعية وعدم اطلاعهم على الأوضاع السائدة لا تجيز لهم ممارسة "التشبيح الفكري" على الطرف الآخر، ففي الوقت الذي ينعم بعضهم بخيرات هذا البلد بأسلوب أو بآخر، فإن هناك من يعاني ، وفي الوقت الذي  تلبى طلباتهم بسرعة البرق، فإن هناك آخرين قد ينتظروا لسنوات كي يمن عليهم أحد المسئولين بمساعدة هي من صميم عمله أساساً وليست منة يقدمها لهم.

على هؤلاء أن يدركوا أن هناك كثيراً من القضايا المجتمعية التي تستدعي توقفنا عندها، وهناك من الممارسات الخاطئة لدى بعض المسئولين ما يتطلب تصدينا لها، ولا يعني حجم المنجزات أن نظل طوال الوقت نتغنى بها ونمجدها دون الإشارة إلى أية هفوات أو أخطاء قد ترتكب،  هناك أموال تهدر في غير موضعها، وهناك فئات اجتماعية تعاني التهميش، وهناك مؤسسات لا يتوازى انتاجها مع ما تم اعتماده لها من ميزانيات، وهناك مسئولين تسلقوا السلالم الوظيفية بسرعة البرق لمجرد (موالستهم) للمسئول فلان، أو قرابتهم من الشيخ علان، أو صداقتهم للسيد ترتان، وهذه (الطحالب) تسهم في عرقلة منظومة العمل وإرجاعه إلى الوراء، ففاقد الشيء لا يعطيه . هناك أشياء كثيرة هي بحاجة إلى وقفة جادة وصادقة للتعامل معها قبل أن يستفحل تأثيرها السلبي على باقي مناحي المجتمع.

والحل...علينا أن نستمر في الحوار ، لن تتقدم البلد بدون حوارنا الوسطي الهادف ، وحسن اختيارنا للأطروحات والقضايا، وبدونه لن نحقق ما نصبو إليه من نواقص تتعلق بالتجربة السياسية، والعدالة الاجتماعية والحرية الإعلامية، والتوزيع العادل للخدمات، فالصوت العالي ليس هو الوسيلة المناسبة دائماً لتحقيق كل ذلك.

يكمن الحل كذلك في إعادة النظر في ثقافتنا السياسية ، فلا يكفي أن نفتتح قسما للسياسة في الجامعة ما لم  يواكبه تأهيل مسبق يتمثل في مناهج للتربية المدنية أو الوطنية أو السياسية يتعلم فيها النشء المبادئ العامة . مناهج تغرس لديه احترام الرأي الآخر، وتجعله مشاركاً نشطاً في قضايا وطنه المختلفة، وفرداً فاعلاً في مجتمعه. تعلمه احترام القانون وعدم التعدي على حقوق الآخر والحفاظ على مكتسبات بلده المختلفة، وتجيب على أسئلته المتعلقة بآلية المشاركة السياسية الفاعلة ابتداء من اختيار رئيس الفصل الدراسي وانتهاء بانتخاب عضو مجلس الشورى المؤهل.

نحتاج إلى تفعيل أكبر لدور البرامج الاعلامية القائمة على الحوار ومناقشة القضايا المجتمعية المختلفة بكل شفافية ووضوح، وتقلص الهوة بين المواطن والمسئول, فمتى ما شعر المواطن بأن هناك قنوات تتيح له التعبير الصادق عما يشعر به، وما يراه ويلامس واقعه، فإنه سيكون أكثر تفاؤلاً وأقل حدة وتشاؤم.

نحتاج إلى مؤسسات مجتمع مدني تحقق مبدأ الشراكة ، وتعين الحكومة على أداء أدوارها المجتمعية، فجهود الحكومة قد تكون قاصرة في الوصول إلى كل رقعة أو حالة انسانية أو اجتماعية معينة .

نحتاج إلى مراجعة شاملة لجهود قطاعات مهمة كالتعليم والثقافة والتنمية الاجتماعية، فبرأيي أن الجهود التي تقوم بها هذه الجهات به جانب من القصور لا يتوافق والميزانيات المخصصة لها ، فحالة الحنق والغضب التي يبديها البعض هي بسبب شح الخدمات الثقافية والمجتمعية المقدمة لهم، فهل يعقل أن تظل كثير من الولايات والقرى  بدون مكتبات عامة، أو مراكز ثقافية، أو أماكن لممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية المختلفة ونحن في الألفية الثانية؟ وماذا تنتظر من شاب لا يعرف في قريته سوى المدرسة والمسجد، وباقي وقته يقضيه بلا تخطيط مسبق  لأنه لا يجد ما يشغل به هذا الوقت.

نحتاج إلى الاختيار الجيد لأعضاء اللجنة الوطنية للشباب، وسرعة الانتهاء من ذلك كي تتمكن من ممارسة دورها في التوعية والتثقيف وغرس  الفكر السياسي الواعي.

الأهم من هذا وذاك أن نعي أن هذا الوطن الغالي لا يحتمل المغامرة، ولا يحتمل  التشتت بقدر ما يحتاج إلى التعدد والتنوع وإقامة جسور التواصل بين كافة الاتجاهات مهما تباعدت المسافات، فلنرفق بهذا الوطن.